عبدالمجيد المهيلمي يكتب: حسن عبد الله.. ماذا أصاب الجنيه على يديه؟ (2)
أوضحت في المقال السابق كيف أخفق تمام الإخفاق محافظ البنك المركزي في القيام بأهم واجبات وظيفته ألا وهي الحفاظ على استقرار الأسعار. كما بينت للسادة القراء، كيف أن قرار رئيس الجمهورية رقم 346 لسنة 2023 بتمديد ولاية حسن عبد الله على الرغم من أدائه الكارثي في السنة المنصرمة جاء معيبا يشوبه عوار قانوني جسيم حيث بدا جليا أنه تم بالتخطيط المسبق والتصميم على اتباع طريق مخالف ومعاكس تماما للطريق الذي حددته المادة 17 من القانون رقم 194 لسنة 2020 في تعيين المحافظ. والعجب العجاب أن قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الأخير صدر في عهد الرئيس السيسي وبتوقعيه في 15 سبتمبر 2020.
واليوم سأقوم بالكشف على الجنيه المصري في السنة المنتهية في 18 أغسطس 2023 التي قام فيها السيد/ حسن عبد الله بأعمال المحافظ في محاولة لفهم واكتشاف سبب تمتعه بالثقة الغالية لفخامة الرئيس التي جعلته يصدر القرار الجمهوري رقم 346 لسنة 2023 بتمديد ولايته لمدة عام ينتهي في 18 أغسطس 2024.
فلنبدأ بما قاله عن الجنيه خلال المؤتمر الاقتصادي الأخير: ” مش شايف ليه في مخ الناس دائما مربوط بالدولار؟!”. تصريح كهذا لمضارب تحت التمرين بأحد البنوك يكفي لطرده بلا رجعة من غرفة تداول العملات (كاتب هذا المقال كان يوما رئيس للمتداولين بعدد من البنوك في أكثر من دولة عربية)، فما بالك عندما يتفوه محافظ بنك مركزي بهذا الهراء. مثل هذا الكلام غير متصور صدوره ممن يعمل ببنك مركزي في أي بلد بالعالم، إلا أن ذلك مسموح فيما يبدو في الجمهورية الجديدة، وإلا كان يجب أن يكون آخر ما يتفوه به من يجلس على كرسي المحافظ.
لكن الرئيس السيسي رأى غير ذلك ووجد مبتغاه في محافظ لا يرى ما يجري بسوق الصرف الأجنبي ويتخبط في القرارات الواجب اتخاذها لحماية عمله البلاد الوطنية، طالما أن القائم بأعمال المحافظ يدين له بالسمع والطاعة (مطلب النظم الفاشية كافة سواء كانت عسكرية أو دينية).
ثم أين الفنكوش أو جهاز الكفتة (سمه ما شئت) الذي حدثنا عنه وحاول أقناعنا باختراعه للترياق الشافي العافي لكل أمراض الجنيه والذي بشرنا به في المؤتمر الاقتصادي نفسه حينما قال: “حنبتدي نعمل حاجة اسمها مؤشر الجنيه المصري.. المؤشر ده حيبقى ياخد بعض العملات.. وبعض الـ ..الـ .. ويمكن الذهب و.. وإلى آخره”. فلا رأينا مؤشر ولا يحزنون. وكنت قد أجزمت في حينه بمقال نشر لي هنا بجريدة درب بتاريخ 26 أكتوبر 2022، أن هذا المؤشر الكذوب لن يغير شيئا على أرض الواقع، بخلاف كونه مادة جيدة لمانشيتات جذابة تتصدر الصفحات الأولى للصحف المصرية.
أشار تقرير لشبكة سي إن بي سي الاقتصادية بتاريخ 4 أبريل 2023، أن الجنيه المصري يحتل المرتبة السادسة بين أسوأ عملات العالم أداءً منذ بداية العام، بعد انخفاض قيمته لأكثر من النصف خلال عام 2022. فمن نهاية مارس، احتلت الليرة اللبنانية المرتبة الأولى في العملات الأكثر اضطرابًا منذ بداية العام، حيث انخفضت قيمتها بنسبة تصل إلى %70 يليها البوليفار الفنزويلي والدولار الزيمبابوي. واحتلت عملة أخرى بالشرق الأوسط – الريال الإيراني – المرتبة الخامسة بين الأسوأ.
وقد علق ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية الذي يراقب العملات المتعثرة للشبكة على ذلك قائلا:” هذه الانخفاضات الحادة ليست جديدة، حيث تعاني العملات الشرق أوسطية الثلاث من مشاكل مستوطنة خطيرة”. وتوقع – مع غيره من خبراء أسواق العملات – إن المشاكل الاقتصادية الحادة التي تعاني منها الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الشرق الأوسط تعني أن جنيهها سيتدهور أكثر، وأن مخاطر انخفاضه في المدى القريب مرتفعة.
ولنذهب الآن إلى الأسعار المعلنة بالموقع الإلكتروني للبنك المركزي المصري لأسعار صرف الجنيه مقابل بعض العملات الرئيسية، وذلك في أول وأخر يوم للسنة الأولى للقائم بأعمال المحافظ:
العملة 18/08/2022 18/08/2023 نسبة انخفاض الجنيه بالتقريب
دولار أمريكي 19.14 30.89 62%
يورو 19.47 33.64 72%
جنيه إسترليني 23.06 39.4 70%
يوان صيني 2.82 4.24 50%
ريال سعودي 5.1 8.24 62%
وإذا تتبعنا رحلة التدهور الحاد للجنيه منذ أن تولى الرئيس السيسي الحكم وحتى نهاية السنة الأولى لحسن عبد الله، سيتضح الاتي:
العملة 03/06/2014 18/08/2023 نسبة انخفاض الجنيه بالتقريب
دولار أمريكي 7.15 30.89 332%
يورو 9.7 33.64 247%
جنيه إسترليني 12 39.4 228%
يوان صيني 1.1416 4.24 271%
ريال سعودي 1.9038 8.24 332%
وبقسمة النسب الأخيرة على 9 (عدد سنوات حكم الرئيس) نحصل على النسبة السنوية المتوسطة لانخفاض الجنيه خلال فترة حكمه وهي بالتقريب مقابل: الدولار%37، اليورو %27، الجنيه إسترليني 25%، اليوان الصيني %30، والريال السعودي %37.
وبمقارنة هذه النسب الأخيرة مع نسب الانخفاض بالجدول الأول يتضح لنا تسارع التدهور بشكل مخيف خلال فترة حسن عبد الله، ويظهر إخفاقه المطلق في حماية الجنيه المصري من التدهور الشديد السريع والحفاظ على قيمته، حيث ارتفعت أسعار صرف جميع العملات الرئيسية مقابل الجنيه إلى أعلى مستوياتها التاريخية.
وإذا أضفنا ذلك إلى فشله الذريع في محاربة التضخم، فالأمر يضعنا في دهشة شديدة وحيرة وتيه وغموض لاكتشاف السبب الحقيقي وراء تمسك الرئيس بمن أفقر جموع المصريين وأهانهم يوم أهان عملتهم الوطنية.
حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه
وللحديث بقية…