ريهام الحكيم تكتب: الفساد فى العراق

مع نسمات أكتوبر 2019 انتفض الشارع العراقى فى بغداد ومحافظات الجنوب ضد الفقر والبطالة وتردى الخدمات العامة، والفساد الذى وصل إلى مستويات غير مسبوقة، تلك التظاهرات التى تحمل وراءها سنوات من الظلم والوهم والخذلان.

مظاهرات العراق 2019

 بدأت قصة الفساد فى عراق ما بعد الغزو الأمريكي في أعقاب الغزو مباشرة، قبل أكثر من 17 عاماً، فى 2003 حيث بدأ الحديث عن إعادة الإعمار لبلد أغرقته سنين الحرب والدمار.

وتولى نوري المالكي – القيادي بحزب الدعوة الإسلامي – رئاسة الحكومة من 2006 وحتى 2014 ، وفى تلك السنوات ضُخت فى خزينة الدولة العراقية مليارات الدولارات من أجل مشاريع إعادة الإعمار (ما سمي  بالموازنة الإنفجارية / الخطط التنموية الإنفجارية)، ووعد المالكي الشعب العراقي فى بداية عهده بمشاريع كبرى للتنمية الزراعية والصناعية وبناء الوحدات السكنية والمدارس والمستشفيات ومد السكك الحديدية.

مَرت سنوات واستيقظ الشعب العراقي على وَهم كبير اسمه “مشاريع إعادة الإعمار”، مليارات الدولارات انفقت على مشاريع وهمية لم ترى النور .

في آواخر 2014 وصل حيدر العبادي إلى الحكم بعد سقوط مناطق فى شمال وغرب العراق فى يد تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” وتظاهرات عراقية فى مناطق عدة ضد الفقر وضعف الخدمات. اتخذ العبادي قراراتً بتسوية 9000 مشروع “وهمي” وإحالة 5000 موظف بدرجة مدير عام إلى التحقيق فى تهم فساد.

ومنذ 2014 بدأ الحديث عن الفساد في العلن، وتقول الأرقام الرسمية أن فاتورة الفساد في العراق خلال 14 عامًا بلغت 300 مليار دولار، أمريكي وأكثر من 16000 قضية فساد طالت الكثير من المسؤلين والأسماء من جميع الانتماءات والتوجهات السياسية داخل البرلمان.

 العديد من العقود الوهمية  لتسليح الجيش وأخرى للنفط والخدمات العامة والبنى التحتية والمدارس، أشهرها  مشروع “تطوير قناة الجيش” وهو مشروع لتطوير وتجميل العاصمة بغداد على امتداد 23 كيلو متر مصحوباً بمناطق ترفيهية ومشروع بناء 1700 مدرسة بميزانيات قدرت بمليارات الدولارات، ومشاريع أخرى وصفت بالوهمية أو المتعثرة ولا يعرف مصير الأموال التى خصصت لها.

أكثر من 160 مليار دولار أمريكى حجم الهدر المالي فى عهد نوري المالكي طبقا لتقرير هيئة النزاهة العراقية ولم يستطع ديوان الرقابة المالية، مكتب المفتش العام العراقي، وهيئة النزاهة وغيرها من الجهات الرقابية أن توقف نزيف الفساد الذي أنهك مؤسسات الدولة.

أشهر الفضائح فى ملف الفساد السياسي فى العراق :

  1. النائب السابق فى البرلمان مشعان الجبوري الذي اعترف على نفسه فى أحد الفضائيات العراقية بتلقي رشوة تقدر ب 5 مليون دولار للتستر على قضية فساد، أثناء عضويتة فى لجنة النزاهة فى برلمان 2014″ ولم يقدم للمحاسبة أو حتى التحقيق لمجرد أنه قال خدت الفلوس وما نفذت المطلوب.
  • تصريح حيدر العبادي رئيس الوزراء فى 2014 عن وجود 50 ألف جندي “وهمي” داخل الجيش العراقى يتقاضون رواتب، وهو ما عرف فى وسائل الاعلام بإسم “الموظف الشبح”، وتصريح هوشيار زيباري وزير المالية السابق عن أن هناك حوالي 500 مليون دولار تنفق سنويا  كرواتب لشخصيات وهمية داخل الجيش العراقي.

  • تصريح النائبة فى البرلمان حنان الفتلاوي عام 2014  فى لقاء مصور، أن العراق كيكة ونحن السياسيين قد تقاسمناها  وقالت النائبة “كل واحد فينا أخد جزء من الكيكة وفرح بيها  على شكل عقود ومناقصات.. كلنا استفدنا”.

  • فضيحة المشاجرة داخل البرلمان فى 2016 عندما استدعت النائبة عاليه نصيف وزير الدفاع آنذاك خالد العبيدى للاستجواب، وخلال الاستجواب وقف وزير الدفاع واتهم النائبة – صاحبة طلب الاستجواب – ونواب آخرون بمساومتة مقابل منح عقود لمقربين ونقل قيادات عسكرية فى وزارته واعتبر الوزير الاستجواب هو نوع من الانتقام لرفضه تمرير الصفقة.
  • عام 2018 وفي أحد جلسات مجلس الوزراء استعرض رئيس الوزراء عادل عبد المهدي شريطاً مسجلًا لأحد الوزراء داخل حكومته، وهو يبيع منصب أحد مديريات وزارته إلى تاجر سياسي، واكتفى عادل عبد المهدي بعرض الفيديو ولم يتم تقديم الوزير إلى التحقيق أو المساءلة.

  • تصريح محافظ البنك المركزى العراقي (على العلاق) 2018 فى جلسة للبرلمان عن تَعرض مبلغ 6 مليون دولار للتلف فى بنك الرافدين الحكومي عام 2013 نتيجة دخول الأمطار واعتبر العلاق ان ما حدث كان “قضاء وقدر”.

  • تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي الذي ذكر أن حكومة بغداد أنفقت حوالي 8 مليار دولار على الجيش العراقي عام 2013 وفي عام 2014، لم يستطع الجيش العراقي التصدي لهجوم تنظيم الدولة الاسلامية فى شمال وغرب العراق.

  • تقرير وكالة موازين نيوز العراقية عن رواتب الوزراء العراقيين التي تخطت 10 آلاف  دولار شهرياً لكل وزير وراتب النائب داخل البرلمان بـ 150 الف دولار سنوياً .

  • مشروع انشاء مبنى للبنك المركزي في العاصمة بغداد بتكلفة 800 مليون دولار، وانشاء سجن فى محافظة القادسية (سجن الديوانية) بتكلفة 700 مليون دولار.

إذن فإن العراق الذي يعد خامس أكبر احتياطى نفط فى العالم – بعد فنزويلا والسعودية وكندا وإيران – قد تعرض منذ الغزو الأمريكي 2003 إلى عملية تجريد من الكفاءات القادرة على إدارة الدولة، العراق الذي تم بناؤه من قبل الاحتلال الأمريكي بقيادة بول بريمر اعتمد على أطراف جديدة اشهرت القبول للتواجد الامريكى، وكان التأييد للاحتلال هو المحدد لاختيار القيادات الجديدة وليس القدرة على إدارة الدولة.

تلك النخبة السياسة التي أفرزها الإحتلال الأمريكي، ومن خلفهم من الساسة الجدد حتى 2019 جعلت من الفساد والإهمال، وانعدام الكفاءة هو جوهر النظام السياسى فى العراق وأدخلت السلطات الثلاثة (البرلمانية والتنفيذية والقضائية) فى منظومة الفساد، وهو ما انعكس بالضرر على الأمن المجتمعي فى كافة أنحاء العراق.

#العراق_ينتفض

#نريد_وطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *