د. يحيى القزاز يكتب: هل يفعل السيسى ما فعله النحاس باشا؟

أزمة سد النهضة الإثيوبى هل هي حصار لمصر أم لإثيوبيا أم هي مسرحية هزلية أعيت المفاوضين والمشاهدين؟ أزمة.. أما آن لها أن تنتهى لنتفرغ لما بعدها؟! إنها ملهاة بحق تجرنا للخلف، وتعوقنا عن التقدم في السير للأمام، وفى أفضل الأحوال تجعلنا محلك سر.

يرى الكاتب الكبير محمد عبد الحكم دياب أن  “اتفاق المبادئ” الذى وقع في 2015 بين رئيسى مصر والسودان ورئيس وزراء اثيوبيا “لايوجد  فيه ما يشير لشيء محدد أو دقيق وقانوني وسياسي أو تاريخي”، ويمكن سحب التوقيع لأن فيه بداية الحل، بينما يرى د. أحمد المفتى خبير القانون الدولى أن توقيع “اتفاق المبادئ” حَوًل سد النهضة الإثيوبى “من سد غير مشروع دوليًا إلى مشروع قانونيا، ولا يعطى مصر والسودان نقطة مياه واحدة”،

ويرى د. جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية أن ديباجة وثيقة إعلان مبادئ 2015، غيرت تصنيف نهر النيل من “نهر دولى” لايجوز تقسيمه باعتباره وحدة هيدرولوجية واحدة، إلى “نهر عابر للحدود” يعتبر بحيرة تابعة لدولة المنبع، لذلك اعتبرته اثيوبيا بحيرة اثيوبية.

سواء كان الاتفاق ملزمًا أو غير ملزم، فبعدم الانسحاب منه يصير الاتفاق ضد مصر ولصالح اثيوبيا، وتصبح اثيوبيا بموجبه مالكة للنهر وصاحبة المنح والمنع، ومايحدث من مفاوضات هو مضيعة للوقت. ويشاع عبر صحف أن الحل سيأتى من إسرائيل بتوصيل مياه نهر النيل إليها عبر “سحارات سرابيوم” وترعة سيناء ونغترف منه حسب المسموح لنا من إسرائيل، وهناك شائعات تروج لبيع مياه النيل. ونتمنى من الحكومة المصرية الرد بدلا من الصمت، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقى على لسان كليوباترا: “وغدا يعلم الحقيقة قومى/ فليس شيئ على الشعوب بسر”.

كيف لإثيوبيا أن تمنع مصر حقوقها الحياتية قبل التاريخية في مياه نهر النيل؟! وهى الدولة النائمة في حضن القرن الأفريقي (الصومال العربية)، ويحدها من الشرق جيبوتى والصومال (دولتان عربيتان)، ومن الشمال دولة أريتريا، ومن الشمال الغربى السودان، ومن الغرب جنوب السودان، وكينيا تحدها من الجنوب الغربى. وإثيوبيا لا موانئ ولا منافذ بحرية لها وبلغة الجغرافيين فهى “دولة حبيسة”، فلماذا لايستخدم النظام الحاكم هذه الميزة ويدعو لمقاطعتها وحصارها حتى تفيء إلى الحق؟! كما فعل العالم مع نظام جنوب افريقيا العنصرى في القرن الماضى، وتفعله أمريكا حاليا مع كل من يخالف قوانينها الظالمة. وتتلخص الدعوة لحصار اثيوبيا في المقاطعة ولكى تثمر يجب:

أولا: رأب الصدع الداخلى والافراج عن كل أصحاب الرأي المحبوسين الذين لم يصدر بحقهم أحكام نهائية وباتة.

ثانيا: إعلان التعبئة العامة للشعب كله باعتبار أننا في حالة حرب (سياسية).

ثالثا: استخدام بقايا قوى مصر الناعمة في الدعوة لمقاطعة اثيوبيا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا باعتبارها نظام فاشى يعمل على إبادة دولة من على الوجود بحرمانها من حقها في مياه النيل.

رابعا: أن يعلن السيسى انسحابه من التوقيع على وثيقة المبادئ، وليس في هذا ما يقلل من شأنه، فهو وقعها بصفته الرئاسية لمصر وليس بصفته الشخصية لرى أرضه الزراعية. فعلها “النحاس باشا” حين وقع معاهدة 1936 مع الانجليز لجلائهم عن مصر، ولما سوفوا قام بإلغائها من جانب واحد في عام 1951، وقال جملته الشهيرة مخاطبا شعب مصر: “من أجلكم وافقت على معاهدة ستة وثلاثين ومن اجلكم أعلن اليوم إلغاءها” فزادت شعبيته وخلده التاريخ كرجل وطنى يعمل من أجل مصر ولا يعنيه شخصه.

خامسا: أن يدعو النظام أصدقائه فى الأنظمة العربية والخارجية ورجال الأعمال بتوقف استثماراتهم في سد النهضة، وأن يرجوا لمقاطعة إثيوبيا.

سادسا: أن تسمح الحكومة بتشكيل وفد “الدبلوماسية الشعبية” تحت رعايتها، ويطالب بحقوق مصر التاريخية في النهر. وهو وفد شعبى غير رسمي مؤهل ذو كفاءات مهنية وفنية عالية من سياسيين ودبلوماسيين واقتصاديين وعسكريين ومثقفين ورجال أعمال وأدباء وفنانيين وعلماء مشهود لهم بالكفاءة والمصداقية وحب الوطن.. كل في مجاله، دبلوماسية شعبية مسئولة، ومسموح لكل فرد أن يمارس هذا الدور من خارج الوفد طالما هو مؤهل وكفؤ وملتزم بتعليمات الدولة في الحل السلمى، والدعوة لمقاطعة نظام اثيوبيا من أجل الحصول على حق الدولة المصرية في المياه. هذا يدعم الحكومة ويقوى موقفها أمام الرى العام العالمى، وينقل المعركة من ملعب النظام لملعب الشعب وتصير معركة الشعب كله وليست معركة النظام فقط.

مهما تكن البدائل الظاهرة والخفية لحصتنا في مياه النهر فلن تعوضنا حقنا في المياه. وتحلية المياه تصلح للشراب وتكلفتها عالية جدا على الزراعة، تكلفة تحلية المتر المكعب 10 آلاف جنيه، سعر اللتر فيها 10 جنيهات. وشراء المياه من اثوبيا وبيعها تكلفته عالية ولا يتحملها المحصول، وشراكة إسرائيل في النهر قيد وسلب حرية، إعدام بالبطيء للشعب المصرى.

المعركة في ظاهرها معركة مياه وفى جوهرها معركة إرادة شعب واستقلال وطن وسيادة دولة.. معركة وجود.

لتكن آخر محاولة -قبل دق طبول حرب سيكون ثمنها باهظ على الجميع- الدعوة للمقاطعة بدبلوماسية رسمية وشعبية، وفيها اختبار لقوة الشعب وصلابة معدنه وسلامة الجبهة الداخلية، حتى إذا فشلت المقاطعة، ونجحت الدبلوماسية الشعبية في أداء دورها، نصبح مؤهلين لدخول الحرب ونحن على قلب رجل واحد.

على النظام أن يقوم بدوره وينسحب من اتفاقية المبادئ، وإن لم يفعل يتحمل مسئوليته التاريخية ووزره، وأن دوره للأسف كان حصار مصر وليس اثيوبيا، ويوصف عهده بعهد التفريط.

للأسف تخطئ الحكومات وتدفع الشعوب الثمن.

#المقاومة_هي_الحل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *