د. ممدوح سالم يكتب: لغتنا الجميلة
(تحدثوا بها قبل أن تتحدثوا عنها؛ فإنها لغة اليشرية العلية ولسان الإنسانية)
من أسف، هكذا هي عادتنا في الاحتفاء بكل نفيس تملكناه، ثم زهدناه حتى صار بيننا ذكرى من الذكريات!
يوم كيوم لغتنا الجميلة نتذكره ولا نذكره، ثم لا يسعنا إلا أن نحتفي به شعارات جوفاء نعلن فيه مجرد انتسابنا إليها، أو صلتنا بها رحما مقطوعة كلما حان يومها الموسوم بالعالمي في 18ديسمبر من كل عام.
أتحدث عن لغتنا الجميلة، اللغة العلية، لغة الذكر الحكيم والحديث الشريف، لغة الشعر والبيان، لغة الحب والجمال، لغتنا التي شوهنا ملامحها الحسناء على ألسنتنا، واستبدلنا بجمالها رطنًا قبيحًا مسموعًا في حديثنا، مسطورًا في كتبنا ومناهجنا، مرئيًا في لافتاتنا وشوارعنا وأحيائنا حتى حاراتنا لم تخلُ منه..
أصبحت اللغة غريبة في أوطانها، منكورة في دروبها، مستهجنة لدى من يتلقاها في عصر المسخ الذي تسيد كل الأشياء..
مجامعنا اللغوية غدت متاحف لحفظ ما ينبغي قوله ولا يقال، وما يجب استعماله ولا يستعمل؛ كثيرة هي التوصيات التي تصدر ثم تعلب عادة؛ لأنها لا تجد سلطة نافذة تقوم عليها، ولا تكترث لأمرها..
قليل من معلمي العربية هم من يحرصون على الحديث والتحدث بها مع طلابهم في أعرق معاهدها، أما خطباء المساجد معظمهم فلا يقيمون جملة صحيحة إلا ما ندر، أو حين يتلون كتاب الله..
أقول:
أمس، واليوم، وغدا وبعد غد، وقد يمتد العرس إلى أسبوع على أكثر تقدير، هنا وهنالك سنقيم أعراسنا احتفاء بالمليحة في يومها الذي اختارته لنا الأمم المتحدة لنحييها، ثم سرعان ما ينفضًُ العرسُ، وننفض أيدينا إبراء للذمم كما يقولون..
لغتنا تلك التي اختارها رب العالمين لسانًا عربيًا قويمًا لكتابه العزيز لغة سماوية عليَّة لفظًا ومعنى وبيانًا ودلالة وإعجازًا يعجز اللسان عن بيانه، لغتنا الشاعرة تلك ممارسة سلوكية راقية تحمل مشاعرنا وإحساسنا وهمومنا وأفراحنا وأتراحنا وحياتنا كلها..
إن لغتنا الجميلة مليحة تُكسب ملاحتها لسان متحدثيها، وتنقله إلى الآذان نغمًا ساحرًا..
فيا بنيها،، تعلموها وعلموها أبناءكم، وتحدثوا وحدثوا بها غيركم، ومارسوها سلوكًا راقيًا تحدثوا بها قبل أن تتحدثوا عنها ترتقوا، وفكروا بها وتدارسوها تصحُّوا، فإنها لغة اليشرية العلية، ولسان الإنسانية.