د. مصطفى كامل السيد يكتب: ماذا ستكون سياسة إدارة دونالد ترامب في الشرق الأوسط؟ تدليل إسرائيل أم كسب صورة جديدة كحلال العقد؟
تحسب حكومات العالم أنفاسها ترقبا لما ستكون عليه سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عندما يدخل البيت الأبيض في ٢٠ يناير من العام القادم. والسبب في ذلك أن شعاره المعلن: الأولوية لأمريكا، تعني التخلي عن كثير من السياسات التي اتبعتها الإدارات الأمريكية السابقة، ولأنه في نظر الكثيرين ممن عرفوه يصعب التنبؤ بأي سياسات سيتبعها لأنها كلها ستكون ترجمة لأفكاره في أي لحظة دون تقيد بما قد تنصح به مؤسسات الحكومة الأمريكية المختلفة سواء تعلق ذلك بالسياسات الداخلية أو الخارجية. وإذا كان ذلك هو حال الحكومات الحليفة للولايات المتحدة سواء في أوروبا أو في أمريكا الشمالية أو في شرق آسيا، فالقلق من سياسات ترامب القادمة هو أكبر في الوطن العربي وفي المحيط الشرق الأوسطي الذي يضمه، لأن سياسات ترامب في إدارته الأولي كانت انحيازا صارخا لإسرائيل، باعترافه بالقدس عاصمة لها وبموافقته علي ضمها للجولان السورية، وبسعيه الدؤوب لتطبيع علاقات إسرائيل بالدول العربية دونما نظر لحقوق الفلسطينيين، وهو ما أدي بالفعل إلي قيام أربع حكومات عربية بالاعتراف بإسرائيل وتبادل السفراء معها والتوسع في العلاقات الاقتصادية بل والعسكرية معها، وكان ذلك حال حكومات الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، دون أي خطوات موازية تبذلها إسرائيل للعدول عن احتلالها لأراض عربية ، ودون حتي مجرد الاعتراف بحقوق مشروعة للفلسطينيين أو للدول التي استمرت في احتلال قسم من أراضيها كما هو حال سوريا ولبنان، وفضلا علي ذلك فالشعوب العربية مهتمة بموقفه من إيران لما لذلك آثار علي أمنها، ومن المعروف أنه في إدارته السابقة انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق المبرم مع إيران ودول أخري في ١٩١٥والذي وضع قيودا علي برنامج إيران النووي، مدعيا أن هذا الاتفاق لا يكفي لوقف طموحات إيران النووية.
وإذا كان ترامب يصعب التنبؤ بأفكاره ومواقفه عندما يكون في البيت الأبيض، فهل من سبيل للتكهن بما ستكون عليه تلك السياسات.؟ هناك من الشواهد ما يوحي بما ستكون عليه مواقفه، أولها مشروع الحكومة الذي قدمته له بالفعل إحدى مؤسسات الفكر المحافظة في الولايات المتحدة والتي قامت بدور مماثل مع كل الرؤساء الجمهوريين، وهي مؤسسة Heritage أو التراث، والتي تدعي أن إدارة ترامب قد نفذت ٦١٪ من توصياتها خلال فترته الأولي في البيت الأبيض، وثاني هذه الشواهد هو الشخصيات التي رشحها لتولي مناصب لها علاقة بسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وثالثها بعض التصريحات التي أدلي بها ترامب خلال حملته الانتخابية.
التقرير الذي أعدته مؤسسة Heritage و الذي شارك فيه مئات من الخبراء ممن ينتمون بدورهم إلي عشرات من مراكز الأبحاث والجامعات الأمريكية ويحمل عنوان تفويض للقيادة: الوعد المحافظ : Mandate for leadership
The Conservative Promise.Project 2025أو مشروع ٢٠-٢٥ ويقع في أكثر من ستمائة وخمسين صفحة تقريبا خص الشرق الأوسط منها صفحتين. أي أقل من ٠،٠٣ في المائة. تؤكد نصائح هذا التقرير علي أن الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب يجب أن تهتم بالشرق الأوسط ولا تنسحب منه فتتركه لخصومها، وذلك حرصا منها علي أهميته لأمنها، وفي هذا السياق يتقدم التقرير بأربع توصيات محددة:
أولها وقف برنامج إيران النووي عن طريق متابعة العقوبات التي فرضتها حكومة ترامب السابقة، وتقديم المساعدة الأمنية لحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط وخصوصا توفير الدعم العسكري والدبلوماسي لإسرائيل والمرونة الدبلوماسية لتمكين إسرائيل من مواجهة إيران والمنظمات التي تؤيدها وهي حزب الله وحماس ومنظمة الجهاد الإسلامي وأنصار الله الحوثيين، وتشجيع الإيرانيين الذين يتطلعون إلي تحقيق الحريات دون التدخل المباشر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ووقف تمويل منظمة التحرير الفلسطينية.
وثانيها توسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية التي وقعها عدد من الحكومات العربية مع إسرائيل خلال فترة ترامب الأولي وتوثيق العلاقات مع المملكة العربية السعودية وتلبية مطالبها العسكرية والسعي لإبعادها عن كل من الصين وروسيا، وكذلك تقوية العلاقات مع تركيا لإبعادها عن المحور الروسي الصيني ومعالجة مسألة الموقف من المطالب الكردية.
وثالثها إقامة حلف دفاعي مع الحكومات الصديقة للولايات المتحدة يضم إسرائيل ومصر والأردن ودول الخليج وربما الهند، وحماية حرية الملاحة في كل من الخليج والبحر الأحمر.
ورابعها الاهتمام باحترام حقوق الإنسان في الشرق الأوسط مع موازنة ذلك بالاعتبارات الاستراتيجية والتأكيد على احترام حريات الأديان في المنطقة وخصوصا بالنسبة للمسيحيين والأقليات الأخرى.
وهكذا وباستثناء الإشارة إلى وقف تمويل منظمة التحرير الفلسطينية ومساعدة إسرائيل على مواجهة حلفاء إيران في الشرق الأوسط، منهم كل من حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي، لا توجد أي إشارة أخري في هذا التقرير إلى الفلسطينيين وحقوقهم أو ما يعرف بقضية السلام في الشرق الأوسط.
والشاهد الثاني علي طبيعة السياسات التي ستتبعها إدارة ترامب المقبلة في الشرق الأوسط هو الشخصيات المرشحة لتولي مناصب مهمة ذات علاقة بالشرق الأوسط في ظل إدارته. والانطباع العام عن هذه الشخصيات كلها أنها من المغالين في تأييدهم لإسرائيل.
منهم مايك وولز الذي اختاره ليكون مستشاره للأمن القومي الذي وعد بأن يضع نهاية لمعاداة السامية في الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، ومايك روبيو المرشح ليكون وزيرا للخارجية الذي يري أن كل ماحدث من معاناة المدنيين في غزة هو بسبب حماس، ؤإليس ستيفانيك المرشحة مندوبا دائما في الأمم المتحدة هي التي قادت في الكونجرس مساءلة رئيسات كبري الجامعات الأمريكية عن مظاهرات الطلبة المؤيدة للفلسطينيين، ومايك هوكابي المرشح سفيرا في إسرائيل يرفض الحديث عن الضفة الغربية وغزة باعتبارها أراضي محتلة، فهي في رأيه جوديا وسماريا اليهوديتان ، وأخيرا فستيف ويتكوف المرشح مبعوثا خاصا للشرق الأوسط ، هو يهودي صديق لدونالد ترامب، وهو مستثمر عقاري ، وليست له خبرة سابقة بالشرق الأوسط. الخلاصة إذن أن فريق ترامب الذي سينفذ سياساته بالنسبة للشرق الأوسط يخلو من أي شخص يمكن أن تكون له رؤية متوازنة بالنسبة لما يجري في الشرق الأوسط.
وهكذا استنادا إلي سياسات ترامب خلال ولايته الأولي التي اتسمت بالانحياز الكامل لكل مطالب إسرائيل ونصائح المؤسسة المحافظة التي قدمت له تقريرها عما ينبغي أن يفعل خلال وجوده في البيت الأبيض وشخصيات المحيطين به المسئولين عن تنفيذ سياسات إدارته في الشرق الأوسط ليس لنا إلا أن نتوقع أن تكون إدارته الثانية أكثر صفاقة في مساندة توسع إسرائيل في الأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان واستمرار أعمالها العدوانية تجاه الدول العربية الأخرى سواء في اليمن أو العراق، وخصوصا أن بعض تصريحاته خلال الحملة الانتخابية مثل تعجبه من صغر مساحة إسرائيل تشجع علي هذا التوجه . ومن ناحية أخري فقد أوحي له بعض كتاب الرأي في الصحف الأمريكية أنه يمكن أن يدخل التاريخ لو تمكن من تحقيق السلام في الشرق الأوسط، كما صرح هو بأن مشاكل الشرق الأوسط معقدة، ولكن فيها بعض الفرص، كما أعرب عن تطلعه أن يدخل البيت الأبيض وقد تم وضع نهاية للحروب الدائرة في الشرق الأوسط. كل ذلك جعل بعض الساسة العرب يعلقون الأمل رغم كل المعطيات السابقة أن يكون ترامب في فترة رئاسته الثانية بالنسبة للشرق الأوسط مختلفا عما كان عليه في رئاسته الأولي. تشتت الوطن العربي بين قيادات لا تولي التعاطف مع الشعب الفلسطيني أو مواجهة المخططات التوسعية الإسرائيلية أولوية كبري في حساباتها يرجح أن تكون إدارة ترامب الثانية أسوأ بالنسبة للشعوب العربية عما كانت عليه رئاسته الأولي.
ـــتنويه: نشر المقال بالعدد الجديد من مجلة التحالف