د. زهدي الشامي يكتب: سياسة الجباية من الصغار والبسطاء لن تحل الأزمة الاقتصادية
ذكرتني الخطوات المتتابعة الراهنة لزيادة الجباية من مختلف الفئات من صغار المشتغلين فى الإقتصاد المصرى بمنطق طلب تسليم الفكة للحكومة لتعويض العجز المالى الناتج عن سياساتها التى تتسم بالبذخ والتبذير والهدر . تهدر المليارات وتطلب الملاليم غير القادرة على تعويض هذا النزيف . وبالمثل تعفى الحكومة أنشطة تتعاملةبمليارات الجنيهات من الضرائب ، وتحاول تعويض ذلك بالجباية من صغار المهنيين وأصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وملايين العاملين على باب الله فى الإقتصاد غير الرسمى فى الشوارع والحارات .
كانت أبرز الخطوات الحكومية الأخيرة هو قرار تطبيق الفاتورة الإلكترونية فى شهر ديسمبر الحالى ، وهو قرار تسبب فى ثورة فى قطاعات عديدة أبرزها المحامين وبعدها الأطباء والمهندسين وغيرهم .
لم يعترض أحد على المبدأ ، ولكن الجميع رأوا أن الشيطان يكمن فى التفاصيل . فالمحامون يقولون انهم أصحاب خدمة ورسالة وليسوا تجار سلع حتى تعاملهم الحكومة بهذه الطريقة . وأنهم يدفعون فعلا ضريبة القيمة المضافة لخزينة المحكمة ، وأن الرسوم المفروضة للتحول للفاتورة الإلكترونية مبالغ فيها وتصل لآلاف الجنيهات ، وتحصلها شركة أنشأتها الحكومة مع شركات خاصة ستكون المستفيد الأول مما تحصله من رسوم
ولاتميز الفاتورة والنظام بين كبار الممولين وصغار المحامين المبتدئين وهم القاعدة العريضة ، ولا تأخذ فى الاعتبار كافة المصروفات التى يتكبدونها يوميا . ويرون ونرى معهم أن المواطن سيتحمل فى النهاية تلك الزيادات الكبيرة ، وأن التفنن فى رفع رسوم التقاضى اضعافا مضاعفة أصبح يهدد بالفعل حق المواطن فى ممارسة حق التقاضى وهو حق كفله له الدستور .
والمثير أنه وتزامنا مع أزمة الفاتورة الإلكترونية ، اختلفت الحكومة أزمة جديدة هى أزمة ما يسمى قانون المحال العامة . والغريب أننا نشهد تفعيل قانون قديم صدر قبل ثلاثة سنوات وتم تجميده طوال تلك الفترة للصعوبات التى لا حصر لها فى تنفيذه على أرض الواقع ، شأنه شأن قانون الشهر العقارى الشهير الذى أحدث ثورة عارمة فى المجتمع أدت لتجميده وقتها . فما الذى استجد حتى تفعله الحكومة اليوم بالتزامن مع الفاتورة الإلكترونية ، وفى وقت تعانى فيه مصر أسوأ أزمة اقتصادية وتزايد الأسعار يوميا ويتراجع الجنيه المصرى بدرجة خطيرة مما يؤثر على الجميع وخاصة صغارا المشتغلين .
اليوم تريد الحكومة فرض أعباء جديدة على القطاعات الاقتصادية برسوم معاينة وترخيص بمبالغ كبيرة تصل إلى ١٠٠ ألف جنيه ، وبمتطلبات إضافية متعددة كأوراق تصل الى ١٣ مستند ، واشتراطات مكلفة أخرى كتركيب كاميرات وخلافه .
الأمر الذى يثير القلق مرة أخرى أن المشروعات الصغيرة المتناهية الصغر والقطاع غير الرسمى التى يعمل فيها الملايين والنسبة الأكبر من المشتغلين لا يملك الموارد الكافية لتلبية تلك الشروط .
ويبلغ عدد المنشآت فى القطاع غير الرسمى٢ مليون منشأة بنسبة ٥٣ % من إجمالى المنشآت العاملة فى مصر ، وبعدد مشتغلين يصل إلى أربعة ملايين مشتغل .، والمبالغ المستثمرة فيه وفقا للبيانات الرسمية هزيلة تبلغ حوالى ٦٩ مليار جنيه ، بما نسبته ٥.١ % فقط من رأس المال المدفوع لقطاعات النشاط الاقتصادى الإجمالية.
ولذلك فإن هذا القطاع غير الرسمى ومعه كل المشروعات الصغيرة، وهى كلها تعانى من مؤشرات تدهور كبير وخطير ، كات بحاجة لخطة دعم وتطوير حكومية لدعمه وتطويره وربطه وبالقطاعات الاقتصادية المنتجة الكبرى صناعية الزراعية على نهج الدول الناجحة ، وليس النظر له كوعاء تبتغى منه الحكومة زيادة الضرائب والرسوم .
لكل ما سبق لا يمكن القولةعن حق أن النهج الحكومى الحالى فى تسديد الجباية بمختلف الطرق من رسوم وضرائب وغرامات متعسفة هو نهج لا نجد له شبيها فى التاريخ المصرى المعاصر .
تلك هى القضية ، ومن نوافل القول أن اى قرار حكومة يتحول فى التنفيذ على يد البيروقراطية الحكومية من الاغراض السامية التى تتخفى وراء عبارات إنشائية ، إلى متاهة من الإجراءات العقيمة والتقييدية التعسفية ، وهذا ما ظهر مبكرا من القائمة التى أعلنت عنها الأجهزة الحكومية للأنشطة التى تتطلب ترخيصها أمنيا وتضم ٨٣ نشاط . وأن كان اشتراط هذا الترخيص الأمنى لأصحاب تلك الأنشطة ينتهك فى حد ذاته حقهم الدستورى فى العمل ، فإنه فوق ذلك يبدو مثيرا لاشد الاستغراب اذ يتضمن أنشطة لايتخيل عاقل إنها يجوز أن تتطلب تصريحا أمنيا خاصا كمحلات بيع المياه الغازية ، ومحلات البقالة ، وتصليح الاحذية ، والخردوات .
وشر البلية ما يضحك.