د. زهدي الشامي يكتب: سداد الديون بخصخصة القناة معالجة للخطأ بخطأ أشد
بعد أن هدأت لفترة فتنة خصخصة قناة السويس التي أثارتها الحكومة في شهر ديسمبر الماضي بتقدمها لمجلس النواب بمشروع قانون لتعديل قانون هيئة قناة السويس رقم ٣٠ لسنة ١٩٧٥، يتضمن تأسيس “صندوق هيئة قناة السويس”، اثار معارضة واسعة تخوفا من ارتباطها بخصخصة قناة السويس قدس أقداس مصر ورمز نضالها الوطني وبوابة أمنها القومي، بما اضطر السلطة الحاكمة لتجميد المشروع مؤقتا بعد التصديق عليه فعلا في قراءة أولية بمجلس النواب بتاريخ ١٩ ديسمبر ٢٠٢٢.
وعادت الحكومة في ٨ يونيو الجاري للإعلان عن تأسيس شركة قابضة لقناة السويس، خاضعة لقانون رقم ٢٠٣ بشأن شركات قطاع الأعمال العام، ما أحيا المخاوف المتعلقة بالتوجه لخصخصة قناة السويس.
وقد تعززت هذه المخاوف بالإعلان فعلا في ٢٢ يونيو عن طرح ٢٠ في المئة من أسهم شركة “القناة لرباط وأنوار السفن” في البورصة. ومن المفهوم أن ذلك الطرح هو مجرد بداية وتجربة وستتلوه طروحات أخرى وفق ما أعلن الفريق أسامة ربيع.
في الحالتين ودائما ما ينكر رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع والحكومة ومجلس النواب أن الأمر يتصل بخصخصة قناة السويس، ويزعمون أن ما يحكم القناة هو نص المادة ٤٣ للدستور التي تقرر أن الدولة ملتزمة بحماية قناة السويس وتنميتها والخفاظ عليها. ونفى وزير شؤون المجالس النيابية أن إنشاء صندوق يتبع قناة السويس الهدف منه بيع القناة، بل الهدف هو تحقيق التنمية الحقيقية للهيئة.
إلا أن الرأي العام رأى في هذا الطرح خطرًا حقيقيا يمس الاستقلال الوطني. وقد كان هذا التقييم السلبي عامًا في أوساط قوى المعارض. والقوى الوطنية وأوساط فى النخبة الحاكمة شملت الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس السابق الذى قال حينها: “من المستحيل تطبيق هذا القانون لأنه سيفتح الباب أمام أمر لم يحدث من قبل وهو وجود أجانب في إدارة قناة السويس، كما أن دخول مستثمرين أجانب سيسبب حالة فزع لدى المواطنين”.
وفي الواقع فإنه خلافا للتطمينات غير المقنعة للفريق ربيع والحكومة ومجلس النواب، فقد كانت المادة ( ١٥ ) مكرر ٢ من مشروع القانون المذكور واضحة تماما في أنها تفتح الأبواب لمشاركة الأجانب في ملكية أنشطة ومشروعات قناة السويس، حيث نصت على “تمكين الصندوق من القيام بجميع الأنشطة الإقتصادية و الاستثمارية، ومنها: تأسيس الشركات والاستثمار في الأوراق المالية وشراء وبيع وتأجير واستئجار أصول الصندوق الثابتة و المنقولة والارتفاع بها”. ويجب أن نشير هنا إلى أن الأصول التي يمكن أن تؤول للصندوق ضخمة للغاية، مثلها مثل الأصول التي يمكن أن تؤول للشركة القابضة التي جرى تأسيسها مؤخرا.
وبالتالى فإن المسألة ليست خصخصة أو عدم خصخصة المجرى الملاحي للقناة الذي لا يمكن خصخصته في حد ذاته، بل خصخصة الأنشطة المرتبطة بقناة السويس وفقا لما ورد بالفعل في وثيقة سياسة ملكية الدولة التي قدمتها الحكومة في العام الماضي في سياق سعيها لمعالجة أزمة المديونية الخارجية الخطيرة التي تسببت بها، وسعيها لعقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وكذلك خصخصة هيئة قناة السويس نفسها والشركات التابعة لها.
إن الأمر نفسه ينطبق على المسار الجديد الحالي لتأسيس شركة قابضة تابعة لقانون قطاع الأعمال العام وطرح شركات هيئة القناة في البورصة. وعموما فرغم الضبابية التي تحيط بمفهوم الأصول، فإن تلك الأصول التي يمكن أن تؤول سواء للصندوق أو الشركة القابضة ضخمة للغاية. ومن الشركات التابعة للهيئة: التمساح لبناء السفن، القناة لرباط وأنوار السفن، القناة للإنشاءات البحرية، القناة للحبال ومنتجات الألياف الصناعية، ترسانة السويس البحرية، الأعمال الهندسية البورسعيدية، القناة للترسانة النيلية.. هذا بالإضافة لمشاركتها في عدد من الشركات ذات الصلة وعد. من الترسانات منها: ترسانة بور سعيد البحرية، ترسانة بور فؤاد البحرية، ورش كبرى ومصنع لنشات وأرصفة وخلافه.
كما يتبع الهيئة وفق قانونها أراضٍ وعقارات ضخمة، ولها تملك الأراضى بنزع ملكيتها للمنفعة العامة، بما يعني أنها تتحكم في مساحات شاسعة من الأراضي ذات الموضع الاستراتيجي.
يتعين أن نشير للآثار المتوقعة الخطيرة لتلك الخطة للخصخصة. فعلى عكس ما تروج له الحكومة من أفكار لسداد الديون التي أصبحت عاجزة عن سدادها فإن خصخصة وبيع تلك الأصول الرابحة الكبرى ستؤدي لمزيد من العجز المالي الداخلي والخارجي، وبالتالي فإنها تعني معالجة الخطأ بخطأ أشد وأفدح، للأسباب التالية:
أولا- أن قناة السويس هي مصدر مهم للغاية لتمويل الموازنة العامة المصرية. وتقدر مساهمتها في موازنة الدولة بما قد يصل إلى ١٠ في المئة. وسيؤدى تخارج أموال إيرادات قناة السويس من الموازنة بعد تحويلها لصندوق إلى تزايد عجز الموازنة، وستؤدي بالضرورة لفرض مزيد من الضرائب على المواطنين في محاولة لتعويض هذا العجز.
ثانيا – كل بيع لأصول الدولة لمستثمرين أجانب سيؤدي لمزيد من الضغط على العملة الأجنبية بشكل دائم، لأن الدولة ستكون ملزمة بتحويل حصة الشريك الأجنبي في أرباح تلك الشركات للخارج سنويا وبشكل دائم، بينما هي تعاني من عجز العملة الأجنبية. وقد أصبحت تلك التحويلات والتي تندرج تحت بند ما يسمى “ميزان دخل الاستثمار” أحد مصادر استنزاف العملة الأجنبية، حيث ارتفع عجز هذا الميزان من ١٢.٣٩٩ مليار دولار في عام ٢٠-٢١ إلى ١٥.٧٦٣ مليار دولار في عام ٢١ ٢٢.
ثالثا – المهم للغاية هو تسليم تلك الأصول الاستراتيجية لشركاء أجانب من الوارد للغاية بل من المرجح أن تكون لهم مصالح استراتيجية متعارضة مع المصالح المصرية بل مع الأمن القومي المصري.