د. رحاب إبراهيم تكتب: في صحتك.. الإفراط في تناول الطعام.. حكاية سوزي!
يقال أن بداخل كل شخص بدين يوجد آخر نحيف يجاهد من أجل الخروج… في قصة سوزي , كان الشخص النحيف يخسر المعركة.
عندما كانت تقترب من العشرين, بدت سوزي أكبرمن عمرها الحقيقي بسنوات.بالرغم من عينيها العميقتين وشعرها الكستنائي المسترسل بنعومة تحت القبعة وفستانها الحريري المزين بقطع الكريستال, وبالرغم من حبها للمرح والحيوية التي تشعر بها.. فإنها كانت مسجونة فيما يحمله جسدها من دهون زائدة.
كانت تعاني من خيبة الأمل نتيجة عدة محاولات فاشلة على مدى خمس سنوات جربت فيها أكثر من نظام غذائي ولم تتمكن من إنقاص وزنها.
“أذهب للتمرين أربعة أيام في الأسبوع, ومع ذلك لم أتمكن من إنقاص وزني.. على العكس, لقد زاد عما كنت عليه من عام مضى” هكذا بدأت الحديث معي أثناء الاستشارة.
لقد شعرت بالإجهاد لمجرد الاستماع إليها وهي تحدثني عن النظام الرياضي الذي تمارسه. في كل مرة تذهب للجيم تبدأ بعمل تمارين عنيفة لمدة نصف ساعة, يليها ساعة من تمارين الأيروبكس.. مع ذلك ظل وزنها زائدا، كانت تشعر بالحيرة كونها لا تستطيع إنقاص وزنها رغم كل ذلك الجهد.
لكن الإجابة كانت واضحة.. لقد كانت تتناول كمية من السعرات الحرارية تفوق ما تفقده في التمارين الرياضية.
اعترفت سوزي أنها لا تستطيع مقاومة إغراءات الوجبات السريعة ذات السعرات الحرارية العالية، وبدا ذلك عجيبا, إذ كيف لشخص لديه كل هذا التصميم والمواظبة على برنامج رياضي قاس ألّا يملك الإرادة التي تمكنه من التحكم في عادات الاكل والشرب!
الواقع أن إدمان سلوك ما ينتج عن إدمان أفكار معينة.
في الجلسة الأولى أعطيت سوزي استبيانا وكانت النتيجة تؤكد ما خمّنته من قبل.
كان الاستبيان يتضمن ثلاث اختيارات : دائما – أحيانا – أبدا
وكانت إجابات سوزي ب ” دائما ” على هذه العبارات
– أشعر بالضيق عندما تسير الأمور ببطء, وأرغب أن يتم كل شيء بسرعة
– تضايقني إحباطات الحياة ومواقفها الصعبة
– أغضب إذا جعلني شخص ما أنتظر
– أشعر بالشفقة على نفسي كثيرا عندما تسوء الأمور
– أشعر بعدم القدرة على الاستمرار فيما بدأت خاصة عندما تبدأ الأمور في الصعوبة
– أشعر بالملل وعدم الحماس لمعظم الأشياء
ضعف القدرة على احتمال الإحباط
ما كانت تعاني منه سوزي هو ضعف قدرتها على مواجهة الإحباط وعدم امتلاكها للمرونة التي تمكنها من التكيف مع المواقف المختلفة, وهو ما يعرف بنمط التفكير الوجوبي الذي يُعد ّ أساسا لمعظم مشكلات الإفراط في تناول الطعام وغيرها من عادات الإدمان.
عدم تحمّل المواقف المحبطة ينبع من التفكير الوجوبي بمعنى أن الشخص صاحب هذا التفكير يعتقد دائما في الفعل “يجب”… مثلا الحياة “يجب” أن تكون عادلة, سلسلة, مريحة, منظمة, مثيرة, وخالية من المشاحنات. في أي موقف لا تتحقق فيه هذه الفكرة المثالية التي “يجب” أن تكون موجودة, يبحث العقل عن أي مخرج للهروب السريع.
أخبرتني سوزي المزيد عن هذا.. كانت تشعر بالإحباط من وزنها, اصدقائها, خطيبها السابق الذي انفصلت عنه منذ سنة كاملة ومازالت تراه بين حين وآخر إذ لم تكن قد حسمت تماما هل مازالت تريده أم لا.
سيطرة التفكير السلبي
هناك طريقة محددة دائما ثبت فاعليتها في التعامل مع حالات ضعف القدرة على مواجهة الإحباط, وهي رؤية عيوب هذا السلوك بشكل واضح وثابت.
وضحت الأمر لسوزي: “عندما تقومين بأي فعل إرادي ,بدءا من مجرد القيام من الفراش صباحا وحتى العودة إليه مساءا فإن كل ما تفعلينه في هذه الفترة يقوم على قرارات تتخذينها: كل قرار منها له مزايا وعيوب تفاضلين بينها.
عندما تقررين مغادرة فراشك في الصباح فأنت تتفادين العيوب التي سوف تحدث إن لم تفعلي مثل عدم تناول الإفطار, الوصول للعمل متأخرة, أو اضطرارك لاستقلال سيارة أجرة.. وهكذا.
عندما تجدين العيوب تفوق المزايا التي ستحصلين عليها بالبقاء مدة أطول في الفراش فإن هذا يدفعك تلقائيا لأخذ قرارك بالقيام. وهكذا في كل القرارات التلقائية الصغيرة على مدار اليوم, وهو ما ينطبق أيضا على طريقتك في تناول الطعام.
عندما تقررين تناول البيتزا أو أي طعام عالي السعرات الحرارية تكونين قد اتخذت قرارك في هذه اللحظة بأن المزايا الناتجة عن هذا الاختيار تفوق العيوب: إنه عالي السعرات “عيوب” , لكنه لذيذ “مزايا” ,سيجعلني في مزاج أفضل “مزايا”, ويمكنني أن أتجنب زيادة الوزن عندما أقوم بالالتزام بالدايت لاحقا “التقليل من العيوب”، إذا أقنعت نفسك أن المزايا تفوق العيوب سوف تقدم على الفعل.
وإذا استطعنا أن نجعلك تري بوضوح العيوب التي تفوق المزايا المؤقتة التي سوف تحصلين عليها سوف يجعلك هذا تتوقفين تلقائيا عن تناول وجبات غير صحية .
Reference
Overeating: It’s All In Your Head , by : Michael R. Edelstein