خالد علي يكتب: عن حظر الزيارة وحقوق السجين والمحبوس وحق المكالمة التليفونية

السجين والمحبوس احتياطيا بين حق التواصل وحقوق الدفاع

منذ بدء أزمة وباء كورونا تقرر منع زيارة المسجونين والمحبوسين بمقار احتجازهم كأحد التدابير الوقائية التى تم تطبيقها خشية من انتقال العدوى إليهم، وبالرغم من نبل الهدف المعلن إلا أن هذا الإعلان صاحبه تخوفات مشروعة من كافة الأسر التى ستحرم من زيارة أبنائها بتلك المقار، وأن يحول هذا المنع دون إطمئنانهم عليهم أو توافر ما يحتاجونه من أغذية وأغطية وملابس وأدوات نظافة وأدوية.

بعد المنع تقرر عدم نقل المسجونين والمحبوسين من السجون إلى مقار المحاكم والنيابات، فالجلسات يتم تأجيلها إداريا، وأغلب جلسات تجديد الحبس الاحتياطى يتم تأجيلها أيضا لتعذر نقل المتهمين من السجون، وبذلك أضحى المحامون المدافعون عن هؤلاء المتهمين بدون أى تواصل معهم، حيث كان بعض الأهالى يستعيضون عن منع الزيارة بالاطمئنان على أبنائهم من المحامين الذين يحضرون معهم الجلسات بالمحاكم أو النيابات، وهو الأمر الذى جعل جميع الأسر فى قلق بالغ على أبنائهم.

 ليل نهار لا تتوقف الاتصالات بين الأسر والمحامين للبحث عن أى سبيل لطمأنتهم.

وأمام هذه الحالة سلك المحامون طريقين:

 الأول: هو إرسال مناشدات واستغاثات منهم ومن الأهالى للنائب العام للمطالبة بالإفراج وإطلاق سراح كبار السن والغارمين والغارمات والأطفال والمحبوسين احتياطياً منذ مدد طويلة وفى جرائم النشر والرأى….الخ.

الثانى: توجيه الأسر لمكاتب البريد لإرسال حوالات بريدية لأبنائهم فى السجون ليتمكنوا من شراء احتياجاتهم من كانتين السجن.

لكن مع تخطى مدة منع الزيارة لأسبوعين، وبدء مدها لأسبوعين إضافيين، مع عدم وجود أى أفق بالحدود القصوى لهذا المنع، أضحى من الضرورى البحث عن الوسائل التى تحقق التوازن بين تقليل احتمالات نقل العدوى للمساجين والمحبوسين داخل مقار الاحتجاز، وحق السجناء والمحبوسين وأسرهم ومحاميهم فى التواصل والاطمئنان على ذويهم وأطفالهم وزوجاتهم، والوقوف على استعدادات وخطط الدفاع القانونى عنهم.

فإذا كان قانون السجون يكفل لوزارة الداخلية منع الزيارة منعاً مطلقاً أو مقيداً في أوقات معينة وذلك لأسباب صحية أو متعلقة بالأمن[1]، فإن ذات القانون ولائحته التنفيذية التى أصدرها وزير الداخلية تتضمن نصوصهما وسائل للتواصل بين السجين أو المحبوس وأسرته ومحاميه غير الزيارة المباشرة فى مقر الاحتجاز، منها الرسائل والبرقيات والمكالمات التليفونية على النحو الذى نظمته المادة 38 من قانون السجون، والمواد من 60 حتى67 من اللائحة التنفيذية للسجون التى أصدرها وزير الداخلية.

وإذا كانت نصوص الدستور تُعرف السجن  بأنه دار إصلاح وتأهيل.، وتُخضع كافة السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، وتحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر[2]، فإنه وفى ظل انتشار هذا الوباء عالمياً على النحو الذى دفع أغلب حكومات العالم ومنها الحكومة المصرية لاتخاذ العديد من التدابير، والتى بلغت حد حظر التجوال فى مصر من السابعة مساء حتى صباح اليوم التالى، فإن حرمان السجين أوالمحبوس احتياطياً من كل وسائل التواصل مع أسرته، ومحاميه فى ظل هذه الظروف قد يعرض صحته النفسية للخطر، وينال من كرامته الانسانية على النحو المحظور دستورياً، كما أنه يحرم دفاعه من الوقوف على حالته الصحية، ومدى تعرضه لأى مخاطر صحية من عدمه، ومدى تلقيه العلاج اللازم من عدمه بما يؤدى إلى تجريده من أى حقوق قانونية فى هذا الصدد.

كما أن اللائحة تلزم إدارة السجن بأن تصرف للمسجونين الورق والأدوات اللازمة لكتابة خطاباتهم[3]، فللمحكوم عليه بالحبس البسيط والمحبوسين احتياطيا الحق في التراسل في أي وقت[4]، ولكل محكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية الحق في إرسال أربعة خطابات شهريًا[5]، وأغلب المسجونين بقضايا سياسية محرومين من هذا الحق، بالرغم أن اللائحة تتيح لمدير السجن أو المأمور أن يطلع على كل ورقة ترد إلى المسجون أو يرغب المسجون في إرسالها، وذلك عدا ما يتبادل بين المسجون ومحاميه من مكاتبات في شأن القضية المتهم فيها. كما يصرح لجميع المسجونين بتسلم ما يرد إليهم من خطابات إلا إذا رأى مدير السجن أو المأمور أنها تتضمن ما يثير الشبهة أو يخل بالأمن[6]، كما يتم قيد جميع الزيارات والخطابات التي ترد للمسجونين أو ترسل منهم بدوسيه المسجون[7].

وفى ظل منع الزيارة، وعدم تمكين السجين أو المحبوس من حقوق المراسلة، أضحت الحاجة ملّحة فى ظل كل هذه الظروف لتمكين السجين أو المحبوس من حق المكالمة التليفونية.

 فقانون السجون ينص على الحق فى الاتصال التليفوني بمقابل مادي يدفعه السجين أو المحبوس[8]، كما أن لائحة السجون أكدت ونظمت هذا الحق بأن يصرح للمحكوم عليهم بالاتصال التليفوني لمدة لا تزيد على ثلاث دقائق بواقع مرتين شهرياً اعتبارًا من تاريخ استحقاقه للزيارة، ما لم يكن في ذلك خطر على الأمن العام، وبشرط أن يكون سلوكه حسناً داخل السجن

ويجوز التصريح بالاتصال التليفوني للمحكوم عليه استثنائياً في حالات الضرورة وبموافقة وزير الداخلية.[9] 

إن إصدار قرارات بإخلاء سبيل المحبوسين احتياطياً يخضع للسلطة التقديرية للنائب العام فى إطار المدد المحددة فى القانون ووفقا لضرورات التحقيق التى يقدرها وفريق النيابة الذى يباشر التحقيق، وإصدار قرارات بالعفو الكلى أو الجزئى بشأن تنفيذ العقوبة المقضى بها يخضع لسلطة رئيس الجمهورية، ولحين توافر هذه الإرادة أو تلك، يضحى حق السجين أو المحبوس فى زيارة محاميه له، وفى التواصل معه ومع أسرته من خلال المراسلات والمكالمات التليفونية –وخاصة فى ظل هذه الظروف- حقوق يجب إنفاذها بل والحرص على تمكين كل سجين أو محبوس منها، وإذا كانت الداخلية لم تلتفت إلى أهمية إنفاذ هذا الحق فى اللحطة الراهنة، يبقى الأمل معقود على النيابة العامة والسيد النائب العام لتمكين المسجونين والمحبوسين من حق المكاملة التليفونية، وطمأنة آلاف الأسر على أبنائهم وبناتهم.


[1] ) المادة 42 من قانون السجون 396 لسنة 1956 وتعديلاته

[2] ) المادة 56 من دستور 2014

[3] ) المادة 67 من لائحة السجون الصادرة بقرار وزير الداخلية 79 لسنة 1961 وتعديلاتها

[4] ) المادة 60 من لائحة السجون

[5] ) المادة 64 من لائحة السجون

[6] ) المادة 61 من لائحة السجون

[7] ) المادة 65 من لائحة السجون

[8] ) المادة 38 من قانون السجون

[9] ) المادة 64 مكرر من لائحة السجون

9 thoughts on “خالد علي يكتب: عن حظر الزيارة وحقوق السجين والمحبوس وحق المكالمة التليفونية

اترك رداً على سمير إبراهيم إبراهيم جوده إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *