خالد علي: الفاتورة الإليكترونية جباية جديدة ومحاولة لـ”تسليع العدالة” تحرم محدودي الدخل من حقهم في التقاضي
علي: “منطق الجباية” يتجاهل التأثيرات الكارثية على المحاماة والمواطنين.. كل التحية للمحامين المتظاهرين دفاعا عن المهنة
كتب- محمود هاشم:
حذر المحامي الحقوقي خالد علي، من تبعات تفاقم الأعباء الضريبية والمالية التي تفرضها الدولة على المحامين، في محاولة لـ”تسليع العدالة” واعتماد “جباية جديدة”، دون مراعاة للتأثيرات الكارثية لهذه القرارات على مستقبل أبناء المهنة وكفالة الحق في التقاضي، خاصة لمحدودي الدخل، وفقا لتأكيده.
في موجة غضب عارمة، حشدت نقابة المحامين أعضائها في مقرها الرئيسي بالقاهرة وفي النقابات الفرعية بالمحافظات، بوقفات احتجاجية، أمس الخميس 2 ديسمبر 2022، ضد قرار وزارة المالية إلزام أصحاب المهن الحرة – وعلى رأسهم المحامون – بالتسجيل الإلكتروني وفرض فاتورة إلكترونية، في موعد أقصاه 15 ديسمبر المقبل.
وأكد علي، في تصريحات لـ”درب” أن القرار من شأنه زيادة النفقات والأعباء على كاهلهم، لاسيما بعد إلزامهم في وقت سابق بتحصيل ضريبة القيمة المضافة من الموكل نيابة عن مأموري الضرائب، فضلا عن الضريبة عن الدخل، وغيرها من الرسوم والتكاليف الأخرى.
وقال المحامي الحقوقي إن مهنة المحاماة تعاني من أزمات عميقة ومتشابكة، منها ما يرتبط بمنظومة العدالة وكفالة حقوق الدفاع وحماية المحامين من التنكيل بهم في أثناء ممارستهم عملهم، ومنها ما يتعلق بنقابة المحامين ذاتها بشأن دورها في حماية المهنة والمشتغلين بها، والعمل على تطوير أداء أعضائها وتعظيم قدرتهم على التعاطي مع أدوات العصر وكافة مجالات القانون المستحدثة، فضلاً عن سعيها لتوفير مظلة صحية واجتماعية لها، فضلا عن خلق التوازن بينها وبين مؤسسات العدالة ومؤسسات الدولة.
ولفت إلى أن كل ذلك يؤثر على مستقبل النقابة والمهنة معاً، وأنه لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مجلس نقابة جاء من خلال انتخابات ديمقراطية على نحو حقيقي بعيداً عن سيطرة أجهزة الدولة وتأثيراتها.
كما شدد على أن الإصرار أيضا على تحصيل أموال من ممارسي مهنة لا يتلقى أبناؤها أي خدمات ولا يكلفون الدولة أي أعباء مالية يكشف عن رؤية الدولة لهم ويعد شكلا من أشكال الجباية غير القانونية.
في محاولة لامتصاص غضب أبناء المهنة، اتفق مجلس نقابة المحامين مع وزارة المالية ومصلحة الضرائب على تشكيل لجنة مشتركة، لدراسة المشكلة والوصول إلى حلول لها، مع منح مهلة لحين انتهاء اللجنة من أعمالها، لكن ذلك زاد من غضب المحامين، الذي اعتبروه إشارة إلى فشل مفاوضات وقف تنفيذ القرار بشكل نهائي.
وأشار خالد علي إلى أن المحامي يمثل الجناح الثاني في منظومة العدالة، وهو غير ملزم بفتح سجل تجاري لأنه يقدم خدمة قانونية ولا يبيع سلعة أو منتج، لذا فإن القانون لا يشترط لفتح مكتب محاماة سوى القيد في كشوف النقابة، لذا تعد أزمة الفاتورة الضريبية امتدادا لأزمة ضريبة القيمة المضافة، التي يعترض عليها المحامون أيضا، خاصة أنهم يدفعون ضريبة على الدخل بالفعل.
كما حذر المحامي الحقوقي من أن الفاتورة الإليكترونية قد تضع المحامي تحت طائلة القانون حال ترافعه عن موكل بالمجان أو بمبلغ زهيد، حيث قد يتم التعامل معها على أنها تحايل للتهرب الضريبي، لأنه سيكون مجبرا على مطالبة موكله بدفع أتعاب معينة لتوريد نسبة منها لوزارة المالية، وحال تقديمه الاستشارة القانونية أو الترافع مقابل مبالغ بسيطة، سيطلب منه تحمل نسبة الفارق التي تحددها الوزارة لقيمة التقاضي في كل دعوى.
أزمات المحامين لا تقتصر فقط على الضريبة الإليكترونية، ففي الوقت الذي كان مجلس الدولة يخصص منذ عشرات السنوات قاعة مناسبة للمحامين، تم سحب هذه القاعة منهم ونقلهم جميعا إلى غرفة ضيقة لا تتعدى مساحتها 3 أمتار مربعة، في الوقت ذاته تم نقل مقرات انعقاد جهات التقاضي إلى أماكن بعيدة على المحامين والمتقاضين وأسرهم، تارة في أكتوبر وأخرى في القاهرة الجديدة وثالثة في مدينة بدر، وربما قريبا في العاصمة الإدارية الجديدة، ما يشكل بدوره عبئا ماليا آخر، يضاف إلى الأعباء التي يعانون منها بالفعل، بحسب خالد علي.
أعباء مالية أخرى يتطرق إليها المحامي الحقوقي، موضحا: “رسوم الدعوى التي كانت تبلغ 100 جنيه في وقت سابق تخطت 1000 جنيه حاليا، والتي تعد بدورها ضرائب غير مباشرة أيضا، الاطلاع على الدعوى الذي كان من دون مقابل سابقا بات بتطلب تقديم طلب للرد عليه بعد 48 ساعة، مع دفع 20 جنيها عن كل طلب للاطلاع، كما أن تقديم حافظة المستندات الذي لم يكن يتطلب سوى دفع دمغة لا تتعدى جنيهات قليلة، بات الآن يستوجب دفع رسوم إضافية غير محددة القيمة”.
وأردف: “هذه الرسوم منها ما يدخل لخزينة الدولة ومنها ما يذهب لصناديق تابعة لجهات متعددة، في الوقت الذي يلتزم المحامي ونقابته بالتطوير المهني وتكلفته دون دعم أو سند من أي جهة”.
وأوضح في منشور له، مساء الخميس 1 ديسمبر، أنه في الوقت الذي تحصل فيه كل هذه المبالغ من المحامين بسبب ممارسة المهنة نجد النقابة والمحامين هم الملزمين بمظلة التأمين الصحي والاجتماعي دون أي دعم من أي جهة.
وشدد على أن “الجباية منهج يتجاهل تأثيرات فرض كل هذه المبالغ على مستقبل المهنة وعلى أعضائها”، موجها التحية للمحامين الذين رفعوا صوت نقابتهم في شارع رمسيس وتظاهروا أمام نقابتهم فالمحاماة رسالة وليست تجارة.
وأكد المحامي الحقوقي لـ”درب”: “متخذو مثل هذه القرارات لا يعبئون سوى بتحصيل أكبر قدر من “الجباية” من جيوب المواطنين، دون أن يضعوا في اعتبارهم تأثير كل هذه الأعباء اقتصاديا واجتماعيا وعلى جميع الجوانب، حيث قد يدفع كل ذلك المواطنين إلى الإحجام عن حقهم في التقاضي، خاصة من محدودي الدخل منهم غير القادرين على دفع هذه التكاليف، في ظل معاناتهم بالفعل من ظروف اقتصادية طاحنة”.
لا يبدو علي متفائلا بشأن وقف تطبيق الفاتورة الإليكترونية على المحامين، بناء على شواهد سابقة، معبرا عن أمله في ألا يلجأ مجلس النقابة لمواجهة الأزمة بمجرد مسكنات يصحو المحامون بعدها ليجدوا أنفسهم مجبرين على تحمل ضريبة جديدة، على شاكلة ما حدث في تطبيق ضريبة القيمة المضافة.
Pingback: حينما طالت قوانين الجباية المحامين في مصر | رباب عزام | السفير العربي