خالد البلشي يكتب: ملاحظات على الأداء الحكومي والإعلامي الأخير في أزمة كورونا
فجأة وبدون مقدمات استبدلت الحكومة، ووسائل الإعلام والإعلاميين القريبين منها خطاب “خليك في البيت” للحماية من كورونا، بخطاب أهمية دوران عجلة الانتاج، للحفاظ على مصر، وتسويقه كدليل على الوطنية، حدث ذلك دون أي مقدمات، تبرر دوافع تغيير الخطاب، خاصة أن كل المؤشرات المصاحبة للخطاب الأول على مستوى معدلات الإصابة بكورونا وحجم انتشاره، جاءت متناقضة تماما مع تغير الخطاب الحكومي، فبينما استغرقنا أكثر من 6 أسابيع للإعلان عن وصول معدل الاصابات لألف إصابة فإننا اقتربنا من الألف الثانية خلال أقل من أسبوعين ، بينما تزايدت عدد المناطق والمؤسسات الصحية والمستشفيات التي تم إخضاعها للحجر الكامل بسبب ظهور إصابات بها، وهكذا صار الحل البديل، المواكب لتغيير الخطاب هو تحميل المواطنين وسلوكياتهم المسئولية عما يحدث وكأنهم اصحاب القرار، أو من أعطوا التوجيهات لتغيير الخطاب، وهو ما يدفعنا لرصد بعض الملاحظات على الآداء الحكومي والإعلامي الأخير في الأزمة ونتائجه المحتملة:
1- إعطاء الناس رسائل متناقضة عن فيروس كورونا وانتشاره، كأن تحذر الناس من الخروج ثم تطالب بالعودة للعمل وتقلل ساعات الحظر، ربما سيكون أحد الأسباب لأي أزمة قادمة تخص تفاقم أعداد الإصابات، لا نملك الا التضرع لله بعدم حدوثها وتجنيبنا وتجنيب المواطنين ومصر تبعاتهاً.. أما إلقاء العبء كاملا على الناس وسلوكياتهم وما تسميه بعض وسائل الاعلام بجهل الشعب وعدم لامبالاته ليس سوى محاولة للتنصل من هذه المسؤولية.. فكلا المسارين متكاملان، وفصلهما تعسف والقاء بالمسؤولية بعيدا عن الطرف الذي يجب أن يتحملها وفي مقدمتها تحمله لمسؤوليته تجاه القطاعات الأكثر ضعفا، وأن تكون رسائله واضحة.
2- لا يمكن بأي حال تبرير طريقة التعامل الخاطئة من جانب قطاعات من المواطنين مع أزمة كورونا، لكن هؤلاء المواطنين هم الذين كانت وسائل الإعلام تشيد بأدائهم عندما كانت الرسائل الحكومية واضحة بلا تناقض.. وتقدر العواقب، أما الآن فالرسالة تقول “شغلكم وتجمعاتكم هتجيب كورونا وتنشرها”، و”شغل الحكومة ورجال الأعمال، وتجمعات العمال في المصانع وشركات المقاولات حلوة وجميلة ووطنية”.
3- من يطالب الناس بإرتداء الكمامات ولا يوفر وسائل الوقاية للأطقم الطبية، وهو ما ظهر في ارتفاع مطرد في أعداد المصابين بينهم لا يفعل سوى محاولة المداراة على عدم قدرته على إدارة المنظومة الصحية ولو بمنطق إدارة الموارد المحدودة، التي خلقتها سياسات النظام الحالي (وعدم تنفيذه النصوص الدستورية برفع الانفاق على الصحة والتعليم)..
4- لا يمكن بأي حال لأي محايد أو موضوعي، أن يهاجم، دعوات رجال الاعمال بالعودة للعمل باعتبارها تضحية بالأرواح مقابل الأرباح، – وهذا من وجهة نظري صحيح تماما- ثم يصمت أو يدافع عن دعوات حكومية تنتهج نفس النهج بدعوى تدوير عجلة الإنتاج.. فكلاهما يضحي بالناس لصالح الاقتصاد.. فضلا عن أنه لا يقدر العواقب الاقتصادية إذا تسبب ذلك في انتشار كورونا.
5- الحماية من كورونا ليست كمامة في مواقع عمل تنتهك كل الحقوق الأخرى للعمال وفي مقدمتها حقهم في الرعاية والمتابعة الصحية واجراء التحاليل المناسبة بخلاف حقوقهم في ظروف عمل جيدة وأجر عادل وحماية من التقلبات الاقتصادية.
6- الآداء الحكومي في بداية الأزمة بدا للكثيرين جيدا، في بعض جوانبه، لكن يبدو أن الروح القديمة التي ظن البعض أنها اختفت ولو مؤقتا في بعض القطاعات، فيما ظلت تتحكم في انحيازاتها الاقتصادية خاصة المتعلقة، بتوزيع ميزانية مواجهة كورونا، وطريقة التعامل مع ملف السجون والمطالبات بتقليل الكثافة، والافراج عن المعتقلين، لم تحتمل الابتعادن وعادت من جديد لتفرض سيطرتها وانحيازاتها كاملة على جميع الملفات، بنفس العقلية، أو أن حسن ظن البعض كان أثما .
7- سيظل الأمل معلقا بالعلم وتفعيل دور المجتمع بكافة فئاته وطوائفه وإشراكه في إدارة الأزمة وإعطاء الأولوية للإنفاق على الصحة، والتعليم والبحث العلمي، وأن نعطي العيش لخبازه ولو لبعض الوقت، طالما هناك عدم قدرة عن استيعاب ذلك كحل دائم عسى ان يخرجنا الله منها سالمين بأقل الخسائر.
8- إدارة الاعلام للأزمة جاءت كاشفة للمرة الألف عن حاجتنا لإعلام حر يعبر عن المواطنين لا إعلام حكومي تابع، كل ما يفعله هو تبرير أفعال النظام حتى لو اقتضى الأمر تغيير خطابه، كاملا وفورا لمجرد التعبير عن ما يريده، متجاهلا دوره كوسيلة لكشف الأخطاء وتوعية المواطنين ونقل أوجاعهم وكشف مواطن الخلل للنظام، فبينما قاد الإعلام الحكومي، مع بداية الأزمة حملة هجوم عنيفة ضد رجال الأعمال الذين يدعون لعودة العمال لمصانعهم، فإنه ما لبث أن خاض حربا ضروسا لتبرير الخطاب الحكومي الجديد ودعوات العودة للانتاج، رغم تصاعد مؤشرات الإصابة، محملا سلوكيات المواطنين المسئولية عما يجري، رغم ما كشفت عنه معدلات الاصابة بالفيروس بين الأطقم الطبية، ومعدلات الوفاة من حجم الخلل في المنظومة الصحية وحجم المسئولية الحكومية عنها.