حنان فكري تكتب: غزوة الماستير
ما زالت غزوة الماستير – ملعقة التناول في الكنيسة- تلقي بظلالها على النقاشات العامة بين الأقباط، خاصة بعد قرار رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، بإعادة فتح الحياة الطبيعية، وفتح دور العبادة، وما بين معارض في جمود، ومستنير هادىء مؤيد لاستخدام وسائل أخرى بديلاً عن الماستير بسبب ظروف الوباء التى يمر بها لعالم كله، تحولت النقاشات الى مهازل ومعارك للشتامين، واتهامات بالهرطقة، والبسطاء يتابعون في صمت، البسطاء الذين لم يكن يعنيهم سوى التناول من الأسرار المقدسة بأي طريقة، البسطاء الذين لا يفتشون في النوايا ولم ينصبوا أنفسهم خُبراء في العقيدة، الذين يصمت معهم قطاع عريض من أصحاب القدر الواعي من الإيمان، الذي لا يتيح لهم الاقبال على التناول عبر ملعقة مرت في أفواه جميع المؤمنين في القداس. إيمان لا يمنع الخوف ولا يمنع الاحتراس. إيمان غير مُشرطن بالتغييب. ايمان لا ينكر العلم الذى سخره الله لخدمة البشرية.
لم يرحم عُباد الحرف أولئك الذين يخشون العدوى، لم يفكروا فيهم، لم يضعوا أنفسهم في مكانهم، ولا فكروا كم من خراف سيشتتها “الماستير” إذا التقط أحدهم العدوي بكورونا خارج الكنيسة، لم يفكر حُماة الحرف في الخروف الضال الذي خرج الراعي بحثاً عنه وترك سائر الخراف، لم يفكروا في أن استمرار التمسك بالماستير قد يعطل مُمارسة سر التنهاول ذاته لحين انتهاء الوباء بقرارات سيادية، لأنه يمثل تهديداً وبائياً، وبالتالي يمس الأمن القومي، فصلاة الجمعة لا تقام منذ شهور، والسعودية الغت الحج هذا العام للقادمين من دول اخرى، هل ذلك يعتبر مساساً بالعقيدة الإسلامية؟! قطعاً لا، لم نر أحداً يتهمهم بالارتداد عن الايمان الصحيح لاتخاذ تلك الإجراءات.
مدعو الدفاع عن الإيمان لم يفكروا إلا في دعم وجهات نظر تنتمي لاشخاص آخرين، وهو ما يؤسس لنظام القبلية الإيمانية، أنت من اتباع فلان فيجب ان تستميت فى الدفاع عن وجهة نظره حتى بعد انعقاد المجمع المقدس و صدور قراراته، استمرت النقاشات العقيمة، بل زاد الامر سوءً، ما مورس من تشويه للآخر المختلف معهم وظلمه، وقتله معنوياً، بما يجافي الايمان بل والأخلاق ايضاً، ويعكس صورة سلبية عن ابناء التعليم المسيحي، الذين يخالفون تعاليم المسيح المستندة في اساسها الي السلام و المحبة لمجرد الدخول في مباراة كلامية قرروا الانتصار فيها باى سلاح بمنطق “الغزوة” نعم هذا المنطق يشابه الى حد كبير غزوات شيوخ الفتنة وتكفير الآخر، ولا اعلم كيف يمكن للبعض إدعاء الإيمان بينما يسبون أبناء طائفتهم الدينية، في إساءة بالغة للإيمان واصحابه.
وهكذا اتضحت الأمور، فلم يكن الدفاع دفاعاً عن الايمان بقدر ما هو دعم وتأييد لوجهات نظر شخوص تصوروا انهم حراس العقيدة، ومحتكري الصواب، واضفوا على الأدوات والأواني قداسة الجوهر المقدس، ببينما الجوهر هو ما يضفي القداسة وليس العكس، ربطوا العقيدة المستقمية، بأهواء لم تنج من أفكار سلفية، هم انفسهم يهاجمونها سراً في اصحاب الديانات الأخري، وفي العلن لا نرى إلا تبويس اللُحى، لذلك اسميتها “غزوة الماستير”، لانها تشبه ما تعرضت له الثوابت الإيمانية من غزوات عديدة في العقد الأخير، بسبب تشبث البعض بالحرف على حساب الروح، واستخدام ذلك وتوظيفه للتمسك بمواطن النفوذ والقوة. وارتكاب ما يصل الى حد الجرائم، ولم يمنعه سر التناول، عن فعل ذلك . فالقداسة تنبع من عمل الله في السر، وليس من الملاعق، ولا من قوة ايمان الشخص، لكن بسماح الإنسان ليد الله تعمل داخله، بملعقة او بدون ملعقة، فالحقيقة ان الحديث عن الملاعق صار سخيفاً وهزلياً، ودون مستوي الجدل العقائدي، لكن اصحاب الأدمغة المُتحجرة، يتصورون ان ذلك تنازلاً، ولا يحاولون إعادة التفكير، وليس أدل على كلامي ذلك من شهادة نيافة الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وتوابعها الذى حاول شرح الموضوع ليهدأ الناس فأعلن فى مقطع مرئي قائلاً:
“الأصل في الكنيسة هو التناول باليد، منذ قرون، واستخدام الماستير جاء لعدالة توزيع الدم على المؤمنين، ووضع الجسد أو الدم علي اليد لا يحرقها، الأهم في التناول هو ما نأخذه من جسد ودم، وليس الأداوت التي يوضع فيها الجسد والدم، التناول لا يشفي من الأمراض وإلا لأنقذ التناول الأنبا مكسيموس وقداسة البابا شنودة والبابا كيرلس من الموت بالمرض. التناول يعطي خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه،حدوث الشفاء من التناول أمر استثناثي بسماح من الله، تلامس يد الكاهن ايضا مع شفاه المتناول قد تؤدي إلي مشاكل”.. هذه خلاصة تصريحات نيافة الأنبا مرقس التي لاقت هجوماً ايضاً، وبين الهجوم على الأساقفة والهجوم على رأس الكنيسة، والإفتئات المُسبق على نتائج وقرارات المجمع المقدس، ثم الهمهمة بعد صدور قرارات لها من الرصانة نصيب الأسد، تركت لكل اسقف حرية اختياره وتحمل مسؤولية قراره، نجد أنفسنا امام من أددمخنوا الحديث عن حماية الإيمان، لكن هل هم حقا حُماة أم قتلة باسم الدفاع عن الإيمان؟ فالقتل المعنوي الذي مورس طيلة الاسابيع الماضية على المختلفين معهم، جُرم لا يقل وطأة عن القتل المادي بل ويقود اليه أحياناً، لكن الذين عبدوا الحرف وابتعدوا عن روح الإيمان الصحيح، تصوروا أنهم أقوى وأكبر من المجمع المقدس بحناجرهم المفتوحة لابتلاع أي مختلف، وتشويههم المتعمد لأي صوت مؤيد للإصلاح والتنوير الذي يقوده قداسة البابا تواضروس الثاني.