حنان فكري تكتب: تمثال العذراء الصامد امام الزلزال..هل هذا هو الايمان الذي يريده الله؟
ظل تمثال السيدة العذراء حاملة طفلها يسوع صامدا في ساحة كاتدرائية البشارة في مدينة الاسكندرونة في مقاطعة هاتاي التركية – كانت الكنيسة الرئيسية للنيابة الرسولية في بلاد الاناضول- رغم انهيار الكاتدرائية باكملها اثر الزلزال الضخم الذي اصاب تركيا، هلل البعض ها هو التمثال دليل علي الايمان، ناسين او متناسين ان جوهر الايمان الحقيقي لا يكمن في بقاء التمثال مع موت الارواح، فالقوة الالهية لا يمكن ان تحفظ الحجر وتذهب بالبشر، القوة الالهية التي تسمح بالكوارث الطبيعية لحكمة لا يمكن ان يدركها العقل البشري المحدود، هي ذاتها التي تحرك العالم لانقاذ الناس من الظروف القاسية جدا، والتي تتمكن من مناطق النكبات والنزاعات، برد، وشتاء، وتساقط ثلوج. تشرد وفواجع يصعب احتمالها ما لم يتكاتف الناس، وبالرغم من ذلك تجد تلك الافكار رواجا وقبولا من البعض. بلا والابشع منها فالبعض راح يفسر الامر انه انتقام الهي بسبب تحويل كنيسة ايا صوفيا باسطنبول الى مسجد منذ عامين!!
ان الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا تضرر منه اكثر من 23 مليون شخص، منهم ملايين السوريين الذين كافحوا لسنوات وسنوات لتلبية الاحتياجات الإنسانية الاساسية، الملايين يئنون تحت المعاناة،والالاف لفظوا انفاسهم تحت الركام، اطفال وشيوخ ونساء، دفنوا احياء، وما زال البعض يحاول ايجاد تأويل ايماني لبقاء التمثال صامداً! فهل هذا من الايمان في شىء؟
تم نشر 40 فريق إنقاذ وبحث من تركيا و19 بلدا آخر ، فضلا عن فرق الإنقاذ، المجتمعية، شمال غرب سوريا التي تنخرط بشكل كامل في البحث الجاري عن العالقين تحت ركام المباني المهدمة. وتتعقد هذه الجهود بسبب عدم توفر الآلات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض، وظروف الطقس السيئة ، كل ذلك يجري وما زال القابعون امام شاشات الهواتف النقالة يتابعون الموقف بذهنية متحجرة يمصمصون الشفاه ويبحثون عن الانتصارات الطائفية وسط الهزائم الانسانية.
بابا الفاتيكان – يغرد على منصة (تويتر): “حان وقت الشفقة، حان وقت التضامن، وكفى للكراهية كفى للحروب والانقسامات التي تؤدي الى تدمير الذات. لنتحد في الألم، ولنساعد الذين يعانون في تركيا وسوريا، لنبنِ السلام والأخوة في العالم” وما زال الناس يتبارون في الشماتة واستغلال الازمات والكوارث الانسانية لتلبية الرغبات والشهوات السياسية والطائفية بلا مراجعة حقيقية للفكر الذي يقف خلف ردود افعالهم، بدلا من التفكير في مدى هشاشة الحياة وكيف يمكن أن تؤخذ منا الحياة في لحظة، واعادة تقييم أولوياتنا.
بل ويذهب البعض الى نقطة اعمق في التأويل الايماني، وهي الاستحقاق الاخلاقي النابع عن الالتزام الايماني او العصيان، وهو الاعتقاد العابر للثقافات والديانات، والذي يُوجد عند الكثير من الشعوب أنّ العواقب الحسنة تحصل للنّاس الطيبة، والعواقب السيئة تحدث للناس الشرّيرة. وهو امر يتعارض مع رحمة الله، وفسره عالم النفس الاجتماعي مَلفن جاي ليرنر في كتابه: “الإيمان بعالَم عادل” (The belief in a Just World)، عام 1980، بأنّ النّاس يُفضّلون أن يروا الأمور والعالم يسير بهذه الطريقة لتخفيف الحرج والضغط النفسي الواقع عليهم عند رؤيتهم للمصائب والظلم الذي يحدث من حولهم، فحين يؤمنون بهذا التصوّر يصير كلّ إنسان مُستحقّا لما يحصل معه، وبالتالي ليست مسؤوليتي أن أساعده أو أن أدافع عنه
للاسف .. هذ هي حقيقة موقف الذين يخلطون الايمان بهواهم الشخصي، ويستغلون الكوارث الانسانية لصاح اثبات رؤاهم الشخصية المشوهة عن الايمان، والتي لا تمت بصلة للمبادىء المسيحية، ولانهم عاجزون عن تقديم العون ولو بالكلمات الطيبة، فينسون البشر ويهتمون بالحجر، يتجاهلون الانسان ويتباهون بالتمثال الذي هو صنيعة انسان، وكأنهم يخرجون السنتهم بالكيد للذين ازهقت المآساة ارواحهم، او شردتهم وتركتهم فريسة للترمل و اليتم واختطفت عائلاتهم، فهل هذا هو الايمان الذي يريده الله؟