حنان فكري تكتب: اللقاح بفلوس.. والعدالة شعارات مجانية
قبل أيام فوجئنا بتصريحات وزيرة الصحة دكتورة هالة زايد، تؤكد فيها أن توزيع اللقاح بين المواطنين المصريين سيتم بمقابل مادي رمزي وهو 100 جنيه مصري للجرعة الواحدة و200 جنيه مصري للجرعتين كحد أقصى، وحددت فئتين سيتم تطعيمهما مجاناً!! هما الأطقم الطبية في كل المستشفيات، وكذلك غير القادرين من المواطنين العاديين الذي يقعون تحت بند “تكافل وكرامة” وهو برنامج مساعدات حكومية لغير القادرين.
ووصفت الوزيرة المقابل بأنه مبلغ رمزي “200 جنيه”، فما هو المعيار الذي يمكن أن تقيس به رمزية المبلغ، في بلد مازال الحد الأدني للرواتب فيه 1200 جنيه؟ أي منطق ذلك الذي يحكم إقرار مقابل للوقاية من الوباء؟ أي سبب ذلك الذي يدفع الحكومة لتسعير اللقاح، والناس تموت يومياً والمشافي ممتلئة، وأماكن العناية المركزة غير كافية؟ والمرضى يتلقون العلاج على نفقاتهم، والمواطن يقف في طابور انتظار الإصابة أو الموت. والحكومة تعلن انكسار الموجة الثانية في حالة تعتيم فج على وضع الوباء، وسط تداول انباء عن خروجه عن السيطرة. ثم تطالب المواطنين بتحمل أعباء مالية لتلقي اللقاح.!!
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن خط الفقر القومي في 2019 بلغ 32.5 في المئة، وهو ما يعني أن أكثر من ثلث الشعب المصري، اي حوالى 30 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر ، الذي يصل إلى 735 جنيهًا شهريًا أو ما يعادل 47 دولارًا للشخص. ورغم إعلان الحكومة انخفاض النسبة في 2020 إلى 29.7%، إلا أن تلك النسبة تبقينا عند ثلث الشعب فقيراً، فكيف توزع الحكومة اللقاح بمقابل؟ الكارثة الحقيقية اختزال المحتاجين في مجموعة المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة وأعدادهم طبقا للتصريحات الرسمية في نهاية عام 2020 وصلت إلى 3,6 مليون مستفيد، فكيف يمكن سد الفجوة- فيما يتعلق باللقاح ضد الوباء- بين المستفيدين من تكافل وكرامة وبين أعداد الفقراء في الاحصاء المعلن عنه رسمياً؟ أين العدالة فيما يجري؟ للأسف الكلام عن العدالة مجاني، واللقاح بفلوس.
أية عدالة يمكن أن نتحدث عنها، والعجائز يترنحون فقراً وضعفاً وخوفاً، أعرف اشخاصاً لا يملكون تكلفة “التاكسي” الذي يقلهم لتلقي اللقاح، لأنهم معدمين، ومقعدين ليس لديهم من يعولهم ولا من يرشدهم ولا من ينفق عليهم، ومع كل الاحترام للبرامج الوطنية لتسديد الحاجات الاجتماعية، فان تلك البرامج لا تمنح العيش الكريم، هي فقط تقوم بالمساندة البسيطة، واعتبار من هم خارج إطارها قادرين على دفع مبلغ اللقاح هو تقدير غير موفق، بل وغير عادل.
إن الحق في الصحة ليس رفاهية، ولا هو موضع جدال مثل الحقوق السياسية، وأي مساس به في زمن الاوبئة قد يتحول لمخاطرة غير محسوبة مع فقدان الناس لأحبابهم، وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، تلك المسؤولية المنصوص عليها دستورياً، في المادة 18 من الدستور المصري، فانه:” لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.”
إن تسعير اللقاح سيمنع أعداداً كبيرة من الوصول إليه، ومعظمهم من فئة كبار السن الذين لا يخرجون من بيوتهم ولا أحد يعلم عنهم شيئاً ولا تكافل ولا كرامة ولا غيرها، اللهم الا الناس الطيبين الذين يقومون باطلالة عليهم من آن لآخر، يا حكومة ليس كل محتاج مسجل في برنامج تكافل وكرامة، الفقراء لديهم قدَرية مرتبطة بانعدام القدرة على الانفاق، واذا سارت الأمور هكذا سوف نرى مزيد من انتشار الوباء والكل خاسر.