حنان فكري تكتب: الحٌب فى زمن “كورونا”
دق جرس الباب، سمعت صوتاً خلفه يبعث الحياة فى الصدور، أسرعت نحوه، تراجع زوجى خطوات للخلف، تسمرت قدماه فى الأرض، فها هو حفيدي الذى لم يتعد عمره ثمانية أشهر، تحمله أمه، ينظر إلى بابتسامة لها براءة شهوره المعدودة، يحدق فى وجهي، ينتظر أن أحمله، كالمعتاد، من بعيد يسعل جده، ولا يستطيع الاقتراب، صارخاً فى أمه:” لا تدخليه إلى هنا”، أما أنا فجرفتني عواطفي، دفعتني لاحتضانه، بينما دور الأنفلونزا الذى بدأ يتمكن مني، نشر الخوف فى كياني، فصرت أقبل قدميه بديلاً عن كفيه ووجنتيه، ولا استطيع احتضانه، خوفاً من انتقال العدوى إليه، فى ظل مخاوف اكبر من تفشى كورونا المشابه للانفلونزا.
حينها أدركت أن هذا هو المعنى الحقيقى للحب – الحب فى زمن كورونا- حب يبحث عن الحماية للأحباء، حب يُنصت لخطاب رئيس وزراء بريطانيا، حينما يخاطب مشاعر المواطنين:”استعدوا لفقدان احبائكم”، الحب المُرتعب من إيذاء المُقربين، عن دون قصد، هذا الحب الذي دفع الآباء والأمهات -حرصاً على سلامة الأبناء والأحفاد- للمناداة بإيقاف الدراسة، وليس طلباً فى إجازة إضافية، كما ألمح الدكتور طارق شوقي وزير التعليم، فى تحد فج لكل الإجراءات الإحترازية التي اتخذتها الدول الأخرى، ولم ينصت لصرخات اولياء الأمور التي ملأت أذنيه، والتي باءت بالفشل، حتى جاء القرار الفوقي من الرئاسة، ليعلن فشل الوزير فى إدارة أزمة كورونا والتعليم، التي تعامل خلالها كما لو كان ناظراً للمدرسة، والمواطنين تلاميذ عليه اخضاعهم بالقوة لقراراته، فتارة يخيفهم بالتلويح بإطالة مدة الدراسة، وتارة أخرى بالدراسة الصيفية، وثالثة بالغاء العام الدراسى، كما لو كان كورونا موجهاً ضده هو شخصياً، وضد ما حققه من نجاح إن وجد.
لم يعد من المستغرب تحقيق ما يسميه البعض نجاحاً على حساب صحة المواطن المصري، حتى صارت كافة القرارت تأتي بشكل فوقي، وما العجب إذا كان وزير التعليم قبل ثلاثة أيام فقط خرج ليعلنها: ” إن فكرة الترم الأول مرفوضة، وأي إلغاء للمناهج مرفوض تمامًا، ووجه الوزير، مديري المديريات التعليمية بالتأكد من توافر الشروط الصحية للوقاية من فيروس كورونا ومتابعة الحالة الصحية للطلاب بانتظام من خلال الزائرات الصحيات والمتابعة من خلال الأخصائيين الاجتماعيين!!
الأمر الذي بات مضحكاً للجميع، فشن عليه المواطنون حملة على السوشيال ميديا – أرى انه يستحقها- ، وبدلاً من الاستجابة للناس ، الذين صارت مواقع السوشيال ميديا هى البوق الوحيد للإعلان عن مطالبهم، خرج بتصريحات عقابية للمواطنين، يسخر فيها قائلاً:”العملية التعليمية لن تٌدار بمطالب السوشيال ميديا” يا سيادة الوزير السوشيال ميديا خلعت أنظمة، وزلزلت حكومات، وسجنت وزراء، وأطلقت مساجين، أما كون سيادتكم غير متابع لتلك القوة التي صارت واحدة من القوى الناعمة، والخشنة لهذا الوطن، فتلك هي مشكلتك وليست مشكلة المواطنين، ورأس الدولة مدرك لذلك، اما انت فلم تدرك بعد.
يا سيادة الوزير،الناس تخشى على أحبائها من المرض، الناس لا تستهدف نجاحك، ولا يعنيها فشلك، الناس أبسط من طموحات الحكومات، والوزراء، اتركوا الناس للحب الفطري، حتى لو كان السبب كورونا، ذلك الحب الذي يُجبر الأمهات على رعاية أبنائهم، بعد أن أُغلقت الحضانات والمدارس، والجامعات بقرار فوقى – أرى أنه القرار الأصوب على الإطلاق، منذ ظهور كورونا فى مصر- وبالرغم من ذلك وإمعاناً فى البيروقراطية، جاء قرارك، بغلق المدارس، مصحوباً بقرار التزام المدرسين بالحضور، ولا أعلم لمن سيذهب المدرسين والمدرسات، ولمصلحة من فتح المدارس، واستغلالها كحظائر للدروس الخصوصية خلسة فى وقت الإجازات؟
وحتي متي سيظل لدينا هذه النوعية من المسؤولين الذين يتعاملون مع المجتمع باعتباره الخادم الأمين لإنجاح خططهم، على حساب قهر الناس، بالرغم من أنهم جاءوا – فى الأصل- لخدمتهم.