حنان طنطاوي تكتب: يوم الأرض.. فلسطين سر الحلم
حاولت الأيام الماضية أن أكتب نصا عن فلسطين بمناسبة #يوم_الأرض .. ولم أستطع.
أتوه في دوائر لامتناهية من المتاهات، والمواقف المتأرجحة، والمتغيرة، والمتناقضة، وتكون النسبية هنا دلالة على الصدق وليس التحول.
إلا فلسطين.. فهي -بالنسبة لي- القضية التي يتحدد بالوقوف منها مدى المبدأية، والانتماء لمعاني الحق والعدل والكرامة، مدى المصداقية، والتصدي للظلم والانتهاك والطغيان.
هي القضية التي يتحدد بالوقوف منها.. مدى الآدمية.
لا يعني ذلك أنها القضية الوحيدة التي يجب الانتصار لها، لكنها القضية الوحيدة التي يخذلها كل يوم، من ينبغي أن ينتصر لها.
تفنيد أحقيتها بالمعلومة والشاهد والقرينة، لست أفضل من يكتب عنه، لكن ربما يمكنني كتابة ما تعلمته من قضيتي.. من فلسطين.
العدو.. يكون أحيانا هو السبب في التجلي الأول للذات.. للهوية.. وللحلم. حين نتلقى أول رصاصة من عدو ينتهكنا، تتجلى لنا الحقيقة، فنعرف حجم مانمتلكه، وما ينبغي أن نمتلكه، وما لا يحق لنا التخلي عنه.
نعرف انتماءاتنا، ونتلمس حدود الوطن في ذواتنا قبل الخرائط.
فلسطين هي زهرة قلبي وحلمه، أتنشق مع عبقها طفولتي وصباي، حقيقتي.. وحلمي.. الذي قد يخفت، لكنه لا يختفي أبدا!
لم أكن لأعرف ذلك لولا مجازر الصهاينة، التي قرأت وسمعت عنها في النشرات الإخبارية. لم أكن لأفهمه لولا صور الضحايا التي أدمت روحي وقلبي، وخلفت لي تلك الغصة الغاضبة والمستمرة، لكنها أنجبت في المقابل جذرا راسخا للانتماء.
مر أكثر من عشرين عاما، ولا زلت أذكر ذلك اليوم، الذي سلمتني فيه فتاة -تقترب من عمري حينها- سر الحلم. فتاة فجرت نفسها في كمين إسرائيلي! أول سؤال خطر ببالي كيف استطاعت صبية في سنها أن تتجاوز كل تلك الأحلام التي تشغل الفتيات، كأن تحب، وتتزوج، أو أن تكون أما؟!
أدركت بعدها أنه ربما كان هناك أحلام عديدة، لكن يظل الحلم واحد، الوطن.. هو الحلم الذي مضت فتاتي في سبيله لا تلتفت للوراء.
الكتابة عن فلسطين عسيرة جدا علَي، برغم أنها تسري في دمي، بنفس السيولة التي أرى بها نزفي؛ حين يشق سكين حاد نقطة التقاء إبهامي بسببابتي.
فلسطين في شهيقي وزفيري، كتنهيدة طويلة لا يمر يوم دون أن أتأوهها.
فلسطين في خيالي يقظة وحلما، في كل انفرادة لي مع نفسي، في ذلك المشهد الذي لا أنفك أتخيله، وأرى نفسي فيه ضمن فرق المقاومة، أواجه الاحتلال، وأتحقق وطنا وحبا وحلما.
ما الذي قد تضيفه كتابتي بجانب ما كتبه كل الحالمين، وما يكتبه بالدم على أرضها ورثة الأنبياء والشهداء والصديقين.
إذا كانت الكتابة تأريخا للمشاعر والأفكار والمواقف والأحداث.. فالتأريخ مرتبط بما مضى وانتهى، وفلسطين هي حاضري وديمومتي.. هي أملي ومستقبلي.
وإذا كانت الكتابة تطهرا من الألم، ففلسطين هي الألم الذي يطهرني.