حسن البربري يكتب: العمال والعدل بعد الثورة.. قراءة في أفكار حنان سبع
تُعد قضية العمال في مصر بعد الثورة من أكثر القضايا التي كُتب عنها وحولها جدل واسع بين من رأى فيها قوة دفع للتغيير ومن اعتبرها عبئا على الاستقرار السياسي و الاقتصادي
في هذا السياق جاءت ورقة حنان سباعي لتعيد طرح السؤال الأساسي: أين يقف العمال اليوم من حلم العدالة الاجتماعية الذي رفعته الثورة؟
أصدرت الباحثة حنان سبع في 2014 مقال بحثي بعنوان “لا يزالون ينتظرون: العمال والثورة والنضال من أجل العدالة الاجتماعية في مصر” و اعتذر ان كانت ترجمتي لعنوان المقال رديئة لكن تُعد من أهم الكتابات التي تناولت موقع الطبقة العاملة المصرية في مرحلة ما بعد ثورة يناير والعلاقة المتشابكة بين الخطاب السياسي للدولة ومطالب العمال الاجتماعية والاقتصادية وهو ليس مقال بحثي اكاديمي مما اعتد علي قراتها ,بل اعتبرته نص حيوي يرصد لحظة الصدام بين الدولة والشارع اي بين شعار “عجلة الإنتاج” وخطاب “العدالة الاجتماعية”
تبدأ الكاتبة من لحظة تاريخية حين خرج رئيس الوزراء إبراهيم محلب في مارس 2014 بخطابه الشهير الذي دعا فيه إلى دوران عجلة الإنتاج ووقف الإضرابات والاحتجاجات مستخدما خطابا بدا وطنيا حماسيا لكنه في جوهره كان دعوة لإسكات صوت العمال تشير سبع إلى أن هذا الشعار لم يكن جديدا بل استخدمته السلطة مرة تلو المرة كلما واجهت موجات من الاحتجاج العمالية إذ يتم تصوير العمال في تلك الخطابات السياسية كأنهم أنانيون أو يعملون ضد مصلحة الوطن وفي الوقت نفسه كانت الحكومة نفسها ترفع شعارات العدالة الاجتماعية و وانها تسعي لتحسين مستوى المعيشة ومحاربة الفساد واستبشروا خيرا و انتظروا القادم ….الخ لتتحول لغة العدالة ذاتها إلى أداة لتبريرالقمع .
تعيد الورقة التذكير بأن الاحتجاجات العمالية لم تبدأ مع الثورة بل سبقتها بسنوات فمنذ إضرابات المحلة الكبرى في 2006 و2008 بدأت ملامح الحراك العمالي المستقل تتشكل حتى بلغ عدد الاحتجاجات أكثر من 700 احتجاج عام 2009 وهو ما يعني أن الثورة لم تكن مفاجئة بقدر ما كانت تتويجا لمسار طويل من الغضب الطبقي العمالي والاجتماعي.
وترى الكاتبة أن الثورة أعادت تعريف مفهوم “العامل” فلم يعد مقصورا على العامل الصناعي أو الموظف الحكومي بل شمل فئات واسعة من المجتمع مثل الباعة الجائلين وسائقي التاكسي والميكروباص والعمالة الزراعية المؤقتة وحتى الأطفال العاملين في الشوارع هؤلاء جميعا شاركوا في الثورة وشعاراتها الشهيرة “عيش- حرية- كرامة- عدالة اجتماعية” ما يعني أن الطبقة العاملة اتسعت لتشمل كل من يعيش من عمله اليومي وكل من يواجه هشاشة العيش وانعدام الأمان الوظيفي والاقتصادي
وتتوقف سبع عند الدور الذي لعبه الشارع في تلك المرحلة إذ لم يعد مجرد مساحة للمرور أو البيع والشراء بل تحول إلى ساحة صراع مفتوحة لم تعد الاحتجاجات محصورة داخل المصانع أو الهيئات الحكومية بل امتدت إلى قلب العاصمة أمام البرلمان ومجلس الوزراء لتؤكد أن الفضاء العام أصبح جزءا من معركة العدالة الاجتماعية لا مجرد خلفية لها.
كما تشير الورقة ايضا إلى التحالفات الجديدة التي نشأت بين العمال والحركات المستقلة مثل حركة 6 ابريل والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية و مؤسسة حرية التعبير والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية هذه التحالفات قدمت نموذجا جديدا في التنظيم خارج الإطار النقابي الرسمي الذي ظل لسنوات طويلة أداة في يد الدولة.
غير أن هذه التحركات لم تصمد أمام موجات القمع التي تلت صعود المجلس العسكري ثم النظام الجديد بعد عام 2013 فقد أعادت الدولة استخدام خطاب “عجلة الإنتاج” هذه المرة تحت ذريعة “محاربة الإرهاب” وأغلقت آلاف المصانع وسرح عشرات الآلاف من العمال وتحول الإضراب إلى جريمة كبيرة ووفقا للبيانات التي تستشهد بها الكاتبة فقد تم اعتقال أكثر من 41 ألف شخص خلال عشرة أشهر فقط بعد يوليو 2013 من بينهم 87 عاملا بسبب مشاركتهم في احتجاجات عمالية مطلبية
وتختتم سبع ورقتها باستدعاء مقولة ماركس الشهيرة “الناس يصنعون التاريخ في ظروف ليست من صنعهم” لتؤكد أن العمال المصريين ما زالوا يصنعون التاريخ لكن في ظل شروط قاسية تفرضها دولة أمنية واقتصاد متداعٍ فهم “لا يزالون ينتظرون” لكنها تؤكد أن انتظارهم ليس سلبيا ولا صامتا بل مقاومة مستمرة بأشكال جديدة.
ما يميز الورقة في رأيي أنها لا تكتفي بتوثيق الأحداث بل تقدم تحليلا لغويا وسياسيا لخطاب السلطة فهي تكشف كيف تحولت اللغة كرمزية إلى أداة للقهر حين جعلت “عجلة الإنتاج” رمزا للوطنية بينما هي في الحقيقة دعوة للعامل كي يعمل بلا أجر عادل ويصبر بلا ضمان ويعتبر فقره نوعا من التضحية الوطنية هذا النوع من الخطاب يفرغ العدالة الاجتماعية من معناها ويحولها إلى شعارات تستخدم لكتم اصوات المطالبين بها.
الورقة كذلك تذكير بأن الثورة كانت في جوهرها انتفاضة ضد الظلم الاجتماعي قبل أن تكون صراعًا على السلطة كانت وعدا لم يتحقق بعد ومع مرور أكثر من عقد على تلك اللحظة لا يزال العمال يواجهون الأسئلة نفسها عن الأجور والخصخصة والتمثيل النقابي والكرامة الإنسانية لذلك يمكن القول إن “الانتظار” الذي اشارت اليه سباعي ليس حالة سكون بل حالة تحد مستمروأن عجلة الإنتاج الحقيقية التي يجب أن تدور هي تلك التي تدفع نحو العدالة لا نحو مزيد من الاستغلال.
رابط المقال البحثي
“Still waiting: Labor, revolution, and the struggle for social justice ” by Hanan Sabea

