حسن البربري يكتب: الجهاز المركزي للإحصاء يكشف …. الغذاء يلتهم الدخل ورفع الأجور و المعاشات ضرورة
اصدر مؤخرا الجهاز المركزي للإحصاء و التعبئة نشرة الأسعار الشهرية عن شهر سبتمبر 2025 وفيه أعلن الجهاز أن أسعار الطعام والشراب ارتفعت بنسبة تقارب 12% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي وبنحو 2% عن أغسطس الماضي 2025 هذا الرقم وحده كاف ليدرك أي مواطن أن ما يشعر به في الأسواق لم يكن وهما وأن الغلاء الذي يلاحق لقمة العيش له جذور حقيقية في بيانات الدولة ذاتها.
تضخم يتركز في الغذاء
اللافت في الأرقام أن التضخم تركز تحديداً في مجموعة الغذاء والمشروبات بينما ظلت بقية السلع والخدمات شبه مستقرة وهذا النمط من التضخم هو الأخطر لأنه يصيب أساسيات الحياة فالأسرة المصرية خاصة في الريف تنفق أكثر من نصف دخلها على الطعام وعندما ترتفع الأسعار في هذا البند تحديداً يصبح كل تحسن محدود في الدخل بلا معنى.
الريف الأكثر تأثراً
تشير النشرة إلى أن معدلات الزيادة كانت أعلى في الريف مقارنة بالحضر وهو أمر منطقي إذا علمنا أن دخول الريف أقل نسبياً وأن الاعتماد على السوق في تلبية الاحتياجات الغذائية أصبح أكبر من أي وقت مضى بعد تراجع الدعم في كثير من القرى ومعنى ذلك أن موجة الغلاء لا تمر مرور الكرام على المدن فقط بل تضرب عمق الريف ما يزيد من عدد الفقراء
الأجر الذي لم يتحرك
كل زيادة في الأسعار تعني تراجعاً في القيمة الحقيقية للأجر أو المعاش فالعامل الذي كان دخله يكفي بالكاد لتغطية الشهر أصبح اليوم يضطر إلى تقليص نفقاته أو اللجوء إلى الديون الصغيرة وصاحب المعاش يعيش تحت ضغط يومي لا يقل قسوة ولذلك فإن الحديث عن زيادة الأجور والمعاشات لم يعد مطلباً رفاهياً بل ضرورة اقتصادية واجتماعية للحفاظ على الحد الأدنى من الكرامة المعيشية.
ما بين الأرقام والسياسات
الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي لا تكتفي بوصف الواقع بل ترسل إنذاراً واضحاً لصناع القرار بإن تآكل الدخل الحقيقي للمواطنين أصبح حقيقة ورفع الحد الأدنى للأجور يجب أن يتناسب مع وتيرة الغلاء لا أن يظل ثابتاً بينما الأسعار تتضاعف وربط الأجور والمعاشات بمؤشر الأسعار لم يعد فكرة نظرية بل آلية حماية ضرورية تضمن بقاء القوة الشرائية في حدود مقبولة.
معنى الغلاء في حياة الناس
ما تقوله النشرة بالأرقام يردده الناس بالكلمات البسيطة في الشوارع والأسواق: “كل حاجة غليت”.هذا الشعور الجماعي ليس انطباعاً نفسياً بل واقع تؤكده البيانات الرسمية نفسها وكلما تأخرت الأجور والمعاشات عن مواكبة هذا الواقع تزداد الفجوة بين ما يكسبه الناس وما يحتاجونه للبقاء فتتآكل الطبقة الوسطى ويتسع الفقر.
خلاصة
نشرة سبتمبر ليست مجرد تقرير اقتصادي بل شهادة رسمية على أن تكلفة المعيشة في مصر ترتفع بوتيرة لا يحتملها الدخل الثابت وحين يصبح الغذاء نفسه عبئاً تصبح زيادة الأجور والمعاشات هي السبيل الوحيد لحماية المواطنين من الانزلاق إلى مزيد من العوز.


