حسام السكري يكتب: ملك البنوك إذا وهب.. لا تسألن عن السبب
محمود مواطن صالح. يسير بجوار الحائط وأحيانا بداخله، يخشى أن يكون مدينا لأحد. ويخيفه أن يكون هذا “الأحد” بنكا، يتحين سهوا منه أو تأخيرا، ليفرض غرامة أو فائدة. لذا أعطى تعليماته منذ سنوات بخصم مشتريات بطاقة ائتمانه تلقائيا من حسابه الجاري كل شهر.
في نهاية مارس فوجيء الرجل بأن بنكه منحه حق الاستفادة من “مبادرة” أطلقها المصرف المركزي لتأجيل قروض المدينين. ولأن محمود ليس مدينا رأي البنك أن يجامله بدل المرة مرات. مرة بجعله مدينا بإلغاء الدفع التلقائي، ومرة بإضافة فوائد على دينه الجديد، ثم بجعل الفوائد مركبة، وأخيرا بمنحه حق جدولة دينه بعد ستة شهور “امتثالا للتعليمات.
هذه ليست دعابة وإنما كابوس عاشه مع محمود مئات الآلاف من مستخدمي بطاقات الائتمان التي يصل عددها في مصر في بعض التقديرات إلى ستة ملايين بطاقة.
بدأت الحكاية بتعليمات من البنك المركزي المصري في منتصف مارس لتخفيف التبعات الاقتصادية لانتشار الكورونا بتأجيل المديونيات “دون غرامات أو عوائد” تماشيا مع توجه عالمي بالإعفاء من دفع الديون بدون فوائد لمدد وصلت إلى ستة شهور.
في مصر رأي البعض في المحنة “سبوبة” وفي المبادرة وسيلة لمزيد من الأرباح على حساب المأساة، فقررت بنوك تأجيل الدفع مع الاستمرار في حساب الفوائد، بل أضافوها للديون لتصبح الفائدة مركبة.
ارتفعت الشكاوي. فحسم المركزي المسألة، للغرابة، لصالح البنوك ورأي أنه “في حالة عدم رغبة العميل الاستفادة من التأجيل أو تحمل أي تكلفة إضافية ناتجة عنه يتم الامتثال لطلبه”. أي أن المركزي نسي غرض المبادرة الأصلي، وتجاهل العرف العالمي، وأطلق العنان للبنوك بفتح باب “التكاليف الإضافية”. كما نسي ما قاله عن “العوائد” التي يبدو أنها ليست “الفوائد”!
الأغرب هو إقرار معاملة حاملي بطاقات الائتمان بنفس الطريقة دون أن يسألوا عن رغبتهم. فألغت البنوك ترتيبات الدفع التلقائي ليتسنى لها تحويلهم إلى مدينين، وبدأ مسؤولوها في فرك أيديهم فرحا وهم يضيفون الفوائد المركبة على حسابات مدينيهم الجدد إضافة للقدامي!
لحفظ ماء الوجه أعلنت بنوك أنها على استعداد لقبول طلبات الاستثناء من “المبادرة الكريمة”. كثيرون اتصلوا بخدمة العملاء تليفونيا وبعد مدد انتظار وصلت إلى الساعة، أخذت منهم تعليمات لم تنفذ، أو أخبروا بضرورة التوجه للبنك بأنفسهم.
تدفق الناس الذين تنصحهم الدولة كل يوم بالبقاء في المنازل على البنوك لتقديم طلبات مكتوبة. أما من صدقوا أن الخروج من المبادرة ممكن عبر الإنترنت أو برسالة نصية فقد نجح بعضهم وفشل البعض. أو قيل لهم إن طلبهم قبل، ثم فوجئوا بأن البنوك لم تنفذ تعليماتهم ولم تحصل المدفوعات لتحيلها إلى ديون إضيفت إليها الفوائد.
أسخف التجارب كانت مع بعض من انتبهوا لتحايل البنوك بإلغاء تعليمات الدفع التلقائي، فقاموا في الوقت المناسب بتحويل مبالغ مشتريات كارت الائتمان يدويا عبر الإنترنت. ولكن هيهات، قام بعض البنوك “بتجنيب المدفوع” أي تجاهله، ثم حولوا المشتريات إلى دين وأضافوا الفائدة!
ما تدفق علي صفحتي في فيسبوك من شهادات يشي بأن أغلب إن لم يكن كل البنوك تسابقت لاستغلال مبادرة الوباء لتتحول بدورها إلى وباء. تماما كالمرابي في أفلام الجاهلية، الذي يستغل حاجات الناس ليثري على حسابهم.
أما البنك المركزي فقد سمح لهم بتحويل المبادرة إلى سبوبة ارتزاق، ثم جعلها قاعدة تفرض على الجميع. فيما صارت رغبة العميل استثناء يستوجب المجازفة بالتقاط مرض الكورونا والتزاحم في طوابير البنوك.
فعل معيب في ظل ظروف استثنائية تقتضي التعاطف وليس الاستغلال. خطأ يستوجب التدخل والتصحيح والاعتذار لمحمود ومئات الآلاف غيره.