جمعة رمضان يكتب : نَجَيب وعَرَفه وترامب والَّذين معهم ..
اشتراكي القلب راسمالي العقل.. فاجومي الهوى !
خلال لقاء تلفزيوني أشارت له جريدة المصري اليوم بتاريخ 11 يناير 2016 أدهش المهندس نجيب ساويرس مشاهدي برنامج ” السادة المحترمون ” على قناة ON.tv التي كان يملكها ساويرس وقتئذٍ بقوله : ” أنا قلبي اشتراكي وعقلي رأسمالي“، في مسعىً منه فيما يبدو لاسترضاء نخب الثقافة وفرقاء السياسة في المجتمع، أو ربما من باب تكريس صورته الشعبية التسامحية التي كان يحرص على اظهارها كثيرا في علاقتة المشهودة بالشاعر اليساري الراحل أحمد فؤاد نجم وقربه منه، وقد شاهدناه مرارًا يشارك العم نجم وضيوفه سهراته الفنية فوق سطح أحد البنايات البسيطة في حي القلعة الشعبي الشهير حيث كان يسكن ويعيش العم نجم، كان نجيب حينها قد مضى عام تقريبا على تخارجه بكامل حصته من شركة موبينيل ثاني اثنين اذ هما متوجان على عرش الاتصالات في مصرمع شركة فودافون، ولعل المعاصرون للملابسات التي أحاطت بصفقة موبينيل مع الدولة يذكرون التغطيات الصحفية المثيرة التي رافقت الحدث وكذلك النقاشات وطلبات الاحاطة التي قُدمت حينها في البرلمان بشأن وقائع وملابسات الصفقة التي شابها التعتيم والغموض وعن حجم الارباح المليارية التي جناها صاحب ” القلب الاشتراكي ” بجرة قلم جراء ابرام تلك الصفقة .
وثالثهم ترامب
موجة من الجدل والغضب سادت أوساط الرأي العام المصري ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي قبل يومين عقب تصريحات وصفت بالصادمة صدرت عن الملياردير ورجل الاعمال المصري نجيب ساويرس خلال مداخلة تلفزيونية مع أحد برامج التوك شو أبدى فيها تحفظه على الاجراءات والتدابيرالاحترازية التي اتخذتها الحكومة المصرية بشأن مقاومة تفشي فيروس كورونا الوبائي معلنًا رفضه لخطة التباعد الاجتماعي المتعلق بخفض التجمعات البشرية في مواقع العمل والدوائر الحكومية تجنبًا لانتشار العدوى، وتضمنت تلك التصريحات مطالبته باستثناء عمال الصناعة من اجراءات وتدابير العزل والتباعد الاجتماعي التي أقرتها الدولة وباشرت تطبيقها بجدية غير معهودة واصرار لافت، زاعمًا أن توقف العمل بالمصانع وتجميد النشاط الاقتصادي خلال فترة العزل سوف يسبب كارثة اقتصادية، ملوحًا بتهديدات تتعلق بتسريح العمالة والتوقف عن دفع رواتبهم ، ومحذرًا في الوقت ذاته من دماء اقتصادية سوف تغرق الشوارع، اذا ما استمرت خطة الحكومة في مواجهة الجائحة على هذا النحو، كاشفًا البديل في نظره ممثلا في الاكتفاء بعزل كبار السن فقط دون شباب العمال والموظفين، مهددًا باقدامه هو شخصياً على الانتحار ان لم تستجب الجهات المعنية لمطالبه المتمثلة في عودة الطاقه التشغيلية لمصانعه كاملة بطواقم العمل المعتادة مع تطبيق اجراءات الحماية والوقاية والعزل داخل المصانع ومنافذ البيع وليس خارجها .
لم يأت الغضب من اتجاه واحد يغلب عليه الطابع اليساري المعارض فحسب، بل جاء كذلك من أطراف اصيلة داخل أروقة السلطة عبر عنها صراحة الاعلامي ” محمد الباز ” بهجومه اللاذع على شخص ساويرس وتعاطيه الحاد مع الموقف بلغ حد مطالبته الملياردير ذائع الصيت أن ” يغور بفلوسه عن البلد دي ” على حد قوله ( وياله من قول ! ) .
لم تهدأ الزوابع التي أثارها ساويرس بتصرحاته حتى لحق به قطب رأسمالي آخر هو ” علاء عرفه ” أحد أبرز رجال الاعمال المصريين ، عضو مجلس الاعمال المصري الامريكي ، وأحد اوائل المطبعين والمطبقين لشروط اتفاقية الكويز من خلال شركات تصنيع الملابس التي يملكها في عدة مدن صناعية , مدليًا بتصريحات مماثلة لتصريحات ساويرس رافضاّ بدوره تطبيق خطة العزل الجماعي الشامل الا في اضيق نطاق ممكن على أن يقتصر على كبار السن وذوي الامراض المزمنة فقط مشددًا على ضرورة استمرار العمال والموظفون في مباشرة أعمالهم مهما بغلت احتمالية خطر العدوى بالفيروس القاتل .
الأعجب من ذلك هو التطابق المدهش والتقارب الزمني الذي جمع بين تصريحات ساويرس وعرفة وتصريحات مماثلة للرئيس الامريكي دونالد ترامب ونائبه مايك بنس وصهره كوشنر، دعوا فيها أيضًا الى ضرورة استمرار عجلة النشاط الانتاجي وعودة العمال والموظفين والبائعين الى عملهم المعتاد دون اعتبار لتعرضهم لخطر الاصابة بعدوى الفيروس .
الطائفية سياق مزموم
في سياق موازي خرجت بعض الاصوات ( وان كانت خافتة ) تتجادل حول وجود خلفيات طائفية تحيط بردود الأفعال التي سارعت بانتقاد تصريحات ساويرس، سندهم في ذلك رد فعل الاعلام خافت النبرة تجاه تصريحات عرفة، أو قياسًا على ماسبق وشنه اعلام الاخوان على ساويرس في 2012 من هجوم واتهامات متبادلة ( أخذت بعدًا طائفيا ) وبلغت ذروتها بعد نشره رسومًا وصفت بالمسيئة للدين الاسلامي على حسابه بتويتر، وكذلك خلال وعقب الانتخابات البرلمانية التي تَوَاجَه فيها تحالف الكتلة المصرية بقيادة حزب المصريين الاحرار الذي كان يرأسه ساويرس حينها مع حزب الحرية والعدالة الاخواني ( راجع الرابط أدناه – لقاء ساويرس مع المذيع الاخواني أحمد منصور في برنامج بلا حدود، بثته قناة الجزيرة في 2012 ).
أشداء على الناس رحماء فيما بينهم
الشاهد في الأمر وعلى وقع الانين المكبوت في الاسفل وسياق التهميش الاجتماعي الضاغط على البسطاء، والغبار الاعلامي الموجه والمعكر للاجواء، الطامس لحقائق الازمات وجوهر الصراع في غير مناسبة، يظل ساويرس وعرفة طرفًا واحدًا لا طرفين في مجرى الصراع، مكون وسياق طبقي واحد، يجمعهما خندق نيوليبرالي واحد، ومصلحة واحدة، وهدف واحد، ورغبة واحدة في التلذذ بتكديس الارباح ومصمصة عظام العمال الاجراء ( الطرف الاخر ) حتى النخاع، ملتحقين دومًا بركب السلطة أيًا ما كانت طبيعة تلك السلطة (ديمقراطية، استبدادية، ثيوقراطية.. لا بأس طالما سيل الارباح موصول)، باقون جميعاً رهن مصالحهم المناقضة بالضرورة في جوهرها وسبل حيازتها وتكديسها مع مصالح الغالبية العظمى من افراد المجتمع بشتى شرائحه وطوائفة المطحونة بالغلاء والمقموعة بالاقصاء والتمييز، ليظل التمييز الاجتماعي الطبقي هو الاصل الذي يجر خلفة كافة مفاسد وجرائم التمييز الاخرى بأشكالها وأبعادها الطائفية والدينية والمذهبية والعرقية ..فهنالك عند قمة الهرم الاجتماعي حيث تتلاشى الفوارق الطائفية والعرقية وتتوحد الطبقة المجتباه ويتبادل الجميع الانخاب في صحة النار المشتعلة في القاع، لايكاد يتبقى أثر لخلاف بين الطوائف والنحل المهيمنة على ما يزعمونه عطايا الارض والسماء ومابينهما ، لايشغلنهم وهم على قمة الهرم الاجتماعي سوى حصد المغانم واعادة تدوير صراع المسحوقين وتنازعهم الزائف في الاسفل..هنالك فقط وفي الخفاء خلف أسوار القلاع المحصنة حيث يحتمي المجتبون من شتى الطوائف والعشائر والملل وحيث تخصى الدساتير والقوانين وتعاد صياغة العقد الاجتماعي بليل وتفكك المؤسسات والمرافق العامة والمصارف والشركات، وتصادر الارض والعقار والقرار ويعاد هيكلتها جميعاً كاقطاعيات خاصة وميراث حصري موقوف على الطبقة وسلالتها، هنالك فقط يجرى تخليق البؤس وضخه عنوة في وريد الوطن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر: