تأثير “البجعة السوداء”.. كورونا يهدد العالم بانهيار اقتصادي وشيك
تراجعت البورصات في الشرق الأوسط، اليوم الأربعاء، إذ أخفق خفض طارئ في سعر الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في تهدئة قلق المستثمرين حيال التداعيات الاقتصادية العالمية المتزايدة لفيروس كورونا، في الوقت الذي أكد صندوق النقد الدولي أن تفشي الفيروس يشكل تهديدا خطيرا على الاقتصاد العالمي، وسط مخاوف باستدعاء ذكريات الأزمة المالية العالمية.
وقالت المدير العام لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جيورجيفا، اليوم الأربعاء، إن تفشي فيروس كورونا يشكل تهديدا خطيرا على الاقتصاد العالمي.
وأضافت جيورجيفا، في مؤتمر صحفي، اليوم، أن “النمو العالمي في 2020 سينخفض لمستويات أقل من العام الماضي بالقدر الذي يستمر فيه تفشي فيروس كورونا”.
العرب في دائرة الخطر
وفي مصر، تراجع رأس المال السوقي للبورصة المصرية بحوالي 5.2 مليار جنيه جنيه، ليسجل 636.5 مليار جنيه مقارنة بـ 641.7 مليار جنيه أمس.
وتراجع المؤشر الرئيسي egx30 بـ 1.91 % ليصل 12182.46 نقطة، فيما ارتفع مؤشر الشركات المتوسطة والصغيرة “إيجى إكس 70 متساوى الأوزان” بنسبة 0.3% ليغلق عند مستوى 1141 نقطة، وهبط مؤشر “إيجى إكس 100” بنسبة 0.65% ليغلق عند مستوى 1243 نقطة.
وخفضت السعودية والإمارات، اللتان تربطان عملتيهما بالدولار، أسعار الفائدة الأساسية لديهما خمسين نقطة أساس أمس، مقتفيتين أثر خطوة مجلس الاحتياطي الاتحادي الطارئة، وذلك بحسب وكالة “رويترز”.
وأغلق مؤشر أسهم دبي الرئيسي على انخفاض 2.2 %، متأثرا بتراجع 3.8 % في سهم إعمار العقارية القيادي ونزول 2.5 % في سهم بنك الإمارات دبي الوطني.
وهبط مؤشر بورصة أبوظبي 2.8 %، إذ هوى سهم بنك أبوظبي الأول 5% ليبلغ أدنى مستوياته منذ يوليو تموز 2018. وجرى تداول سهم أكبر بنوك الإمارات دون الحق في توزيع الأرباح.
ومن الأسهم الأخرى، تراجع سهم بنك أبوظبي التجاري 2.8 %.
وانخفض المؤشر القياسي للبورصة السعودية 0.4 %. وتراجع سهم مجموعة سامبا المالية 4.1 %، بينما فقد سهم أكبر بنوك البلاد البنك الأهلي التجاري 1.9 %.
وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، اليوم الأربعاء، إن المملكة، التي رصدت أول حالة إصابة لديها بفيروس كورونا يوم الاثنين، علقت العمرة للمواطنين والمقيمين مؤقتا بسبب مخاوف من فيروس كورونا.
وفي قطر، خسر المؤشر 0.1 %، متأثرا بهبوط 5.2 % في سهم شركة قطر للوقود ونزول 6.9 % في سهم المتحدة للتنمية، إذ جرى تداول السهم دون الحق في توزيع الأرباح، لكن سهم بنك قطر الوطني، الذي ارتفع 2.8 %، قلص خسائر المؤشر.
وقال مصرف قطر المركزي، اليوم، إنه خفض سعر فائدة الإيداع 50 نقطة أساس إلى 1.5 %.
وخارج منطقة الخليج، نزل المؤشر المصري الرئيسي 1.9 %، متأثرا بهبوط بنسبة ثلاثة % في سهم البنك التجاري الدولي وتراجع سهم كريدي أجريكول مصر 5.5 %.
صدمة خفض فائدة الاحتياطي الفيدرالي تهز أسواق المال
كما فاجأ الاحتياطي الفيدرالي، الأسواق المالية والعالم، بخفض كبير لسعر الفائدة، استجابة لضغوط تفشي فيروس كورونا على اقتصاد الولايات المتحدة، الأمر الذى بدا مرحبًا به من المستثمرين قبل تحول حاد وسريع في معنوياتهم.
الفيدرالي، قرر أمس الثلاثاء، خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نصف نقطة مئوية إلى النطاق بين 1.25% و1.00%. وعلل رئيس البنك جيرم باول الخطوة في بيان، بأن فيروس كورونا الجديد يشكل “مخاطر متنامية على النشاط الاقتصادي”.
وكان ذلك أول خفض لسعر الفائدة في أمريكا منذ العام الماضي، عندما خفضها الفيدرالي 3 مرات، كما أنها المرة الأولى التي يخفض فيها البنك المركزي سعر الفائدة في غير اجتماعات السياسة العامة منذ الأزمة المالية في عام 2008، وهي أيضًا أكبر وتيرة تخفيض منذ ذلك الحين.
وتأتي الخطوة بعدما شهدت الأسواق المالية ضغوطًا شديدة خلال الأسبوع الماضي، مع تزايد المخاوف من الانتشار العالمي لفيروس كورونا القاتل، وإمكانية تعطيله للاقتصاد، ما تسبب في خسائر غير مسبوقة للأسهم منذ الأزمة المالية، وخسارتها تريليونات الدولارات من قيمتها السوقية، بحسب “سبوتنيك”.
على جانب آخر، يُتوقع أن تحاكي البنوك المركزية حول العالم خطوة الفيدرالي استجابة للضغوط المتزايدة على الاقتصادات، وكانت بلدان السعودية والبحرين والإمارات وهونج كونج أول من بادر بخفض أسعار الفائدة بنفس المقدار (نصف نقطة مئوية).
ويجعل خفض أسعار الفائدة تكاليف الاقتراض أرخص، ويمكن أن يشجع الشركات والأسر على أخذ القروض والإنفاق، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تنشيط الاقتصاد.
بدا أن المستثمرين في الأسواق يرحبون بهذه الخطوة، حيث ارتفعت الأسهم في وول ستريت بشكل ملحوظ فور إعلان الفيدرالي خفض الفائدة، لكنها ما لبثت أن سلكت اتجاهًا صعوديًا حتى هبطت بشكل حاد بعد تحليل رسائل رئيس البنك في مؤتمره الصحفي.
ربما يرجع ذلك لاستمرار شعور المستثمرين بالخوف من تداعيات انتشار الفيروس واحتمال تحوله إلى وباء عالمي يصعب السيطرة عليه، الأمر الذي سيزيد الضغوط على الاقتصاد العالمي الهش.
أغلقت العقود الآجلة للذهب على ارتفاع بأكثر من 3% خلال تعاملات أمس الثلاثاء، وهي إشارة على تدفق المستثمرين على الأصول الأمنة، والتي عادة ما يتجهون إليها في أوقات الخوف والهلع والتوقعات الاقتصادية القاتمة.
كما انخفض عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، وهي أيضًا أحد أهم الأصول الآمنة التي يلجأ لها المستثمرون، إلى مستوى قياسي. عادة ما يتراجع عائد السندات مع ارتفاع سعرها بفعل الطلب المتزايد.
رأينا الخطر واخترنا التحرك
لم يكن قرار الفيدرالي مفاجئًا تمامًا، وتوقعت مصارف وشركات تحليل عالمية مثل “بنك أوف أمريكا” و”باركليز” و”جولدمان ساكس” و”ناتويست ماركتس”، خفضًا بهذا المقدار للفائدة في الولايات المتحدة قبل اجتماع البنك المركزي في الثامن عشر من هذا الشهر، بحسب تقرير لوكالة “بلومبيرج”.
مع ذلك، فإن المفاجأة -أو ربما الصدمة- التي شعرت بها الأسواق، ترجع لطريقة الفيدرالي في الرد على مخاوفها بعد أيام من تأكيده أن الحاجة للتدخل ليست ملحة، وأكدت مجموعة من محافظي البنوك المركزية العالمية خلال الأسابيع الماضية أنه من السابق لأوانه الحكم على التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا.
أول سؤال طرح على باول خلال مؤتمره الصحفي أمس، هو “ما الذي تغير؟” لكن رئيس أكبر وأهم بنك مركزي في العالم لم يكن بإمكانه الإجابة سوى بـ”رأينا خطرًا على مستقبل الاقتصاد، واخترنا التحرك”، رغم التأكيد على قوة أساسيات الاقتصاد.
وأضاف: “البيانات الفعلية لا تظهر شيء، لكنك ترى أشياءً في مؤشرات التنبؤ بالمعنويات، ونحن نتوقع أن يستمر ذلك وربما يتعاظم، وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نرى أنه من المناسب التحرك لدعم الاقتصاد، وهذا ما فعلناه”.
على أي حال، انخفاض الأسهم واستمرار الطلب على الملاذات الآمنة يعزز الاعتقاد بأن السياسة النقدية المخففة ليست علاجًا مثاليًا لمواجهة وباء محتمل. كما أن التدخل الطارئ للفيدرالي يفسر على أنه ذعر غير مفهوم.
ترغب الأسواق المذعورة بالفعل، في معرفة مدى انتشار الفيروس، وهو أمر لا يستطيع ولا يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي يعرف إجابته، كما يبدو أن أدواته غير مكتملة وغير كافية للتعامل مع أزمة الصحة العامة.
ضغوط سياسية أم تسهيلات؟
وفقًا لـ”بلومبيرج”، فإن خطوة الاحتياطي الفيدرالي، ربما يقصد بها منح غطاء لبعض أقرانه الذين لا يمتلكون مساحة كبيرة لتخفيف سياساتهم النقدية، مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان. يجتمع المركزي الأوروبي في الثاني عشر من مارس، والياباني في التاسع عشر من الشهر ذاته.
بالتأكيد لم يفصح باول عن ذلك، لكنه قال إن محافظ البنوك المركزية “يتحدثون مع بعضهم البعض بشكل مستمر”، وقال قادة البنوك المركزية في مجموعة السبع: “سنواصل الوفاء بالتزاماتنا، وبالتالي دعم استقرار الأسعار والنمو الاقتصادي مع الحفاظ على مرونة النظام المالي”.
خطوة الفيدرالي ربما يفسرها أيضًا، الضغوط السياسية، حيث جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاثنين، انتقاده لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وطالبه بخفض أسعار الفائدة، قائلا إن البنك المركزي الأمريكي “بطيء في التحرك” ويجب أن يكون أكثر نشاطا.
وبعدما أعلن الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة، الثلاثاء، استمر ترامب في حملته على الإنترنت، مطالبًا “بمزيد من التسهيلات والخفض”.
إذا كان الفيدرالي اتخذ قراره بخفض كبير للفائدة قبل أسبوعين من اجتماعه التقليدي، فماذا سيفعل عند الاجتماع؟ البنك المركزي الأمريكي استهلك في هذه الخطوة بالفعل قدرًا كبيرًا من ذخيرته لمواجهة صدمة الأسواق المحتملة، والسؤال الآن هل سيقدم على خفض جديد بعد أيام؟
حتى تخفيض الفائدة قد لا يكون فعالا
رغم تحركات الاحتياطي وغيره من البنوك المركزية، لا يبدو أن المستثمرين والاقتصاديين على قناعة بأن السياسات النقدية تمتلك الكثير لإنقاذ الاقتصاد العالمي، خاصة أن بعض البنوك المركزية الرئيسية مثل الياباني والأوروبي، خفضوا الفائدة بالفعل إلى النطاق السالب، بحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي”.
ويقول رئيس استراتيجية الاستثمار لدى مصرف “جيه بي مورجان” في آسيا، أليكس وولف: “الحقيقة هي أننا نأتي إلى هذه الأزمة مع ذخيرة أقل بكثير على مستوى العالم. ليس فقط أوروبا أو اليابان، حتى في الصين لديهم مساحة أقل من المرة الأخيرة التي اضطروا فيها إلى إطلاق حزمة من الحوافز”.
قبل خفض الفيدرالي للفائدة، خفضت البنوك المركزية في أستراليا وماليزيا أسعار الفائدة أيضًا، ويتوقع المحللون أن تقوم المزيد من البنوك المركزية بنفس الشيء. لكن يرى المحللون أن بعض البنوك المركزية قد لا يكون لديها مجال لخفض أسعار الفائدة، وأن تخفيض الفائدة قد لا يكون فعالا في دعم النشاط الاقتصادي.
ويقول كبير الاقتصاديين لدى “موديز آناليتيكس” مارك زاندي: “إذا تحول هذا الفيروس إلى وباء يجتاح الولايات المتحدة، فمن الصعب للغاية تصور الاقتصاد الأمريكي يمر دون ركود كامل، مما يعني أن الاقتصاد العالمي بأسره سيكون في حالة ركود”.
وقالت “موديز” الأسبوع الماضي، إن احتمالات تحول فيروس كورونا إلى وباء عالمي ارتفعت من 20% إلى 40%، في ظل تزايد الإصابات بالمرض الجديد خارج الصين.
وفي مذكرة كتبها اقتصاديو “موديز” قالوا: “لقد كان افتراضنا السابق بأنه سيتم احتواء الفيروس في الصين، متفائلًا للغاية، فيما تواصل احتمالات حدوث وباء عالمي التزايد”.
وقال الاقتصاديين، إن الوباء سيؤدي إلى ركود عالمي خلال النصف الأول من هذا العام، مضيفين: “لقد كان الاقتصاد هشًا بالفعل قبل ظهور المرض وعرضة لأي خطر”.
واختتموا التقرير بالقول إن “كوفيد 19” خرج من العدم، وقد يكون هذا ما يطلق عليه الاقتصاديون “بجعة سوداء” وهو حدث نادر وغير متوقع بطبيعته وله عواقب وخيمة.
في ظل هذه الظروف، يعول المراقبون كثيرًا على تدخل الحكومات لدعم الاقتصادات. وقد أعلنت بلدان مثل هونغ كونغ عن إجراءات لتوزيع مليارات الدولارات على المواطنين لدعم الإنفاق، في حين تخطط سنغافورة لإطلاق حزم مساعدة تستهدف الشركات الأكثر تضررًا من تفشي الفيروس.