بسبب الارتفاعات الجنونية في الأسعار.. الحرة: البصل والقمح سلعتان استراتيجيتان تفاقمان مشكلة مصر الاقتصادية
قال موقع “الحرة” إن مصر تواجه أزمة في اثنين من أهم السلع الغذائية الأساسية، هما البصل والقمح، بسبب الارتفاع الشديد في سعر الأولى محليا والذي دفع مجلس الوزراء لوقف تصديرها مؤقتا، وفي الوقت نفسه، أوقفت موسكو توريد الحبوب الروسية للقاهرة بسبب رفضها التسعير.
ظهور أزمتي السلعتين الاستراتيجيتين في هذا التوقيت يراه محللون اقتصاديون، تحدثوا لموقع “الحرة”، أنه سيفاقم من سوء الوضع الاقتصادي الذي تمر به مصر، خاصة في ظل أزمة الغلاء الناتجة عن ارتفاع نسب التضخم وانخفاض قيمة الجنيه.
البصل يصل لأسعار “جنونية”
وكان مجلس الوزراء المصري وافق، الأربعاء، على وقف تصدير سلعة البصل لمدة ثلاثة أشهر تنتهي بنهاية العام الجاري، في إطار ضبط الأسعار في الأسواق المحلية، بعد ارتفاع سعره من 3 جنيهات إلى 25 جنيها للكيلو جرام في أقل من عامين.
وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أسامة أبو المجد، لموقع “الحرة” إن أسعار البصل دائما ما كانت في متناول المواطن البسيط، لكنها الآن تخطت في بعض المناطق حاجز 35 جنيها للكيلو، وهذا من شأنه أن يسبب أزمة كبيرة على المستوى المحلي لا يرغب بها النظام الحاكم في الوقت الحالي، مع التحضير للانتخابات الرئاسية.
ومن المتوقع أن يعلن السيسي ترشحه لفترة رئاسية جديدة عبر انتخابات مقررة أوائل العام المقبل، بحسب وكالة “رويترز”.
وأضاف أبو المجد أن “البصل يعتبر من السلع الاستراتيجية لمصر، إذ تعتمد عليه الأسر والمطاعم يوميا في معظم الوجبات، ولذلك دائما ما كان لدينا اكتفاء ذاتي منه وفائض في الإنتاج يسمح بالتصدير، كما كان يتم توفيره بأسعار زهيدة”.
وتنتج مصر من 2.8 إلى 3 ملايين طن بصل سنوياً ويمثل ما يتم تصديره نسبة 12.5 إلى 15.5 في المئة من جملة الإنتاج، والباقي يكفي الاستهلاك المحلي،.
واحتلت صادرات مصر من محصول البصل المرتبة الثالثة من أول يناير وحتى أول يونيو الماضي، حيث تم تصدير حوالي 729 طن بصل من إجمالي الصادرات الزراعية المصرية التي بلغت حوالي 4 ملايين طنًا، وفقا للصحيفة.
وتصدر مصر البصل لأسواق مختلفة منها، روسيا والسعودية والكويت وهولندا وسوريا والأردن والمملكة المتحدة وليبيا ولبنان والعراق والإمارات وإيطاليا وإسبانيا.
وتابع أبو المجد أن هذه الارتفاعات التي وصفها بـ”الجنونية” ما هي إلا نتيجة طبيعية لموجة التضخم التي تشهدها مصر بسبب الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة الجنيه وشح العملة الصعبة.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الأزمة الأساسية في مصر تكمن في تجاهل الحكومة لمراقبة وضبط الأسعار من البداية، وبالتالي استغل التجار هذا الوضع، واتفقوا على تقليل المعروض في السوق المحلي من أجل الضغط لزيادة نسب التصدير بأسعار أعلى والحصول على العملة الصعبة، فيما يعرف بـ”تعطيش السوق”، وهو النهج الذي يدركه النظام الحالي لكنه لا يفرض قيودا وضوابط واضحة لتجريم الأمر.
ويرى أستاذ الاقتصاد أن استمرار اتباع الحكومة لتوفير مسكنات مؤقتة للشعب بدلا من حل المشكلة من بدايتها، سيزيد الأوضاع سوءا، موضحا أن الزيادة الطفيفة التي أقرها مجلس الوزراء في العلاوات والمعاشات اليوم يقابلها ارتفاع مضاعف في أسعار المنتجات الأساسية بدون ضبط حقيقي للأسواق.
أسباب محلية وعالمية
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي والمحاضر بجامعة “لافبروه” البريطانية، كريم الصفتي، لموقع “الحرة” إن أزمة مصر تمتد من مشكلة عدم ضبط الأسواق المحلية إلى الظروف العالمية.
وأضاف أن الهند، التي تعتبر من أهم الدول في تصدير البصل عالي الجودة عالميا، تعرض محصول البصل بها هذا الموسم للإتلاف بسبب سوء الحوال الجوية وتعرض المحاصيل للأمطار غير الموسمية، وبالتالي انخفضت الكميات التي تصدرها لدول العالم، ولذلك زاد الطلب عالميا على المحصول المصري.
وتابع أنه بسبب أن الحكومة تعاني من شح في العملة الصعبة، فشجعت بدورها على زيادة تصدير محصول البصل للحصول على الدولار، وأعطت وعودا للتجار بمضاعفة معدلات التصدير خلال الأشهر الشتوية المقبلة، وهو ما دفع التجار لتقليل المعروض من البصل في الأسواق ورفع سعره بشكل مبالغ فيه بنسبة زيادة تتعدى 200 في المئة.
وأوضح الصفتي أنه بعد الصدمة التي حدثت في الأسواق، اضطرت الحكومة لوقف التصدير مؤقتا 3 أشهر، وهذا من شأنه انخفاض الأسعار بشكل ما، لكن الأزمة ستظهر مرة أخرى، لأنه فيما يتعلق بالقطاع الزراعي، فليس لدى الحكومة رؤية واضحة بشأن خريطة المساحات المزروعة ونوعية المحاصيل ونسب التصدير المتوقعة مقارنة بالاستهلاك المحلي.
وقال إن حل هذه الأزمة تتبعه الدول منذ عشرات السنوات، من خلال تقديم تحفيزات مالية للمزارعين وتشجيعهم على زيادة محاصيل بنوعها تفيد اقتصاد الدولة في السوق المحلي والتصدير الخارجي، بالإضافة إلى وضع خطط تفصيلية مع التجار بشأن نسبة المعروض المحلي وضبط الأسعار وخريطة التصدير.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن “قرارات الحكومة تتسم بالعشوائية والتخبط، وهذا سيزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية، خاصة أنه مع استمرار انخفاض أسعار الفائدة بشكل كبير عن معدل التضخم، فإن رفع سعر الفائدة في نهاية المطاف يبدو شبه مؤكد، وبالتالي المزيد من خفض الجنيه.
وأكد الصفتي أن محاولات الحكومة لسداد ديونها الخارجية والتي تتجاوز قيمتها 165 مليار دولار لن تنجح إذا استمر هذا النهج، لأن الحل من المستحيل أن يكون في الضغط على السوق المحلي واتباع سياسات التجويع، موضحا أنه بدون تحفيز وتطوير القطاع الزراعي والصناعي، فلن تخرج مصر من أزمتها الاقتصادية.
وتسارع التضخم في المدن المصرية إلى مستوى قياسي بلغ 37.4 بالمئة في أغسطس، بعد أن وصل أيضا إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في الشهرين السابقين، وهو ما جاء مدفوعا بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4 بالمئة على أساس سنوي وفقا لوكالة “رويترز”.
كما أوضحت الوكالة أن سعر الجنيه المصري ثابت عند نحو 30.9 جنيه مقابل الدولار منذ مارس، بينما يجري تداوله منذ شهور عند نحو 40 جنيها في السوق السوداء.
روسيا ترفض توريد القمح لمصر
وفيما يتعلق بأزمة القمح التي تواجهها مصر، ذكرت وكالة “بلومبرغ”، الأربعاء، أن روسيا اعترضت على تسعير الصفقة الضخمة، وفق أشخاص طلبوا عدم نشر أسمائهم.
وأوضحت الوكالة أن مصر اتفقت على شراء 480 ألف طن من القمح الروسي في مفاوضات مباشرة، بسعر 270 دولاراً للطن بما في ذلك الشحن، بحسب ما أعلن وزير التموين، علي مصيلحي، مطلع سبتمبر الجاري.
وأشارت الوكالة إلى أن هذا السعر أقل من الحد الأدنى الذي كان المسؤولون الروس يرغبون به وقتها.
ووفقا للوكالة، تسعى مصر، التي تعتبر من أعلى مستوردي القمح في العالم، لاستيراد ما يقرب من نصف مليون طن من القمح من فرنسا وبلغاريا.
وتعد مصر المستورد العالمي الأول للقمح، وتشتري نحو 50 في المائة منه من روسيا.
وتشير الأرقام المنشورة على موقع الأمم المتحدة إلى أن مصر تأتي في مقدمة دول الشرق الأوسط التي تعتمد على استيراد الحبوب من روسيا وأوكرانيا، بما يساوي 23 مليار دولار في الفترة بين عامي 2016 و2020.
وتشير الأمم المتحدة إلى إنه منذ توقيع اتفاقية الحبوب، تصدرت مصر قائمة الدول العربية المستوردة للحبوب، بحوالي 998 ألف طن من الذرة و418 ألف طن من القمح و131 ألف طن من حبوب الصويا و4.6 ألف طن من حبوب وزيت عباد الشمس.
وقال أبو المجد أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر ونقص العملة الصعبة انعكس بشكل مباشر على صفقات استيراد القمح من روسيا التي تريد هي الأخرى الاستفادة مما يحدث، خاصة في ظل استمرار حربها على أوكرانيا.
وأوضح أن مصر كانت تعتمد بشكل شبه كلي على القمح الروسي والأوكراني، لكن بعد توقف المصدرين حاليا، فمن الصعب أن تعتمد مصر على دول مثل فرنسا وبلغاريا لتوفير الكميات التي تحتاجها، خاصة أن هذه الدول تطلب مبالغ مرتفعة، ما ينذر بأزمة محلية كبرى.
وأشار إلى أن أزمة القمح ستنعكس على ارتفاع أسعار الدقيق في مصر، وكذلك سنحتاج إلى استيراد كميات كبيرة من الذرة الصفراء بسعر مرتفع وبالتالي سينعكس هذا على ارتفاع أسعار المنتجات الحيوانية أيضًا بأنواعها وبمنتجاتها.
وقال إن الحكومة تحدثت في الفترة الماضية عن وضع خطة بديلة لاستصلاح الأراضي وزراعة القمح، لكن الأزمة الاقتصادية والاهتمام بالمشاريع السريعة المتعلقة بالبنية التحتية، أخر ظهور أي نتائج إيجابية تتعلق بأزمة القمح.
وتشتري مصر نحو خمسة ملايين طن من القمح سنويا من الخارج، حيث تشكل روسيا وأوكرانيا 85 بالمئة من القمح المستورد. ويُتاح الخبز المدعم لأكثر من 70 مليونا من سكانها البالغ عددهم 104 ملايين نسمة، وفقا لوكالة “رويترز”.
وجاء معظم القمح المستورد خلال السنوات الماضية عبر البحر الأسود وأدت الحرب في أوكرانيا في البداية إلى تعطيل عمليات الشراء، لكن الحكومة تمكنت لاحقا من زيادة احتياطاتها بالاعتماد بشكل أساسي على واردات القمح الروسي.
وتقول وزارة المالية إن تمويل دعم المواد الغذائية، ومعظمه يذهب للخبز، سيرتفع 41.9 بالمئة إلى 127.7 مليار جنيه مصري (4.1 مليارات دولار) في السنة المالية من يوليو 2023 إلى يونيو 2024.
وأجريت عمليات شراء للقمح في الآونة الأخيرة بتمويل من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة والتي زادت العام الماضي حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة لمصر بمقدار المثلين إلى 6 مليارات دولار، ومن البنك الدولي الذي وافق في ديسمبر على تمويل من أجل التنمية بقيمة 500 مليون دولار ذهب معظمه لواردات القمح، بحسب رويترز.
ويرى الصفتي أن مصر ستعود إلى روسيا مرة أخرى وستوافق على شروطها وأسعارها، موضحا أنه يتم الحديث عن سعي الحكومة للحصول على قرض جديد بهدف شراء الحبوب المرتفعة السعر، ما سيزيد من الأعباء وخدمة الدين.
وتوقع الصفتي أن يرتفع التضخم قريبا نتيجة هذا الأمر، وبالتالي سيضطر البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة حتى يستطيع أن يعادل بين معدل التضخم وأسعار الفائدة، ما يؤدي إلى زيادة عجز الموازنة التي ستسبب المزيد من المشاكل الاقتصادية لمصر.
وأشار إلى أنه من المتوقع بشدة أن يتم تغيير سعر الصرف وتخفيض قيمة الجنيه، وهذا يعني أن المنتجات التي ستأتي من الخارج ستكون بأسعار مرتفعة، ما يؤدي لمزيد من التضخم الذي سيجعل البنك المركزي يرفع المزيد من الفوائد على مدخرات الأفراد في مصر.
وأكد الخبير الاقتصادي أنه لا بديل لحل الأزمة الحالية سوى باتباع الحلول المتعارف عليها عالميا، والتي تتمثل في تشجيع المزارعين على زراعة المحاصيل التي تستورد من الخارج، ويتم ذلك من خلال تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية في هذه المحاصيل مع رفع سعر توريد مع ضمان سعر مجز للمزارعين في عدد من المحاصيل الغذائية الرئيسية.