بدر الدين عطية يكتب: الرفس-مالية المصرية والكورونا
تزامناً مع انتشار فايروس كورونا في جميع أرجاء كوكب الأرض، ووقوف جميع البشر في بلاد العالم الغربي يداً واحدةً لمواجهة تلك الجائحة محاولةً منهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بحيث أننا إذا نظرنا الى المشهد الغربي نجده متكاملاً بدرجة كبيرة فلم يغب عنه أحد بدءاً من المواطن العادي الذي التزم تماماً بجميع اجراءات الوقاية والعزل وصولاً الى الدولة التي لم تتوانى منذ الوهلة الأولى عن القيام بدورها حفاظاً على صحة مواطنيها.
وبين هذا وذاك كانت الأدوار العبقرية للأطقم الطبية ومؤسسات المجتمع المدني والمثقفين والساسة ونجوم المجتمع في الفن والرياضة انتهاءً بأصحاب المال والأعمال والذين ضربوا أروع الأمثال في التكافل الاجتماعي والمشاركة بنسب من رؤوس أموالهم في مواجهة تلك الجائحة ورفع الأعباء عن العاملين لديهم وعن المتضررين سواءً بسواء، بل والذهاب إلى تمويل بناء مصانع لتطوير الامصال المضادة للفايروس ، وذهاب البعض إلى تحويل مصانعهم العاملة في مجال انتاج ادوات التجميل والعطور لتصنيع المطهرات وتوزيعها مجاناً كما فعلت سيدة الأعمال الإيطالية ماريانا أليوتي وكذلك رجل الأعمال الفرنسي برنار ارنو.
ربما لا يتسع المجال هنا لذكر أسماء رجال الأعمال وحجم مساهماتهم التي تخطت حدود دولهم وأقاليمهم لتصل لأبعد من ذلك كما فعل رجل الأعمال الأمريكي كينيث جريفين على سبيل المثال لا الحصر والذي قام بإرسال تبرعات مالية لتعقيم المناطق الفقيرة بقارتي آسيا وافريقيا، بل تخطى الأمر أصحاب المال الذي تم التحصل عليه بطرق مشروعة ليصل إلى تبرع رجال المافيا في إيطاليا بمبالغ خيالية تخطت السبع مليارات دولار “كما يتم تداول الخبر” مقسمة بين مبالغ لدعم المتضررين وأخرى لمواجهة تفشي المرض فيما قاموا بالتبرع بمبالغ أخرى لأحد المختبرات الطبية التي تعمل على تطوير لقاحات للعلاج من الفايروس.
أما هنا وعلى النقيض تماماً كانت “الرفس مالية” المصرية وهي الإصدار الأسوأ للرأسمالية على مر العصور، تلك التي تنمو وتزدهر وتزداد مكاسبها مع الكوارث والأزمات لتخرج منها بأرباح مضاعفة، فنجد أن الغالبية العظمى من رجال الأعمال المصريين نجحوا في الاستفادة من تلك الجائحة برفع أسعار السلع الاستهلاكية من ناحية، ومن ناحية أخرى باتخاذ إجراءات قاسية تجاه العمالة من تسريح وزيادة في ساعات العمل أثناء أوقات الحظر وبدون توفير أي اشتراطات للحفاظ على صحة العمال، وللأسف الشديد فإن “الرفس مالي” المصري لا يضع اعتبار للدولة التي اغترف منها المليارات بطريقة أو بأخرى، ولا يضع أي اعتبار للعمالة التي اجتهدت وابدعت في صناعتها وتحملت المشاق ليجني من ورائهم الدولارات، ولا يضع اعتباراً للمواطنين أو كما يحلوا له أن يطلق عليهم “المستهلكين” على الرغم من أنه بغير وجودهم ما أقيمت الصناعات.
وبالنظر إلى سلوك رجال الأعمال في مصر وبين سلوك رجال الأعمال في الدول الغربية والتي سبق وأن أشرنا إليها، فقد تابعنا على مدار الأيام القليلة الماضية “ماسورة” تصريحات رجال الأعمال المصريين والتي انفجرت في وجوه المصريين لتزكم أنوفهم، فما بين رفض صريح للمشاركة والتبرع لمواجهة تلك الأزمة بزعم عدم المقدرة وما بين دعوات لإيقاف العمل بقرار حظر التجوال وعودة المصانع للعمل بكامل طاقتها و”لما شوية يموتوا أحسن ما البلد تفلس”، وما بين قرارات بخفض الأجور الشهرية للعمال والموظفين بنسبة 50% للمشاركة في تحمل الخسائر وكأن هذه العمالة تشارك بنفس النسبة في الأرباح أوقات الرخاء “وما أكثرها”.
نجد أن السبب في هذه الحالة من التوحش التي أصبح يرى البعض عليها رجال الأعمال “أسوداً” تزأر أو قد يراها البعض الآخر “جحوشاً” ترفس للمحافظة على المكتسبات التي تحصلوا عليها، يرجع بالأساس الى حالة “الارتخاء السياسي” التي أصابت النظام المصري الحاكم في خدمة رجال الاعمال عبر عقود من الزمان أبى خلالها هذا النظام عبر أطواره المختلفة من التطهر من تلك الحالة.
وبعيداً عن موقف الدولة الرسمي المتواطئ وغض الطرف “المتوقع والمعتاد” عن ممارسات رجال الأعمال تصريحاً وتنفيذاً، كان الأكثر سلبية “ولا غرابة فيه” هو موقف النخب الأكثر تأثيراً في المجتمع المصري من رجال دين وفنانين ومثقفين وإعلاميين وساسة ورجال اقتصاد وأساتذة جامعة والذين اتفقوا “من غير اتفاق” على أن يغضوا الطرف طواعيةً هم أيضاً أملاً في جائزة من مؤسسة فلان الثقافية أو أملاً في تكريم من مهرجان علان الفني أو بحثاً عن منحة من هذا أو اعلاناً لشركات ذاك أو أن تبتسم لأحدهم الدنيا كما ابتسمت من قبل لإبراهيم توشكى في “كلمني شكراً” فيخرج علينا وقد أصابته اللوثة صائحاً “البشمهندس نجيب شاويرش سريكي”.