باسم سامي بسكالس يكتب: الوعي المصري بين الأغلال والإطلاق
توالت الأحداث السيئة تباعاً: حادث جنوح السفينة(Ever Given) وإغلاقها للمجرى الملاحي لقناة السويس، وتلاه حادث إصطدام قطارين في سوهاج؛ وما أسفر عنه من ضحايا ومصابين، ثم انهيار عقار جسر السويس؛ وما أسفر عنه من ضحايا، ثم سقوط سقالات عمود كوبري قيد الإنشاء، ثم اندلاع حريق في نفق المشاة أسفل سكك حديد الزقازيق امتد للمحلات المجاورة، وإثر ذلك ضجت وسائل التواصل الإجتماعي بالمنشورات المنددة والغاضبة، أو المترحمة، أو المفسرة لتلك الحوادث، وإزاء المنشورات الأخيرة؛ أي المنشورات المفسرة، دعنا نتوقف، امامها، للتأمل؛ وقبل ذلك يمكن أن نقوم بتصنيف تلك التفسيرات، وخاصة التفسيرات التي سعت إلى تقديم رابط عام ينتظم تلك الحوادث ويجمعها، إلى الأنساق التالية:
1- التفسير الديني: وينقسم إلى طائفتين: الطائفة الأولى، وهي رجال الدين من الموالاة؛ وبما أنهم نواب الله على الأرض ولدى الدولة؛ فإن تفسيرهم جاء في السياق الميتا – فيزيقي، والميتا – تغفيلي، بأن تلك الأحداث هي إبتلاء من الله سبحانه وتعالى لإمتحان عباده المؤمنين ومقدرتهم على الصبر في النوازل(وفقاً للتعبير الإسلامي)، أو أنها حرب من عدو الخير تستوجب التماسك والإيمان(وفقاً للتعبير المسيحي)، والطائفة الثانية وعلى رأسهم الإخوان: فإنه وطبقاً لعلم (الإخوانولوجي) فهي نقمة من الله على أفعال الانقلابيين ورئيسهم الانقلابي، وعقاباً للشعب الذي يشايع الانقلاب!
2 – التفسير الخرافي: وفي هذا الإطار شطح البعض بخيالهم، حيث ارجعوا السبب وراء وقوع هذه الحوادث المتتالية إلى لعنة الفراعنة؛ بسبب قيام الدولة بنقل مومياوات ملوك الفراعنة من المتحف المصري، في التحرير، إلى المتحف الكبير، وهو نوع من انتهاك لحرمة الموتى في نظرهم، قد جلب على مصر الغضب واللعنة، كما عزا البعض الأخر ذلك إلى النحس، حيث تواردت أنباء، غير مؤكد صحتها أو مصدرها، بأن السفينة المذكورة قد سبق وأن سدت المجرى الملاحي في ميناء بألمانيا؛ إذن فهي سفينة نحس!
3 – التفسير السياسي: بينما عزا الطرف المؤيد للرئيس السيسي والنظام وقوع تلك الحوادث إلى المؤامرة الأمريكية الصهيونية الإخوانية، والأيادي المندسة، التي تستهدف أمن واستقرار البلد والنيل من إنجازات القيادة الحالية، ذهب الطرف المعارض إلى أن السبب وراء تلك الحوادث هو الإهمال والفساد والتقصير وانعدام الضمير لدى المسئولين، وسوء الإدارة، والخطأ في ترتيب الأولويات، وتبديد الأموال في مشروعات لا تعود بالنفع على المواطن.
4 – وأخيراً التفسير العلمي: وهي قلة التي مارسته؛ حيث قامت بمعالجة كل حادث من تلك الحوادث في إطار السببية(Causality)، محاولة تقديم تفسيرات منطقية من خلال إستقراء الجزئيات وتحليلها، لكل حادث على حده، بغرض الوصول إلى سبب أو أسباب الحادث، وذلك بالإستعانة بمعطيات العلوم ذات الصلة، دون التطرق إلى تفسير عام يجمع كل هذه الحوادث المختلفة.
– التعقيب: إن تلك التفسيرات تفصح عن تباين كبير في نهج التفكير، تبعاً للمنظور الذي يطل منه المفسر، كما أن الرغبة في إيجاد رابط عام بين الحوادث المختلفة والمتتالية، قد عظم من فرص الإنزلاق إلى الخطأ في التفسير، والبعد عن المنطقية، وهي ثمة العقول التي تفتقر للنهج العلمي في التفكير، وإلى التمرن عليه؛ الأمر الذي يعكس مقدار الأزمة التي يعاني منها العقل المصري، والذي ينوء بكثير من العلل والأورام السرطانية، التي تعطل لديه ملكات التحليل، وتجعله يفكر بطريقة القالب، مما يستلزم إطلاق سراح العقل، وتحريره من قيود القولبة في التفكير، ولا يتأتى ذلك إلا إذا ساد المنهج العلمي في مواجهة الغيبية والخرافة والجهل، وتحرر الإنسان من مخاوفه التي يجتهد رجال السلطة والدين في تكريسها، والتي أضحت أغلالاً تعوق العقل، وتبطل قوته وتعرقل انطلاقه، وأن يتراجع رجال الدين إلى موقعهم الصحيح، وأن يضمن الحاكم كرامة وحرية المفكرين ويكف عن إهدارها، وأن يقع الطلاق البائن بين سلطة الحكم والسلطة الدينية، على النحو الذي ارتقت إليه المدنيات المتقدمة.