اليوم العالمي للمرأة| أمهات المعتقلين يدفعن ثمنين.. السجن داخل أسوار الزنزانة وخارجها (الحياة والحرية امرأة)

كتب- محمود هاشم: 

تطل مناسبة اليوم العالمي للمرأة، اليوم الاثنين، لتذكرنا بتضحيات نساء يدفعن الثمن في صمت، ويبذلن كل طاقتهن من أجل أبنائهن، تجدهن أمام النيابة وفي الانتظار أمام بوابات السجن وبكل جهة يطالبن بحرية ذويهن وحقهم في الحلم بغد مختلف خارج أسوار الزنزانة.

تدفع أمهات المحبوسين سياسيًا جزءا من ثمن تضحية أبنائهن وعملهم في المجال العام، فبينما يعاني ذويهم مرارة السجن، يواجهن الموت خارجها انتظارا لعودتهم، ويقدم “درب” نماذج من هؤلاء الصامدات، في رسالة شكر وتحية لجميع أمهات المعتقلين.

ليلى سويف.. ميراث من النضال والتضحية

تحت الشمس الحارقة صيفا، وفي الأمطار المنهمرة شتاءً، لم تتوقف الأم ليلى سويف عن الوقوف على أبواب السجون في انتظار خطاب من ابنها علاء أو رسالة طمأنة من ابنتها سناء مواصلة مسيرة عمر كامل، مع أسرة اختارت دوما أن تكون على الجانب الصعب، جانب الحقيقة والدفاع عن حقوق الضعفاء والمظلومين حتى لو دفع أفرادها الثمن سنوات طويلة من عمرهم بالسجون أو على أبوابها منذ الأب سيف مرورا بالأبناء، لتبقى مقولة أحمد سيف عن أنه أورث أبناءه وجيلهم السجون تعبيرا عن نصف الميراث الذي تركه وهو الكرامة والمثابرة والنضال وحب الناس  .

ما تتعرض له أسرة الدكتورة ليلى سويف، لم يمنعها أيضا من أداء دورها الإنساني في الدفاع عن كل المعتقلين، ولا دورها الأكاديمي في التحرك من أجل الحريات الأكاديمية، وهو ما أهلها للحصول على جائزة جمعية دراسات الشرق الأوسط للحرية الاكاديمية لعام 2020. كما أطلق عدد من علماء الرياضيات في العالم موقع نداء وتحركات للتضامن معها في ظل ما تتعرض له وأسرتها بعد حبس نجلها علاء عبدالفتاح وابنتها سناء سيف.

ويواجه علاء عبدالفتاح، نجل الدكتورة ليلى سويف، اتهامات في القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها.

وكان علاء قضى فترة السجن 5 سنوات في الفترة من 2013 وحتى نهاية 2018، على خلفية حكم حبسه في القضية المعروفة إعلاميا باسم (أحداث مجلس الشورى).

أما سناء سيف، فقد ألقت قوة أمنية ترتدي زيا مدنيا القبض عليها، في 23 يونيو الماضي من أمام مبنى النائب العام أثناء تقديمها وأسرتها وبرفقتها عدد من المحامين شكوى ضد الاعتداء عليهن أمام سجن طرة أثناء محاولتهن الحصول على جواب من علاء عبد الفتاح، ثم ظهرت أمام نيابة أمن الدولة العليا كمتهمة وتم توجيه لها تهم نشر أخبار كاذبة والترويج لأفكار إرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإساءة استخدام موقع علي شبكة الإنترنت لنشر وترويج للأفكار الإرهابية، وتمت إضافة تهمتين جديدتين، هما إهانة مقدم شرطة (محمد النشار) بالقول أثناء تأدية وظيفته، سب مقدم شرطة (محمد النشار) عن طريق النشر بألفاظ تتضمن خدشاً للشرف والاعتبار في 9 أغسطس الحالي، وذلك رغم تقدم محاميي سناء بشكوى ضد الضابطين في 23 يونيو، ولم تستمع النيابة لأقوالها.

كما لم تسلم أسرتها من حملات ممنهجة يشنها الإعلام الرسمي ضدها، وضد ابنتها منى، لتقدم عائلة سيف وليلى سويف نموذجا للصمود في وجه كل أشكال القهر والتشويه، الذي لم يمنع جميع أفراد العائلة من ممارسة دورهم والانتصار لمبادئهم مهما كانت الظروف والهجمات.

إكرام يوسف.. متمسكة بالأمل ولو بعد حين

لم تمر ليلة 25 يونيو 2019 كغيرها من الأيام على الكاتبة الصحفية إكرام يوسف، فمنذ هذا التاريخ حتى الآن تغيرت معالم حياتها، بعد إلقاء القبض على نجلها البرلماني والقيادي بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي زياد العليمي في القضية المعروفة إعلاميا “تحالف الأمل”، مع ذلك، تؤمن إكرام أن تضحيات نجلها ورفاقه لن تذهب سدى، وأن الحق سوف ينتصر بما قدموا وما سيقدمون.

في ديسمبر الماضي، كشفت إكرام في حوار مع “درب” عن وضع زياد في ليمان طرة في زنزانة مخصصة للحبس الانفرادي لسجين واحد في ليمان طرة، ومعه حسام مؤنس وهشام فؤاد، ولا توجد لها نافذة سوى فتحة في أعلى الجدار مساحتها ٢٠ في ٢٠سم، وتغطيها شبكة حديدية، وكانوا ينامون في أول الأمر على 3 أرفف خشبية مثبتة بقوائم حديدية على الحائط لأن مساحة الزنزانة لا تكفي لنوم 3 أشخاص إلى حوار بعضهم، وبعد موجة الأمطار العام الماضي التي أثرت على سقف الزنزانة، تم نقلهم إلى أخرى أوسع قليلا تكفي لنوم الثلاثة على أسرة ضيقة، لكن من دون مساحة تكفي للوقوف سوى لشخص واحد بالكاد.

وتحكي: “في الوقت نفسه، تم حرمان زياد ورفاقه طويلا من حقهم في التريض –  التي تقضي بها لائحة السجون بمعدل ساعة صباحا وساعة بعد الظهر – وعندما سمحوا بها مؤخرا كانت لمرة واحدة في الصباح، وليس في فناء السجن حيث توجد الشمس، لكن مجرد التمشية في طرقة العنبر بين الزنازين، ومؤخرا تم تفريقهم ونقل كل منهم لزنزانة مختلفة وكان نصيب زياد النقل لزنزانة الصحفي خالد داود رئيس حزب الدستور”.

لا تكتفي الكاتبة الصحفية الكبيرة بالحديث عن زياد ورفاقه فقط، بل تجدها وكأنها خصصت حسابها الشخصي على “فيسبوك” كدفتر أحوال للمحبوسين والمظلومين وقضايا وهموم المهنة، دون أن تفقد الأمل في غد أفضل يعود فيه زياد إلى حضنها ورفاقه إلى أحبابهم، متمتعين بحريتهم الكاملة دون قلق من المستقبل.

نجلاء فتحي.. ليست كمثل الأمهات

هي أم مثل كل الأمهات اللاتي يدفعن الثمن من أجل مستقبلنا جميعا في صمت، وهي في الوقت نفسه مناضلة من طراز خاص يبدو عاديا من فرط بساطته وصعوبة القيام به، وهي أيضا ابنة لمناضل هو المناضل الناصري فتحي المغربي، وأم لمناضل، صلب في الحق، لكنه يبقى دائما صوت الحق هو الزميل الصحفي حسام مؤنس، وجاءت تصرفاتها لتؤكد أنها ستبقى دوما مخلصة لهذا النضال وحريصة عليه حتى بتصرفاتها الهادئة دون هتاف أو صراخ، والتي أورثتها لابنها.

تظل نموذجا حقيقيا لكل أمهات وزوجات وأهالي المعتقلين الذين يدفعون الثمن في صمت ويبذلون كل طاقتهم من أجل أبنائهم، ستجدها وتجدهم أمام النيابة وفي الانتظار أمام بوابات السجن وبكل جهة يطالبن بحرية أبنائهن وحقهم في الحلم بغد مختلف.

ليس كمثلها أحد، أنها الصامدة الخائفة على ابنها، المنتظرة لكل مساحة للحركة ، الساعية لفتح دروب ونوافذ، تضمن حقوقنا جميعا كلما أمكن لها، عبر مساندة نجلها ومساندة حلمه واختيارته بطريقتها، وكل الجائزة التي تنتظرها هي أن يناديها أحد بأم حسام.

قالت نجلاء في رسالة سابقة عبر موقع “درب”: “رغم قسوة ما نحن فيه، إلا أنني فخورة وسعيدة أنني أم حسام مؤنس، والحاجة الوحيدة اللى بتسعدني دلوقتي لما أسمع حد يقول لى يا أم حسام أحس أني طايرة وراسى مرفوعة للسما”.

ضربت والدة الزميل الصحفي حسام مؤنس، مثالا على الصبر والتعب من أجل ابنها، تذهب باستمرار إلى زيارته والاطمئنان على أحواله، حتى في غير أوقات الزيارة تذهب السيدة لتكون قريبة من مكان تواجد ابنها رغم الأسوار العالية التي تحجب الرؤية لكنها لا تمنع قلوب المحبين من التواصل والحلم بلقاء وفرج قريب، يزيل غبار الشهور العجاف والأيام الصعبة الثقيلة.

تغريد زهران.. في انتظار عودة سولافة وحسام إلى حضن خالد

يوما بعد الآخر، تتابع تغريد زهران أحوال المساجين والإفراجات وقرارات إخلاء السبيل، لعلَّها تجد من بينهم ابنتها الصحفية سولافة ومجدي وزوجها المصور الصحفي حسام الصياد، الغائبين عنها – اضطراريا – منذ ما يزيد عن عام و3 أشهر، داخل محبسيهما الاحتياطيين، ليس لشيء سوى ممارستهما المهنة.

في 26 نوفمبر قبل الماضي، داهمت قوة أمنية المقهى التي كانت تجلس عليه سولافة وحسام وصديقهما محمد صلاح، وألقت القبض عليهم جميعا، في اليوم التالي، ظهروا جميعا في نيابة أمن الدولة العليا متهمين على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، وقالت سولافة في التحقيقات الأولية إنها تعرضت لانتهاكات وضرب.

وجهت النيابة للثلاثي اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها، باستثناء زوجها الصياد الذي وجهت له النيابة تهمة الانضمام لجماعة إرهابية.

ومنذ ذلك الحين ومرت سولافة بالعديد من الانتهاكات في محبسها، وثقت والدتها السيدة تغريد زهران جزء من هذه الانتهاكات، والتي تمثلت في المنع من الزيارات لفترات طويلة، منع دخول الزيارات، عدم السماح بإيداع الأموال لصالحها في الأمانات، وغيرها من الانتهاكات طول العام المنصرم.

هذا التعنت وهذه الانتهاكات كانت وراء قرار والدتها بالتقدم لأكثر من 5 مرات بشكاوى للنائب العام بخصوص عدم السماح لها باستلام رسالة كما ينص القانون، وتحديدا خلال فترة تعليق الزيارات بسبب فيروس كورونا المستجد في الفترة من مارس إلى أغسطس 2020.

كان الجانب الأكثر قسوة في حبس سولافة مجدي، إلى جانب حرمانها وزوجها من حريتهما، هو حرمانها من طفلهما الصغير خالد، الذي اعتاد طوال هذه الفترة على إرسال الرسائل إلى والدته ولكنها دائما ما تكون في اتجاه واحد دون رد.

طوال هذه الفترة الصعبة والمستمرة حتى الآن، تحملت والدة سولافة مسؤولية شاقة، اليوم تحضر “طبلية الزيارة” لابنتها استعدادا لمقابلتها، تجمع لها رسالة من خالد وتنتظر ردها برسالة أخرى، تذهب به إلى المدرسة في يومه الأول في ظل غياب والديه، وتعود للرد على استفساراته المعتادة بشأن مصير والديه، و”موعد رجوعهما من السفر”.

تقول في رسالة لابنتها: “عارفة يا سولافة أنت وحسام قد إيه وحشتوني، أكيد عارفين وحاسين، النهاردة خالد وجع قلبي وكان مصر أديله موعد محدد أنتم  راجعين إمتى، وبقيت عاجزة مش عارفة أرد عليه، أول مره خالد يعيط يقول لي أنا مش هذاكر ومش هعمل حاجة إلا لما يرجعوا، وأنا من إمبارح من زيارتي ليكي مش قادرة أتنفس، إزاي مش طالع بإيدي آخدك وأمشي، ومش قادرة أروح لحسام وآخده”.

وحتى يحين موعد اللقاء مع أحبائهن، نجدد التحية والشكر لليلى وإكرام ونجلاء وتغريد، وكل أم وشقيقة زوجة على ما تحملن من تعب وما بذلن من جهد، وما يدفعن من أعمارهن في طوابير الانتظار في الحياة وأمام بوابات السجون، أملا في نظرة أو خطاب يطمئن القلوب الحالمة بغد أفضل، والواثقة بأن فرج الله قريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *