«النور في العنابر شغال 24 ساعة».. إضاءة الزنازين في مجمع سجون بدر يحرم السجناء من النوم ويهدد الحياة
دراسة: قلة النوم تؤدي إلى تلف طويل الأمد في الدماغ وزيادة خطر الاضطرابات التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر.
والدة زياد العليمي: اتخضيت من لون بشرته ودقنه الطويلة اللي بقت بيضا.. عايشين تحت إضاءة قوية ٢٤ ساعة فمش عارفين يناموا
ابنة صفوان ثابت: مصدومة وخايفة على حياة أبويا.. النور النيون مفتوح ٢٤ ساعة ومش عارف الليل من النهار ومش بينام
باحث في علم النوم: إذا حرم الشخص من النوم لفترة طويلة تبدأ العديد من المشاكل العقلية والجسدية في التطور
بولكيلي: حرمان الشخص من النوم هو اعتداء عميق على النظام البيولوجي بأكمله في أساس عقل هذا الشخص وجسمه
في الأيام الفائتة، تعددت شكاوى أهالي سجناء سياسيين ممن نقلتهم السلطات المصرية أخيرا إلى مجمع سجون بدر الجديد من إضاءة الزنازين على مدار اليوم على نحو يحول دون نومهم.
ويعد النوم ضرورة بيولوجية أساسية لجميع البشر، بل ولجميع الكائنات على هذا الكوكب؛ وإذا حرم الشخص من النوم لما يزيد عن 24 ساعة تبدأ العديد من المشاكل العقلية والجسدية في التطور/ الحدوث.
«مش عارفين يناموا»
بعد نقل المحامي والبرلماني السابق زياد العليمي إلى سجن بدر الجديد، زارته والدته الكاتبة الصحفية إكرام يوسف، وروت عبر صفحتها على موقع «فيسبوك» ما يعانيه نجلها في محبسه الجديد.
«زياد حالته الصحية مش حلوة، بصراحة اتخضيت من لون بشرته ودقنه الطويلة اللي بقت بيضا؛ عرفت منه إن السبب أنهم عايشين تحت إضاءة قوية ٢٤ ساعة فمش عارفين يناموا، وكاميرا بتصورهم ٢٤ ساعة، وهو مش قادر يستوعب حكاية إنه يغير هدومه قدام الكاميرا؛ وقال لي إن دا شيء غير دستوري وطبعا غير انساني!».. هكذا تحدثت إكرام، كاشفة حرمان نجلها ورفاق محبسه من النوم.
وبخلاف الأضواء في الزنازين التي يتم الاحتفاظ بها على مدار 24 ساعة في اليوم، أشارت إكرام إلى أمر آخر يحول دون نوم سجناء بدر، حيث قالت: «مافيش سراير وبيناموا على مراتب على الأرض – مش عارفة اذا كان ده حيبقى الحال على طول ولا في البداية عشان السجن جديد».
«خايفة على حياة أبويا»
مريم صفوان ثابت، ابنة رجل الأعمال صفوان ثابت، شكت هي الأخرى بعد أول زيارة لوالدها بعد نقله إلى سجن بدر الجديد من عدم قدرته على النوم بسبب الإضاءة المشتعلة طوال اليوم.
وقال مريم عبر صفحتها على «فيسبوك» الثلاثاء 11 أكتوبر الجاري: أنا مصدومة وخايفة على حياة أبويا (..) المروحة شغالة ٢٤ ساعة وبابا بردان حتى باللبس الشتوي، والنور النيون مفتوح ٢٤ ساعه، مش عارف الليل من النهار ومش بينام وكاميرا ٢٤ ساعة! شئ غير آدمي».
شكوى جماعية
وإلى جانب شكوى والدة زياد العليمي وابنة صفوان ثابت، أكد المحامي الحقوقي نبيه الجنادي أن هناك «شكوى جماعية من أهالي سجناء بدر»، تفيد بأن «النور في العنابر شغال ٢٤ ساعة».
وعن ذلك، قال الجنادي عبر صفحته على «فيسبوك» الأربعاء 12 أكتوبر الجاري: «الحقيقة لو مكنتش عارفين دي حاجة ممكن تبوظ الجهاز العصبي للنزلاء»، لافتا إلى أنه «في عصور أخرى كانو بيعملوا كدة من باب التعذيب»، وشدد على أن «أي كلام عن أن ده عشان الكاميرات وتقليل عدد السجانين فهو تبرير ساذج، احنا معندناش أكثر من السجانين وأفراد الشرطة في مصر».
ويساعد النوم على ترميم وتجديد الخلايا العصبية، وزيادة إنتاج بعض البروتينات والهرمونات من المخ، والتي تلعب جميعها دورا مهما في الحفاظ على استقرار وكفاءة الجهاز العصبي·
ومن المعروف أنه منذ بدايات التاريخ وحتى الزمن الحالي، يعتبر الحرمان من النوم أحد أقدم وسائل التعذيب على الإطلاق·
تأثيرات طويلة المدى
في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، يونيو الماضي، قال الكاتب أوليفر وانغ إن مراجعة بحثية نُشرت أخيرا في مجلة «اتجاهات علوم الأعصاب/ Trends in Neurosciences» حول التأثيرات العصبية طويلة المدى للحرمان من النوم لدى كل من الحيوانات والبشر؛ أشارت إلى أدلة متزايدة على أن قلة النوم تؤدي على الأرجح إلى تلف طويل الأمد في الدماغ وزيادة خطر الاضطرابات التنكسية العصبية مثل مرض ألزهايمر.
في مقال له نُشر على موقع «psychologytoday»، قال الدكتور كيلي بولكيلي، الباحث في علم النوم، إن الحرمان من النوم لفترات طويلة أحد أشكال التعذيب الخبيثة بشكل خاص لأنه يهاجم الوظائف البيولوجية العميقة في صميم الصحة العقلية والبدنية للشخص، لافتا إلى إنه «أقل عنفًا بشكل علني من قطع إصبع شخص ما، ولكنه قد يكون أكثر ضررًا وألمًا إذا تم دفعه إلى أقصى الحدود».
لماذا هذا؟
إجابة على هذا السؤال، قال الدكتور بولكيلي، إن النوم ضرورة بيولوجية أساسية لجميع البشر، مضيفا أن هناك بعض التباين الطبيعي والمرونة في دورة النوم، ومن ثم يمكن للناس أن يقضوا 24 ساعة أو أكثر بدون نوم في الظروف المناسبة، دون أي ضرر دائم بخلاف النوم «الارتدادي» الإضافي في المرة التالية التي يتمكنون فيها من النوم بشكل طبيعي. ومع ذلك، إذا حرم الشخص من النوم لفترة أطول من ذلك، تبدأ العديد من المشاكل العقلية والجسدية في التطور.
وأوضح أن «أولى علامات الحرمان من النوم هي الشعور المزعج بالتعب والتهيج وصعوبة التركيز. ثم تأتي مشاكل القراءة والتحدث بوضوح، وسوء الحكم، وانخفاض درجة حرارة الجسم، وزيادة كبيرة في الشهية». ولفت إلى أنه «إذا استمر الحرمان، فإن الآثار المتفاقمة تشمل الارتباك، والتصورات الخاطئة في الرؤية، واللامبالاة، والخمول الشديد، والانسحاب الاجتماعي».
لأسباب أخلاقية، لم يدفع الباحثون المحترفون عملية الحرمان إلى أبعد من هذه النقطة مع البشر، وفقا للدكتور بولكيلي، الذي أشار إلى أن الباحثين استخدموا الحيوانات لإجراء تجارب أكثر تطرفًا، والنتيجة الحتمية هي أن الحرمان من النوم لفترات طويلة سيؤدي في النهاية إلى قتل مخلوق.
فشل فسيولوجي يؤدي إلى الموت
تتراكم الإعاقات السلوكية المختلفة على طول الطريق مع استمرار الحرمان، ولكن إذا تم دفع التجربة بعيدًا بدرجة كافية، فإن النتيجة النهائية دائمًا هي فشل فسيولوجي واسع النطاق يؤدي إلى الموت.
وبحسب الدكتور بولكيلي، تتعدى الآثار التراكمية للحرمان من النوم فقدان هذه الوظيفة المحددة أو تلك إلى انخفاض حاد ومميت في نهاية المطاف في جميع الوظائف، لافتا إلى أن جزء من سبب هذا الانهيار المأساوي هو أنه أثناء النوم، يقوم الجهاز المناعي بأداء مجموعة من الوظائف الحيوية المتجددة الضرورية للغاية لعقل وجسم سليمين في حياة اليقظة، وحينما يحرم الشخص من النوم، يصبح جهاز المناعة غير قادر على أداء هذه الوظائف.
وتصبح الآثار السلبية أكثر حدة عندما يكون الناس بالفعل مرضى أو مصابين أو مصدومين. ومهما كانت الأضرار الجسدية التي لحقت بهم لن تلتئم بسرعة، ومهما كان الألم الذي يشعرون به سيزداد سوءًا، ومهما كان الضرر الجسدي الجديد الذي يهددهم سيكون من الصعب الدفاع ضده.
وأكد الدكتور بولكيلي، إن حرمان الشخص من النوم هو اعتداء عميق على النظام البيولوجي بأكمله في أساس عقل هذا الشخص وجسمه.