المبادرة المصرية تُطالب بإعادة النظر بقانون بناء الكنائس: وثقنا غلق 25 كنيسة.. والتطبيق أظهر الحاجة لقانون جديد في ظل الممارسات التمييزية
المبادرة: نطالب بوقف العمل بالقانون الحالي وبسن تشريع جديد يضمن ممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادة لجميع المواطنين بحرية
البيان: القانون لم ينجح في منع مؤسسات الدولة تمامًا من غلق عدد من الكنائس والمباني الدينية التي كانت تجرى فيها الصلوات قبل إصداره
كتب: عبد الرحمن بدر
قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إنه بعد مرور خمس سنوات على إصدار قانون بناء وترميم الكنائس أصبحت الحاجة ملحة لإعادة النظر فيه، خصوصًا في ظل الإشارات المتعددة من رئيس الجمهورية بشأن احترام حقوق كل المواطنين المصريين في الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية.
وأوضحت المبادرة المصرية في بيان، الأحد، أن تطبيق القانون الحالي -رغم بعض الخطوات الإيجابية- لم يحقق بالكامل هدفه المعلن، وهو ضمان بناء وترميم الكنائس بسهولة ودون إجراءات إدارية معقدة؛ كما أنه لم ينجح في منع مؤسسات الدولة تمامًا من غلق عدد من الكنائس والمباني الدينية التي كانت تجرى فيها الصلوات قبل إصداره؛ ومن ناحية ثالثة ما زالت إجراءات توفيق أوضاع الكنائس القائمة تسير ببطء ملحوظ وفي إطار من السرية وغياب الشفافية.
وأصدرت المبادرة المصرية اليوم، قائمة بعينة من عشر حالات أغلقت فيها كنائس ومبان دينية بعد إقرار القانون ولا تزال مغلقة، كنماذج لمخالفة قانون بناء الكنائس بالرغم من كافة التحفظات عليه، وهي موزعة على عدد من المحافظات.
وذكرت المبادرة أنه صدر القانون رقم 80 لسنة 2016 بشأن بناء وترميم الكنائس في 28 سبتمبر 2016. وذلك رغم الانتقادات التي وجهت لمسودته بأنها تمييزية من حيث المبدأ، وأنها تعمل على إعادة إنتاج الصعوبات التي تواجه عملية بناء الكنائس وترميمها. واستهدف القانون علاج موضوعين يجب أن يكونا أساسًا لتقييم فاعليته: الأول هو تنظيم ضوابط بناء الكنائس الجديدة، وتحديد الإجراءات الواجبة للقيام بكافة أعمال البناء؛ أما الموضوع الثاني فهو معالجة وتوفيق أوضاع الكنائس والمباني الدينية والخدمية التي تقام بها الشعائر والأنشطة بدون ترخيص رسمي.
الكنائس الجديدة
قالت المبادرة إنه لا يوجد إحصاء رسمي بعدد التصاريح التي منحها المحافظون لبناء كنائس جديدة. كما لم تنشر الجريدة الرسمية أي قرارات ببناء الكنائس كما كان يحدث قبل تطبيق القانون الحالي، ووفقًا لعدد من الشهادات التي جمعها ووثقها باحثو المبادرة المصرية من عدد من القيادات الدينية المسيحية في محافظات بني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر، فإنه لم تصدر قرارات رسمية بشأن بناء الكنائس طوال السنوات الخمس التالية لصدور القانون، باستثناء المدن الجديدة التي تتبع مسارًا مختلفًا في الإجراءات. وأفاد بعض أصحاب هذه الشهادات أن الجهات الأمنية سمحت لهم في بعض القرى ذات الكثافة المسيحية الكبيرة ببناء كنائس، ولكن دون إصدار القرار الرسمي اللازم بشأنها.
وتابع البيان: في بعض الحالات تقدم ممثلو الكنائس بطلبات بناء الكنيسة ولم يتم الرد عليها سواء بإصدار الموافقات أو رفضها، رغم أن القانون ينص على إلزام المحافظ بالرد خلال أربعة شهور، وفي حالة الرفض أن يكون ذلك مسبباً (المادة ٥). وعبر عن هذه المشكلة مثلاً كهنة إيبارشية سمالوط شمال محافظة المنيا في خطاب رسمي وجهوه إلى وزير الداخلية في 10 يناير 2019. جاء في الخطاب أنهم يعانون أشد المعاناة في ممارسة شعائرهم الدينية، وأن لديهم عددًا من الكنائس المغلقة منذ عام 2006، وأنهم قد طرقوا أبواب الجهات المعنية بطلبات مكتوبة ومحاولات ودية لم تنجح في إعادة فتح تلك الكنائس التي لا تزال مغلقة حتى الآن.
وبحسب المبادرة، قد نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء إحصاءً تضمن عددًا من قرارات تخصيص الأراضي في المدن الجديدة لإنشاء كنائس بها. وتضمن هذا الإحصاء قرارات أصدرتها وزارة الإسكان بإنشاء نحو 51 كنيسة خلال الفترة من 2014 وحتى 2020، أي بمتوسط حوالي سبع كنائس في السنة الواحدة. وقد توزعت هذه الكنائس جميعًا على المدن الجديدة بمختلف محافظات الجمهورية خصوصًا في الوجه القبلي. وجاءت هذه الخطوة الإيجابية في سياق تصريحات متواترة لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بضرورة تخصيص موقع للكنيسة في كل من المدن الجديدة التي يعلن عنها أو تلك التي يجري تطويرها من قبل مؤسسات الدولة.
وتعليقًا على هذا الإحصاء، قالت المبادرة المصرية إنه بالرغم من أهمية هذه الخطوة كتوجه جديد للدولة، فإنها تبقى محدودة التأثير، كما أنها لا تلبي الاحتياجات الفعلية لقطاع واسع من المسيحيين في حاجة إلى دور عبادة بالقرب من سكنهم في مئات القرى المنتشرة بمصر، وفي المواضع التي يحددونها بأنفسهم. فضلًا عن هذا، فإن الاستمرار في منح موافقات شفهية لم يعد إجراءً قانونيًا بعد صدور القانون. وهو يعيدنا إلى مرحلة سابقة تنامت فيها الكنائس المقامة بالفعل ومورست فيها الصلوات بدون موافقات رسمية. وهذا بدوره يعيد إنتاج المشكلة التي يفترض أن القانون قد صدر من أجل حلها.
وكانت المبادرة المصرية، في سياق حملتها “مغلق لدواعٍ أمنية.. التوترات والاعتداءات الطائفية بسبب بناء وترميم الكنائس” والتي نظمتها أثناء إعداد القانون، أصدرت عددًا من التقارير المصورة التي توثق حالات لكنائس أغلقت في مناطق متفرقة قبل صدوره.
ولفتت المبادرة إلى أنه أظهرت هذه التقارير معاناة المواطنين المسيحيين في تلك المناطق من عدم توفر أماكن عبادة قريبة من مساكنهم من أجل ممارسة الشعائر الدينية.
وأكدت أنه لا تزال هذه الكنائس مغلقة حتى الآن، ومنها على سبيل المثال كنيسة الملاك ميخائيل بقرية الأقالتة مركز القرنة بالأقصر، وكنيسة مارجرجس بمدينة الغنايم محافظة أسيوط، وكنيسة قرية ميانة بمركز مغاغة محافظة المنيا.
تقنين أوضاع الكنائس القائمة
وقالت المبادرة: أما بشأن توفيق أوضاع الكنائس القائمة بالفعل، فقد رصدت المبادرة المصرية أن اللجنة العليا لتقنين أوضاع الكنائس التابعة لمجلس الوزراء أصدرت 20 قرارًا منذ بداية عملها. تضمنت القرارات منح موافقات أولية بتوفيق أوضاع 1958 كنيسة ومبنى دينيًا من بين ما يزيد عن 5540 كنيسة ومبنى دينيًا قدمت أوراقها إلى الجهات المختصة، أي بنسبة 35.3% فقط من إجمالي الطلبات المقدمة. التفسير الوحيد لهذه الأرقام أن اللجنة تحتاج – على الأقل – إلى نحو ثماني سنوات إضافية للانتهاء من عملها خصوصًا إذا وضعنا في الاعتبار تراجع معدلات توفيق الأوضاع خلال العامين الأخيرين: ستة قرارات بإجمالي 478 كنيسة ومبنى دينيًا في 2020 وقراران في 2021 – حتى الآن – بإجمالي 158 كنيسة ومبنى.
وتابعت: جاءت كثير من هذه الموافقات مشروطة بإجراءات بنائية أخرى منها الترميم، أو إعادة البناء، أو استيفاء حقوق الدولة، فضلًا عن إجراءات مثل تركيب بوابات إلكترونية وإنشاء مخارج للطوارئ. وبينما قد تكون هذه الاشتراطات مهمة في بعض المناطق لكنها غير عملية وغير مناسبة لبعض الكنائس خصوصًا المتواجدة في الريف، حيث تحتاج هذه الاشتراطات إلى إمكانيات مالية تفوق قدرة الكنائس.
غلق كنائس قائمة ومنع الصلاة بها
وأكدت المبادرة المصرية أنه وثقت منذ بداية تطبيق قانون بناء الكنائس وحتى نهاية العام 2019 غلق 25 كنیسة كانت تقام فيها الشعائر الدينية بانتظام. كما وثقت منع إقامة الصلوات الجماعیة في المناطق التي تقع بها هذه الكنائس المعروف أنها قدمت أوراقها ضمن ملف تقنين أوضاع الكنائس القائمة.
وذكرت أنه كانت حجة المنع عدم وجود تراخیص رسمیة رغم مخالفة ذلك للمادة الثامنة من قانون بناء الكنائس، والتي تنص على استمرار ممارسة الشعائر في الكنائس والمباني الدینیة وعدم غلقها، حتى لو لم تحصل على التراخیص اللازمة، أو لم تتوفر فیها شروط تقنین أوضاع الكنائس.
وتابعت المبادرة: كما يخالف هذا الإجراء التعسفي والتمييزي كذلك الخطاب المرسل من رئیس قطاع التشیید والعلاقات الخارجیة بوزارة الإسكان في 6 ینایر 2018 إلى القس میخائیل أنطون ممثل طائفة الأقباط الأرثوذكس بلجنة توفیق أوضاع الكنائس، والذي یفید بأنه قد تمت مخاطبة 14 محافظة بعدم وقف أي شعائر دینیة بالكنائس المقدمة إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس القائمة.
وجاءت قرارات الغلق من خلال مسارين: الأول قيام الأهالي بالتظاهر والتجمع حول الكنيسة، ثم التحرش بالمصلين والاعتداء على ممتلكات مواطنين أقباط مع ترديد هتافات عدائية تطالب بغلق الكنيسة. أما المسار الثاني، فمن خلال أجهزة الأمن والمحليات مباشرة. حيث تقوم هذه الأخيرة بغلق الكنيسة بحجة وجود شكاوى من الجيران المسلمين، وعدم الحصول على تراخيص رسمية، أو مخالفة شروط قانون البناء، بحسب المبادرة.
قال البيان، إنه شهدت بعض الحالات تنظيم جلسات عرفیة برعاية قيادات تنفيذية وشعبية أقرت بغلق الكنیسة مع تقديم وعود بمنح التراخیص اللازمة في حال تقدیم أوراقها بشكل رسمي، وعندما قدم مسئولو الكنائس طلبات الترخیص، امتنعت أجهزة الدولة عن منحها الترخیص أو السماح لها بتنظیم الشعائر الدینیة أو الصلوات الجماعیة.
وتابع: أُعيد فتح عدد محدود من هذه الكنائس للصلاة وتنظيم الشعائر الدينية، منها مثلًا كنيسة العذراء والملاك بعزبة الفرن مركز أبو قرقاص، وكنيسة العذراء بقرية الشيخ علاء مركز المنيا، بينما ظلت الأغلبية مغلقة.
وقالت المبادرة إنها تجدد مطلبها بوقف العمل بقانون بناء وترميم الكنائس الحالي، وبسن تشريع جديد يضمن ممارسة الشعائر الدينية، وبناء دور العبادة لجميع المواطنين بحرية، أو بتطبيق الإجراءات الواردة بقانون البناء رقم 119 لسنة 2008، مع صدور قرار واحد بتقنين أوضاع كل الكنائس القائمة التي قدمت أوراقها إلى لجنة توفيق الأوضاع لحين النظر في استيفاء واستكمال الشروط المطلوبة، وذلك على أن تقدم مؤسسات الدولة التسهيلات المالية والإدارية لاستيفاء الإجراءات والطلبات المختلفة التي تقترن بقرارات لجنة تقنين أوضاع الكنائس، وأن تصبح قراراتها نهائية غير مشروطة، وكذلك إعادة فتح الكنائس المغلقة سواء كان الإغلاق قبل أو بعد تطبيق القانون.