المبادرة المصرية: بعد تجاوز ضحايا كورونا 500 طبيب وطبيبة.. على الدولة إعلان الحداد على المدافعين عن أرواحنا وصحتنا
المبادرة تطالب بمضاعفة جهود حماية الفرق الطبية وتعويض تضحياتها والإفصاح بدقة عن الإصابات والوفيات بالقطاع الصحي
الجائحة جاءت في ظروف غير عادلة للعاملين بالصحة: ضعف شديد في الأجور ونظام صحي مأزوم ونقص شديد في عدد الأطباء
عياب الشفافية وتقليل الصحة لأرقام وفيات الأطباء والتكتم على إصابات ووفيات الطواقم الطبية لا يعالج الأزمة بل يؤدي لغياب الثقة
كتبت – نور علي
دعت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الدولة اليوم لإعلان الحداد على أرواح الأطباء المتوفين جراء الإصابة بفيروس كوفيد-19، وذلك تزامنًا وصول عددهم فجر اليوم إلى 500 طبيب وطبيبة وفق بيانات نقابة الأطباء. وقالت المبادرة إن مصر فقدت 500 من المدافعين عن حياتنا وصحتنا على خط المواجهة ضد جائحة عالمية دامت أكثر من عام ونعاني حاليًا من أشد موجاتها.
كما طالبت المبادرة المصرية الحكومة بالتحرك العاجل لمضاعفة الجهود المبذولة لتوفير أقصى حماية للطواقم الطبية، و الإفصاح بدقة عن أعداد الإصابات والوفيات بين جميع العاملين في القطاع الصحي، وتقديم تعويضات مالية عادلة لأسرهم عرفانًا بتضحياتهم الاستثنائية في لحظة استثنائية.
وأكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على تقديرها البالغ لتضحيات الأطباء والتمريض والفنيين والمسعفين والصيادلة والإداريين وغيرهم من العاملين بالقطاع الصحي، وحثت السلطات على ضرورة تقديم تعويض مادي عادل لأسر الضحايا من الطواقم الطبية.
وقالت المبادرة في بيان اصدرته اليوم “إن العاملين في القطاع الصحي يمثلون الخط الأمامي لمحاربة كوفيد-19، ويواجهون مخاطر مختلفة تعرضهم للإصابة أكثر من غيرهم. وتشمل هذه المخاطر التعرض للعدوى من المرضى، وعبء العمل الثقيل لساعات طويلة، واستخدام معدات الحماية الشخصية لفترات زمنية ممتدة، فضلا عن مواجهة العنف والإيذاء أحيانًا من جانب المرضى أو ذويهم دون حماية كافية.
ولفتت المبادرة إلى أن الجائحة جاءت في ظل ظروف لم تكن أصلاً عادلة للعاملين في القطاع الصحي في مصر: من ضعف شديد في الأجور، ونظام صحي يحتاج لإعادة الهيكلة والبناء، إلى النقص الشديد في عدد الأطباء، في ظل تزايد هجرة العاملين الصحيين وخصوصًا الأطباء من مصر على مدى العقود الماضية بحثاً عن ظروف عمل وفرص مهنية أفضل. ومع ذلك فقد قدم الأطباء وغيرهم من العاملين في القطاع الصحي تضحيات وبطولات مشهودة في مواجهة الوباء وفي ظل تلك الظروف ودون تذمر.
وانتقدت المبادرة ما تعرض له العاملون في القطاع الصحي من مضايقات أمنية وتعسف إداري في بعض الحالات عندما عبروا عن قلقهم أو أعلنوا عن احتياجاتهم أو انتقدوا تعامل الحكومة مع الجائحة، رغم كل الظروف الصعبة وغير العادلة التي يتحملونها منذ أكثر من عام دون استراحة أو انقطاع.
وشددت المبادرة على أن تساقط الأطباء بهذا الشكل أمر يستدعي القلق الشديد؛ وإن كانت هناك معرفة بحالات الوفاة بين الأطباء ، فإننا لا نعلم عدد الإصابات من بينهم، ولا عدد الوفيات والإصابات بين باقي أفراد الفريق الصحي من تمريض وفنيين ومسعفين وصيادلة وإداريين وغيرهم. ومن اللافت للنظر والمثير للقلق أن وزارة الصحة لم تعلن منذ أكثر من نصف عام عن أرقام موثقة حول الإصابات والوفيات بين الطواقم الطبية.
وتابعت “بدلًا من الاعتراف بالأزمة ومحاولة البحث عن حلول لها، قلّلت وزيرة الصحة من أرقام الوفيات بين الأطباء بسبب طبيعة عملهم، بحجة أن من توفوا في مستشفيات العزل حسب قولها عددهم 115 طبيبًا فقط، أما العدد الباقي من الأطباء فتوفي نتيجة ما أطلقت عليه الوزيرة “عدوى مجتمعية”، وليس من عملهم في المستشفيات، وهو تصريح غير دقيق للأسباب التالية:
قصر وفيات الأطباء جراء كورونا على مستشفيات العزل التابعة لوزارة الصحة فقط يستبعد الأطباء العاملين في مستشفيات أخرى، مثل مستشفيات الصدر والحميات، التي تتعامل مباشرة مع مصابي كورونا، والذين يقومون بالكشف على حالات الاشتباه، كما يستبعد العاملين في باقي مستشفيات وزارة الصحة والوحدات والإدارات الصحية، فضلا عن استبعاده الأطباء الذين يعملون في القطاع الخاص والذي تتحمل الوزارة أيضًا مسؤولية الإشراف الفني والتنظيمي والوقائي عليه.
وشددت المبادرة على ان الجائحة وصلت الآن بالفعل إلى مرحلة العدوى المجتمعية، وفي هذه المرحلة يصعب تحديد مصدر العدوى التي يتعرض لها الطبيب الواحد، حيث تعجز إجراءات الرصد والتقصي في تلك المرحلة عن الوصول لسبب أو مصدر الإصابة، ولذلك تعتبر التفرقة بين من أصابته العدوى من خلال عمله أو من المجتمع ليست دقيقة بل مستحيلة الإثبات.
ونددت المبادرة المصرية بالتقليل من أعداد وفيات الاطباء وقالت “إن محاولة التقليل من أرقام الوفيات بين الأطباء، والتكتم الذي تتعامل بها وزارة الصحة مع أعداد الإصابات والوفيات بين باقي أفراد الطواقم الطبية، ونقص البيانات وغياب الشفافية، لا يمكن أن تساعد على علاج هذه الأزمة، بل تؤدي إلى غياب الثقة، سواء من جانب الطواقم الطبية أو المواطنين في الإجراءات المتخذة من قبل الدولة، فضلًا عن التأثير السلبي على معنويات الطواقم الطبية التي لا ترى حتى الآن تقديرًا كافيًا لعملها أو لتضحياتها.
في ضوء ذلك كله تشدد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على عدة مطالب عاجلة لحماية الطواقم الطبية وضمان الحد الأدنى من حقوقها:
الشفافية وتوفير المعلومات للمجتمع بشكل واضح ودقيق حول معدلات الإصابة والوفيات بين الطواقم الطبية.
الكشف عن عدد من تلقوا التطعيم من الطواقم الطبية. ومع البطء الشديد في حملة التطعيم ضد كورونا يتوجب على وزارة الصحة تسريع تطعيم كافة الطواقم الطبية وتجنيبها المزيد من الوفيات والإصابات. فبحسب تقديرات نقابة الأطباء لم يتم تطعيم إلا ما يتراوح بين 10 إلى 20% من الطواقم الطبية.
حل أزمة تصنيف سبب وفاة الأطباء وغيرهم من أعضاء الطواقم الطبية بكورونا في شهادات الوفاة، فالعديد منهم توفوا بالفيروس قبل أو دون أن يجروا الكشف بالمسحة.
تشكيل لجنة قومية مستقلة تمثل فيها نقابة الأطباء وباقي نقابات المهن الطبية، وخبراء الصحة العامة ومكافحة العدوى، وممثلون للمجتمع المدني، لبحث ودراسة أسباب الوفيات والإصابات بين الطواقم الطبية، على أن تتاح لهذه اللجنة كافة قواعد البيانات اللازمة التي تساعدها في عملها، وأن يتم توفير حرية العمل اللازمة لها، وأن يوضع إطار زمني لعملها وتخرج بتقرير تفصيلي للمجتمع وتوصيات ملزمة لوزارة الصحة.
ومع تزايد حالات الوفيات بين العاملين في القطاع الصحي بسبب الوباء، وتقديرا لتضحياتهم، كانت هناك مطالبات عديدة و مستمرة بمعاملة ضحايا كورونا من الأطباء (وغيرهم من الطواقم الطبية) بنفس معاملة ضحايا الجيش والشرطة من الناحية المادية، وكانت نقابة الأطباء على رأس المطالبين بذلك. لكن هذا الطلب لم تتم الاستجابة له حتى الآن.
فقد اتخذت الحكومة فقط إجراء زيادة قيمة بدل المهن الطبية لكل فئة من التابعين لوزارة الصحة، ممن كان يطبق عليهم قانون 14 لسنة 2014، بواقع إجمالي زيادة 525 جنيها (1225 بدلًا من 700) للأطباء البشريين، و375 جنيهًا لأطباء الأسنان والصيادلة والبيطريين وأخصائيي العلاج الطبيعي (سيصبح 875 بدلا من 500)، و340 جنيهًا لأخصائيى التمريض العالي والكيميائيين والفيزيقيين (سيصبح 790 بدلا من 450)، و300 جنيه لدبلومات التمريض والفنيين الصحيين (سيصبح 700 بدلا من 400).
وبحسب نقابة الأطباء، فإن متوسط الزيادة الصافية لرواتب الأطباء البشريين من غير العاملين بالجامعات طبقًا لهذا القانون تبلغ حوالى 350 جنيهًا بعد الخصومات واستقطاع نسبة لصندوق مخاطر المهنة؛ ومتوسط الزيادة الصافية للأطباء البشريين العاملين بالجامعات تبلغ حوالي 875 جنيهًا، بعد الخصومات واستقطاع نسبة صندوق المخاطر.
وقد تم إنشاء “صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية” بموجب قانون 184 لسنة 2020، بحيث يصرف تعويض للمصاب بعجز كلي أو جزئي أو لأسرة المتوفى نتيجة مزاولة المهنة (تعويض مرة واحدة وليس معاشًا شهريًا)، وذلك بخلاف أي مستحقات أخرى من التأمينات والمعاشات. لكن أغلب موارد هذا الصندوق تأتي من مساهمات أعضاء المهن الطبية أنفسهم؛ وحتى الآن لم يجتمع مجلس إدارته مرة واحدة، ولم تحدد المبالغ التي سيتم صرفها كتعويض، ولا كيف سيتقدم أهالي الضحايا له للحصول على مستحقاتهم.
وتنقسم مصادر تمويل صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية إلى 5% من إجمالي بدل المهن الطبية و5% من رسوم تراخيص العيادات والمراكز الطبية والمكاتب العلمية والمعامل والمستشفيات الخاصة و5% من رسوم تراخيص مزاولة المهنة و5% من مكافأة أطباء الامتياز، وتبرعات أو هبات يقبلها مجلس الإدارة وتتفق مع أغراض الصندوق، بالإضافة إلى ما تخصصه الخزانة العامة للدولة من موارد لصالح الصندوق (دون الالتزام بنسبة محددة).
وتصر وزارة الصحة على ضم حالات الوفاة والإصابة من الأطقم الطبية الناتجة عن كورونا خلال أداء عملها إلى «صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية»، بدلًا من ضمها إلى فئة المستفيدين من الصندوق المخصص لضحايا الجيش والشرطة على اعتبار أن العاملين بالقطاع يواجهون مخاطر استثنائية بسبب عملهم نتيجة للوباء. ويقدم صندوق ضحايا الجيش والشرطة مزايا غير موجودة في صندوق مخاطر المهن الطبية، منها على سبيل المثال أن الأخير يقتصر على تقديم التعويض مرة واحدة على سبيل المكافأة، بعكس صندوق ضحايا الجيش والشرطة الذي يلزم الدولة بمعاش شهري، والذي يتمتع بموارد كبيرة مقابل محدودية موارد صندوق مخاطر المهن الطبية.
وكان النائب فريدى البياضى، عضو مجلس النواب، قد تقدم في 16 فبراير 2020 بمشروع تعديل بعض أحكام القانون رقم 16 لسنة 2018، لضم ضحايا ومصابي الفرق الطبية إلى صندوق ضحايا ومصابي الجيش والشرطة، ودعمت نقابة الأطباء هذا المشروع. وتعرب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن دعمها وتبنيها لهذا التعديل وتطالب جميع نواب البرلمان بدعمه والمطالبة بسرعة عرضه وإقراره.