المبادرة المصرية أمام لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة: مصر تشهد أسوأ أزمة حقوقية في تاريخها.. ونواجه “إجراءات انتقامية” بالسجن والمحاكمات والمنع من السفر
بهجت:18 حقوقيا يواجهون المنع من السفر والتحفظ على الأموال في تحقيق جنائي ما يزال مفتوحا منذ 12 عاما.. وعبدالرازق وعنارة وبشير متهمون بـ”الانضمام لجماعة محظورة”
باتريك زكي يخضع لمحاكمة جنائية بسبب مقال عن الأقباط.. والباقر محكوم بالسجن 4 سنوات لدفاعه عن سجين سياسي
أغلب المنظمات المستقلة اضطرت لحل نفسها أو تجميد أنشطتها أو العمل بالمنفى.. والباقي مجبر على الخضوع لقانون يمنح السلطات التنفيذية والأمنية حق التحكم الكامل
الهجوم المستمر تسبب في انكماش كبير في حجم الحركة الحقوقية المستقلة.. ومصر تحتاج أكثر من أي وقت مضى لمجتمع مدني مستقل وصحافة حرة لمواجهة الأزمة
مصر من أسوأ البلدان في عدد الصحفيين المحبوسين بـ28 صحفيا على الأقل.. وأكثر من 500 موقع محجوب بما فيها المواقع المستقلة لانتقادها السلطات
أكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن مصر تشهد اليوم أسوأ أزمة حقوقية في تاريخها، حيث تعرضت حركة حقوق الإنسان المستقلة وعلى مدى أكثر من عقد لهجوم مستمر وغير مسبوق، بينما تحتاج أكثر من أي وقت مضى لمجتمع مدني مستقل وصحافة حرة من أجل مواجهة تلك الأزمة.
وتطرقت المبادرة، في مداخلتها التي ألقاها مديرها التنفيذي حسام بهجت، عن بعد من القاهرة، أمام جلسة اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بشأن مصر، اليوم الثلاثاء 28 ديسمبر 2023، إلى “الإجراءات الانتقامية” ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، فضلا عن الصحفيين المستقلين، ومن ضمنها الحبس والمحاكمات والمنع من السفر والتحفظ على الأموال، وغيرها.
وأوضح بهجت أن هذا الهجوم المستمر أسفر عن انكماش كبير في حجم الحركة الحقوقية المستقلة، حيث اضطرت أغلب المنظمات المستقلة لحل نفسها أو تجميد أنشطتها أو العمل من المنفى، أما المنظمات المستقلة القليلة المتبقية داخل البلاد فإنها مجبرة على الخضوع لقانون جديد للجمعيات الأهلية يمنح السلطات التنفيذية والأمنية حق التحكم الكامل والموافقة المسبقة على خططنا وأنشطتنا ومواردنا.
وتابعت: “هذه الأمثلة والكثير غيرها لا تمثل فقط انتهاكات لحقوقنا الأساسية، بل إنها أيضًا تحد بشدة من قدرتنا على توثيق وكشف الانتهاكات وتقديم الدفاع والدعم لأعداد لا حصر لها من الضحايا”.
وجاء نص الكلمة التي ألقاها بهجت كالتالي:
السيدة الرئيسة، الأعضاء الموقرون
أشكركم على إتاحة هذه الفرصة للمشاركة عن بعد من القاهرة. ونظراً لأننا قدمنا إليكم للجنة تقريرًا كتابيًا مفصلًا بشأن انتهاكات الحكومة المصرية للحقوق المدنية والسياسية، فإنني أود أن أحدثكم اليوم عن أمر آخر وهو ثمن الحديث عن هذه الانتهاكات في مصر اليوم.
لقد قدمنا لكم إحاطة مماثلة منذ أكثر من 20 عامًا في آخر مرة ناقشتم فيها الوضع في مصر عام 2002. ولكننا اليوم لا نستطيع المثول أمامكم لأسباب تتعلق مباشرة بوضع حقوق الإنسان في بلادنا.
تعرضت حركة حقوق الإنسان المستقلة وعلى مدى أكثر من عقد لهجوم مستمر وغير مسبوق. فمنذ عام 2011، وبعد بضعة أسابيع من ثورة الشعب المصري ضد الديكتاتورية والفساد، استهدفت السلطات المصرية أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان بإطلاق تحقيق جنائي لا يزال مفتوحًا بعد مرور 12 عامًا. وعلى ذمة هذا التحقيق الزعوم، فإن ١٨ مدافعًا حقوقيًا مستقلًا لا يزالون ممنوعين من مغادرة البلاد وبالتالي لا يستطيعون المثول أمام لجنتكم الموقرة.
وكواحد من هؤلاء “المتهمين”، فقد تم منعي من السفر للخارج منذ سبعة أعوام ودون أمد محدد. كما تم التحفظ على كافة ممتلكاتي الخاصة—كل ذلك على ذمة التحقيق في القضية 173 سيئة السمعة.
كما يواجه ثلاثة زملاء آخرين من نفس منظمتي إجراءات انتقامية مشابهة منذ 2020 بعد اتهامهم بالانضمام لجماعة محظورة بسبب عملنا على أوضاع السجون والعدالة الجنائية، وهم محمد بشير وكريم عنارة وجاسر عبد الرازق.
وبينما أتحدث إليكم صباح اليوم، فإن زميلي الباحث باتريك زكي يجلس الآن داخل قفص بمحكمة أمن الدولة طوارئ بالمنصورة، حيث يخضع لمحاكمة جنائية بتهمة “نشر معلومات كاذبة” في مقال كتبه حول أوضاع الأقباط في مصر.
هناك مدافع آخر لم يستطع أن يكون معنا اليوم، وهو المحامي الحقوقي البارز محمد الباقر، الذي ألقي القبض عليه في 2019 من داخل مبنى المحكمة وأثناء تقديم دفاعه عن سجين سياسي آخر، وحكمت عليه محكمة طوارئ استثنائية بالسجن أربعة أعوام بنفس تهمة “نشر أخبار كاذبة” حول السجناء السياسيين في مصر.
أما الصحفيون المستقلون فيتم استهدافهم بإجراءات مشابهة بل وأحيانًا أشد قسوة. حيث يقبع في السجون اليوم 28 صحفيًا على الأقل، وهو ما يجعل من مصر أحد أسوأ بلدان العالم من حيث عدد الصحفيين في السجون. كما تم حجب أكثر من 500 موقع إلكتروني بشكل غير قانوني، بما في ذلك جميع المواقع الصحفية المستقلة التي تجرؤ على انتقاد السلطات.
ومنذ بضعة أيام قررت السلطات إحالة ثلاث صحفيات للمحاكمة الجنائية بموجب قانون الجريمة الإلكترونية الصادر عام 2018 بسبب تقرير خبري حول حزب الأغلبية الموالي للنظام. وكانت السلطات قد حجبت منذ 2017 وبشكل غير قانوني موقع مدى مصر الذي يعملن به، وهو أحد آخر المواقع الصحفية المستقلة المتبقية داخل مصر، وفي العام الماضي تم رفض طلبهم للحصول على تصريح بموجب قانون تنظيم الإعلام الجديد.
السيدة الرئيسة، الأعضاء الموقرون
لقد أسفر هذا الهجوم المستمر عن انكماش كبير في حجم الحركة الحقوقية المستقلة التي تميزت بالقوة والحيوية عندما أجريتم استعراضكم السابق لمصر قبل عقدين من الزمان. حيث اضطرت أغلب المنظمات المستقلة لحل نفسها أو تجميد أنشطتها أو العمل من المنفى. أما المنظمات المستقلة القليلة المتبقية داخل البلاد فإنها مجبرة اليوم على الخضوع لقانون جديد للجمعيات الأهلية يمنح السلطات التنفيذية والأمنية حق التحكم الكامل والموافقة المسبقة على خططنا وأنشطتنا ومواردنا.
أن هذه الأمثلة والكثير غيرها لا تمثل فقط انتهاكات لحقوقنا الأساسية، بل إنها أيضًا تحد بشدة من قدرتنا على توثيق وكشف الانتهاكات وتقديم الدفاع والدعم لأعداد لا حصر لها من الضحايا.
إن مصر تشهد اليوم أسوأ أزمة حقوقية في تاريخها، وتحتاج أكثر من أي وقت مضى لمجتمع مدني مستقل وصحافة حرة من أجل مواجهة تلك الأزمة.