العدالة التركية على هوى أردوغان.. 11 مدافعا عن حقوق الإنسان أمام المحاكمة و”دعم الانقلاب” التهمة الجاهزة

دعت منظمة العفو الدولية النشطاء في جميع أنحاء العالم إلى المشاركة في حملة للتضامن مع 11 ناشطاً فى مجال حقوق الإنسان، يمثلون أمام المحكمة التركية، في 19 فبراير الحالى، وبعد مرور سنتين ونصف على احتجازهم أول مرة، لسماع أحكامها بشأنهم بتهم يمكن أن يُعاقَب عليها بالسجن لمدد تصل إلى 15 سنة.

وقد تقرر المحكمة تجاهل طلب المدعى العام بإصدار إدانات بحقهم، وبالتالى تبرئتهم جميعاً. وبالمقابل، فإن طلب المدعى العام تبرئة 5 من المتهمين لا يشكل ضمانة لتبرئتهم فعلاً؛ أى أن جميع الأشخاص الأحد عشر عرضة لخطر الإدانة والسجن.

وفى حالة إدانة أى من المدافعين عن حقوق الإنسان الأحد عشر، حتى لو لم تتم إعادتهم إلى السجن بسبب الوقت الذى أمضوه فى الحجز قبل المحاكمة، فإن ذلك من شأنه أن يشكل صفعة قوية للأفراد وللمجتمع المدنى المستقل فى تركيا ككل.

ومن بين المتهمين الأحد عشر، 4 محامين. وفى حالة إدانتهم، وتأكيد الإدانة من محكمة الاستئناف، سيفقدون رُخص مزاولة المحاماة، ولن يكونوا قادرين على مزاولة مهنتهم، وأياً كان الحكم الذى سيصدر، فإن من المرجح استئنافه، وستستمر المخاطر إلى أن تتم تبرئتهم جميعاً من محكمة الاستئناف، التى قد تُصدر حكماً بعد مرور سنوات على قرار المحكمة الابتدائية الأول.

وبحسب تقرير للمنظمة الدولية، لم يفعل النشطاء شيئا سوى التجرّؤ على الدفاع عن حقوق الإنسان فى تركيا، ويواجهون – ومن بينهم رئيس سابق ومديرة سابقة فى فرع منظمة العفو الدولية فى تركيا وعدد من أعضاء الفرع، بالإضافة إلى مدافعين عن حقوق المرأة ودعاة المساواة – تهماً سخيفة “بالإرهاب” بدون تقديم أدلة ذات مصداقية على مدى 10 جلسات استماع.

ومنذ احتجازهم فى عام 2017، ناضل ما يزيد عن مليونى شخص حول العالم، من أجل الدفاع عن تحقيق العدالة للمدافعين الـ11 عن حقوق الإنسان، ولفتت المنظمة إلى أنه عندما يتم إسكات الأشخاص الذين يدافعون عن حقوقنا، فإننا جميعاً نصبح عرضة للخطر.

فى الساعات الأولى من صبيحة يوم 6 يونيو 2017، قُبض على تانر كيليش، رئيس فرع منظمة العفو الدولية فى تركيا، فى منزله بإزمير. وبعد مرور ثلاثة أيام، أُعيد إلى السجن بتهمة الانتماء إلى ما تسميها الحكومة “منظمة فتح الله غولن الإرهابية”، التى اتّهمتها بأنها العقل المدبر لمحاولة الانقلاب التى وقعت فى عام 2016.

وادعت السلطات، دون تقديم أدلة، أن تانر كان نزل تطبيق “باى لوك “ByLock، وهو تطبيق آمن للرسائل، تقول الحكومة إن الجماعة استخدمته للتواصل فيما بينها.

فى 5 يوليو، أى بعد حوالى شهر، اعتُقل 10 مدافعين عن حقوق الإنسان (عشرة اسطنبول) من فندق فى جزيرة بيوكادا فى اسطنبول، حيث كانوا يشاركون فى ورشة حول الراحة النفسية والأمن الرقمي، واتهمتهم السلطات بالاشتراك فى اجتماع سرى، وأُعيد 8 منهم إلى السجن بناءً على تلك المزاعم.

أمضى كل من إيديل إيسر، وغونل كورشون، وأوزليم دالكيران، وفيلى أكيو، وعلى غرافى، وبيتر شتاودنر، ونالان إركيم، وإلكنور أوستون، 99 يوماً فى الحجز بانتظار المحاكمة، قبل إطلاق سراحهم بكفالة فى جلسة الاستماع الأولى فى 25 أكتوبر 2017 فى اسطنبول.

كما طلبت المحكمة نقل محاكمة تانر إلى اسطنبول، ودمجها مع محاكمة “عشرة اسطنبول”، بزعم أن تانر وجَّه “اجتماع بويوكادا السري”، على الرغم من أنه كان فى السجن وقت انعقاد الاجتماع.

وفى جلسة الاستماع الأولى فى إزمير، التى عُقدت فى اليوم التالى، الموافق 26 أكتوبر، قبلت المحكمة طلب محكمة اسطنبول نقل المحاكمة ومزج المحاكمتين المنفصلتين فى قضية واحدة فى اسطنبول. ومنذ ذلك الحين أُطلق على القضية اسم “محاكمة بويوكادا”.

وأضافَ المدعى العام معلومات ووثائق وُجدت على الحاسوب الذى صودر من “عشرة اسطنبول” وأظهرت الأنشطة المشروعة الخاصة بحقوق الإنسان. وتضمَّنت تلك المعلومات والوثائق: حملة تهدف إلى وقف بيع الغاز المسيل للدموع إلى تركيا، إلى جانب وثائق أخرى لمنظمة العفو الدولية، وطلب منحة لمشروع حقوق الإنسان، والنضال من أجل إطلاق سراح المعلمين المضربين عن الطعام من الحجز.

وفى أحدث جلسة استماع، عقدت فى نوفمبر الماضى، قدَّم مدعى عام الدولة رأيه النهائى بطلب إصدار إدانات ضد تانر كيليش بتهمة “العضوية فى منظمة إرهابية”، وضد إيديل إيسر وأوزليم دالكيران وغونل كورشون وفيلى أكيو ونجاة تاشتان، بتهمة مساعدة منظمة إرهابية بعلمهم وإرادتهم”، وطلبَ من المحكمة تبرئة ساحة كل من نالان إركيم، وإلكنور أوستون، وشيموس أوزبكلى، وعلى غرافى، وبيتر شتاودنر.

وبحسب “العفو الدولي”، كانت خلاصة رأى المدعى العام أشبه بنسخة عن لائحة الاتهام التى تُعيد إنتاج المزاعم التى لا تستند إلى أدلة – وثبت بطلانها خلال جلسات المحاكمة السابقة – وكأن المحاكمة برمتها لم تحدث.

خلال مجريات المحاكمة لم يُثبت الادعاء العام التهم الموجَّهة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان الأحد عشر، ولكى تتحقق العدالة يجب تبرئتهم، بل ما كان ينبغى التحقيق معهم أصلاً، ناهيك عن سجنهم ومحاكمتهم.

وتردَّدت أصداء القضية فى سائر أنحاء العالم مع تدفق الدعم الدولى للمدافعين عن حقوق الإنسان، وقع ما يزيد عن 2 مليون شخص العريضة التى طالبت بإطلاق سراحهم من السجن، وإسقاط التهم غير المعقولة التى وُجهت لهم.

وأرسل العديد من الحكومات والمؤسسات والممثلين السياسيين من شتى بلدان العالم، بالإضافة إلى العديد من الفنانين والمشاهير، مناشدات من أجل إطلاق سراح هؤلاء المدافعين عندما كانوا محتجزين بانتظار المحاكمات، ودَعوا إلى إسقاط التهم التى تثير السخرية، التى وُجهت لهم.

ومن بين أولئك الفنانين والمشاهير: زوى كرافيتز، بن ستيلر، مارك روفالو، ووبى غولدبيرغ، زاك غليفياناكيس، آنى لينوكس، بونو، بيتر غابرييل، جولييت بينوشى، جين بركين، أنجيليك كيجو، باتريك ستيوارت، ستينج، كاثرين دينوفى، آى ويوي.

وأضاف نجوم المسرح والشاشة أصواتهم إلى الطلب العالمي بالإفراج الفوري وغير المشروط عن مجموعة من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في تركيا ، بعد 100 يوم من اعتقالهم.

 وقال مدير منظمة العفو الدولية في أوروبا جون دالهويسن: “كل يوم يمر يكشف المدى البعيد للحملة التي أعقبت الانقلاب والعيوب العميقة في النظام القضائي في تركيا”.

 بعد 3 أشهر فشل التحقيق بشكل غير مفاجئ في تقديم أي أدلة تجريم لإثبات تهم المدعي الخيالية، كما أنه لم يوضح مدى ارتباط “اجتماع بويوكادا” السري المفترض بالإرهاب بأي شكل من الأشكال.

 ويتهم النشطاء بمساعدة مجموعة ذات أيديولوجيات معارضة، وتشمل التهم الموجهة إليهم ادعاءات غريبة بأن أنشطة حقوق الإنسان المعتادة مثل الطعن في وقف بيع الغاز المسيل للدموع، أو تقديم طلب منحة أو شن حملة لإطلاق سراح المعلمين المضربين عن الطعام ، نُفذت نيابة عن المنظمات الإرهابية.

وفي نوفمبر الماضي، ذكر المعهد الدولي للصحافة، أنَّ عددًا قياسيًا عالمياً من الصحفيين تجاوز 120 فردًا، ما زالوا مسجونين في تركيا، كما أنَّ وضع الإعلام في هذا البلد لم يتحسن منذ إنهاء حالة الطوارئ العام الماضي بعد استمرارها عامين.

وخلال فرض الطوارئ بعد الانقلاب، أقالت تركيا أو أوقفت عن العمل 150 ألفًا من القضاة وأساتذة الجامعات وضباط الجيش والموظفين الحكوميين وغيرهم للاشتباه بدعمهم لرجل دين تركي مقيم في الولايات المتحدة تتهمه “أنقرة” بأنه كان وراء محاولة الانقلاب، وما زال أكثر من 77 ألف شخص محتجزين في انتظار محاكماتهم.

وفضلا عن الناشطين الحقوقيين، ذكر المعهد الدولي للصحافة، أنَّه منذ محاولة الانقلاب واجه مئات الصحفيين محاكمات لتهم معظمها مرتبط بالإرهاب، مشيرًا إلى أنَّ عدد الصحفيين المسجونين انخفض بعد أنَّ كان تجاوز 160.

ولفت المعهد الدولي للصحافة إلى أن وراء هذه الأرقام تكمن قصة الانتهاكات الجسيمة للحقوق الأساسية ويُحتجز عشرات الصحفيين لشهور وأحيانًا لسنوات قيد المحاكمة في أخطر التهم ذات الصلة بالإرهاب، وفي كثير من القضايا دون اتهام رسمي.

 وأوضح أنَّ الصحفيين يُسجنون “نتيجة لحملة مطولة وذات دوافع سياسة ضد الإعلام، مشيرا إلى أنَّ تركيا هي “أكثر دولة سجنا للصحفيين في العالم، بلا منازع” على مدى نحو 10 سنوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *