السلالة البريطانية المتحورة.. أعنف طفرات كورونا تهدد 111 بلدا.. وترفع معدلات الحالات الطارئة بالمستشفيات
مونت كارلو
شهدت، في الآونة الأخيرة، أقسام العناية الفائقة والإنعاش المُكرّسة لاستقبال مرضى فيروس كورونا المستجد، في المستشفيات العالمية، ارتفاعا متسارعا في معدّلات االخالات الطارئة لشرائح عمرية تتراوح بين 15 و74 سنة.
هذا الأمر لم يكُن ملاحظا بهذا الشكل مع بداية جائحة الكورونا العالمية، حينما كانت الشرائح العمرية الأكثر تضرّرا بالتهابات العدوى الفيروسية المحفوفة بمخاطر الموت هي تلك التي ناهزت عمر 65 سنة وما فوق.
بالاستناد إلى بيانات منظّمة الصحّة العالمية الصادرة بتاريخ 9 مارس 2021، وصلت إلى 32 بلدا السلالة البرازيلية المتحوّرة من فيروس الكورونا والحاملة لرقم الهوية التالي: 20J/501Y.V3. 2021.
أمّا السلالة الجنوب أفريقية الحاملة لرقم هوية 20H/501Y.V2 فكانت متغلغلة ما بين شعوب 58 دولة بتاريخ 9 مارس/آذار الجاري.
أمّا السلالة البريطانية المتحوّرة من فيروس الكورونا الأصلي والحاملة لرقم الهوية 20I/501Y.V1 فهي آخذة في الانتشار في 111 بلدا.
وأنذرت وزارة الصحّة الفرنسية العاملين في القطاع الصحّي، في رسالة موجّهة إليهم بتاريخ الإثنين 15 مارس، بأنّ طفرة جديدة من طفرات فيروس كورونا ظهرت حديثا في المستشفى الحكومي في Lannion في قضاء Côtes d’Armor. أعطيت هذه الطفرة تسمية « 20C » أو « Variant Breton » تبعا للموقع الجغرافي حيث ظهرت في محافظة Bretagne في الغرب-الأقصى من الأراض الفرنسية.
تمتاز هذه الطفرة بأنّها شديدة السريّة : تمّ تسجيل 8 حالات إيجابية سرعان ما توفيّت جميعها. ولكن عجز الأطبّاء في كشفهم عن هذه الطفرة في سبع حالات من الحالات الثماني. إنّما لم يتمّ إثبات أنّ طفرة 20C تحمل “خطورة” كبرى أكبر من خطورة السلالة البريطانية الأكثر انتشار في العالم حاليا.
تعتبر السلالة البريطانية المتحوّرة من فيروس كورونا هي الأعنف والأشرس بالمقارنة مع سائر السلالات المتحوّرة الأخرى.
فبناء على ما صدر عن الفريق العلمي Nervtag الذي ينصح الحكومة البريطانية في استراتيجيات إدارتها للأزمة الصحيّة، تستطيع السلالة البريطانية المتحوّرة من فيروس الكورونا أن ترفع بنسبة 30% درجة الإمراضيّة Pathogenicity ما يعني أنّ سلالة الكورونا البريطانية قادرة على زيادة الأشكال الحرجة من مرض الكوفيد-19 وعلى زيادة نسبة الوفيات. من ناحية أخرى، يظلّ الخبر السار هنا هو أنّ السلالة البريطانية لم يُساهم ظهورها بانخفاض فعالية لقاحات Pfizer-BioNTech أو Oxford / AstraZeneca أو Moderna .
على خطّ مواز وفيما تتبّع السلطات الصحيّة العالمية عن كثبٍ ثلاث سلالات متحوّرة من فيروس الكورونا، كشفت وكالة الصحة العامّة الإنجليزية (PHE)، يوم الاثنين 1 فبراير/شباط الماضي عن ملاحظتها لطفرة جديدة هي E484K طرأت على السلالة البريطانية من فيروس الكورونا، ممّا يُضعضع كفاءة اللقاحات في التحصين ضدّ هذه الطفرة. اعتمدت وكالة الصحة العامّة الإنجليزية، في تعميمها لهذا الاكتشا، على دراسة أوّلية أجرتها جامعة كامبريدج. إنّ التفسير العلمي لهذه الطفرة هو أنّ الحمض الأميني “E” الذي يتوافق مع الموقع “484” ضمن الجين، قد تحوّر إلى حمض أميني “K”. يتواجد هذا الحمض الأميني أيضًا في السلالات الجنوب أفريقية والبرازيلية.
وأوضح الدكتور Paul Loubet ، اختصاصي الأمراض المعدية في مستشفى جامعة Nîmes أنّ طفرة E484K تتعلّق ببروتين Spike الموجود بشكل شوكة على سطح فيروس الكورونا هي التي ترتبط بالخلايا البشرية وتساعد الفيروس على الدخول إليها. وأكّدPaul Loubet لإذاعة franceinfo أنّ هذه الطفرات معتادة ومرتبطة بـ “ظواهر التكيّف-الفيروسي”. من وجهة نظر عالم الفيروسات Julian Tang من جامعة Leicester (المملكة المتحدة)، فإنّ هذا الاكتشاف لطفرة E484K الحاصلة على السلالة البريطانية لفيروس الكورونا الأصلي قد تكون حصلت بسبب ” اندماجه داخل نفس الخليّة مع إحدى الطفرات الجنوب أفريقية أو البرازيلية، تماما كما نلاحظ مع فيروسات الانفلونزا المختلفة”. ومع ذلك، يظلّ هذا السيناريو “نادرا مع فيروسات الكورونا”، كما أوضح الباحثTang .Julian
السؤال الحاسم الذي طفح على وجه الماء : هل الطفرة E484K تُعطّل فعالية اللقاحات المستخدمة حاليًا؟ من الواضح أن هذه الطفرة الموجودة على صعيد بروتين Spike في فيروس الكورونا، تعيق أجسامنا المضادة في حملتها القتاليّة القائمة على تحييد الفيروس ومنعه من الالتصاق بخلايانا. لاحظ الباحثون في جامعة كامبريدج أنّ هناك حاجة إلى مستويات أعلى من الأجسام المضادة لوقف التصاق فيروس الكورونا بالخلايا بسبب الطفرة E484K. لكن هذا لا يؤدّي إلى استنتاج أنّ اللقاحات أقل فعالية. في الوقت الحالي، إنّه من السابق لأوانه الإجابة على هذا السؤال.
تجدر الإشارة إلى أنّ ظهور السلالات الفيروسية المتفرّعة من فيروس أصلي هو عملية طبيعية، إذ يكتسب الفيروس طفرات بمرور الوقت لضمان بقائه. تمّ تحديد أكثر من 4000 نوع من الفيروسات المتحوّرة التابعة لفيروس SARS-CoV-2 في جميع أنحاء العالم. ثلاثة سلالات فيروسية متحدّرة من فيروس الكورونا الأصلي تثير حاليا الذعر والقلق، لا أكثر، وهي : الإنجليزية والجنوب أفريقية والبرازيلية.
لن تتحقّق أهداف ” مناعة القطيع” أو الحصانة الجماعية اللازمة لوقف انتشار الجائحة ما لم تصل حملات التطعيم العالمية إلى الصغار في السنّ. ولا تُعرف بعد بالضبط النسبة المئوية من السكان الذين ينبغي تلقيحهم لتحقيق هذه المناعة الجماعية: ربما بين 70% أو 85%، وفقًا للخبير الأميركي في علم المناعة، الدكتور Anthony Fauci.
“تتطلب المناعة الجماعية الفعالة تطعيم الأطفال (…) إنه واجب أخلاقي وضرورة عملية”، بالاستناد إلى ما كتب طبيبا الأطفال بيري كلاس وآدم ج. راتنر في دورية نيو إنغلند جورنال أوف مديسين العلمية المرموقة في شباط/فبراير الماضي.
وشدّدا على أنّ الفوائد ستكون “مباشرة” (ستقلل إصابة الأطفال بالمرض) و”غير مباشرة” (لن ينقلوا المرض).
والأهمّ من كلّ هذا هو أنّ “حساب نسبة المخاطر/الفوائد سيكون مختلفًا عند تلقيح طفل يبلغ من العمر 9 سنوات أو شخص في التسعين من عمره”، كما قال Amesh Adalja، الإختصاصي في طبّ الطوارئ والأمراض المعدية في مركز جونز هوبكنز للسلامة الصحية Johns Hopkins Center for Health Security. فإذا كانت اللقاحات فعالة جدًا في منع حالات المرض الشديد بكوفيد-19 ومنع الدخول إلى المستشفى والوفيات لدى كبار السنّ، فهذه الفوائد تكون “نادرة جدًا عندما يتعلق الأمر بالأصغر سنًا” بحسب ما جاء على لسان Amesh Adalja الذي طمأن إلى أنّ الجائحة ستصبح تحت السيطرة ما قبل ضرورة إعطاء لقاحات الكورونا للأطفال.