“الدولار” في مواجهة “اليوان”| صراع هيمنة العملات في الشرق الأوسط.. الإعلام الأجنبي يسلط الضوء على إصدار سندات مصرية بالعملة الصينية
كتب – أحمد سلامة
إن كانت الولايات المتحدة قد فرضت حصارًا اقتصاديًا وسياسيًا على روسيا في أعقاب الحرب الأوكرانية، وإن كانت قد حاولت أن تلعب على الساحة الدولية بطريقة “الدفاع المتقدم” سواء مع روسيا في أوكرانيا أو مع الصين في تايوان، فإنه يبدو أنها تواجه نفس الحرب بنفس المنطق لكن في منطقة الشرق الأوسط التي اعتبرتها واشنطن لعقود “مساحتها الخاصة”.فالصين، ذات الاقتصاد المتنامي في السنوات الأخيرة، دخلت في صراع قوي من أجل تقليص دور “الدولار” والحد من سيطرته على الاقتصادات والدفع بـ”اليوان” عملتها الرسمية بديلا له خاصة لدى الدول العربية التي تمتلك احتياطيات مرتفعة من السلع الاستراتيجية وأبرزها النفط.خشية العقوبات الأمريكية، كالتي فُرضت على روسيا مؤخرًا، سعت الصين خلال الشهور القليلة الماضية إلى إنهاء هيمنة وسطوة الدولار على معاملاتها التجارية مع معظم الدول، خاصة في ظل انهيار عملات واقتصادات عدة دول مثل فنزويلا وإيران وروسيا التي تضرر اقتصادها بشدة جراء العقوبات.
سعت الصين إلى شراء الشركات المنتجة للذهب في الدول المتعاملة معها -وبصفة خاصة في أمريكا الجنوبية وإفريقيا- وتمكنت من إنتاج كمية تقارب 500 طن في السنة مقابل نحو 210 أطنان للولايات المتحدة حسب بعض التقارير، ورأى عددٌ من الخبراء أن الصين بذلك تُعد العُدة لدعم التعامل الدولي بعملتها المحلية.. ويدعم ذلك الرأي فانج هاي شينج، رئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية الذي قال إن: اعتماد الصين على النظام القائم على الدولار يجعلها عرضة للخطر.
حسب “دويتش فيلا” الألمانية في عام 2020 في تقرير أصدرته تقول الصحيفة “هذا الانكشاف للخطر دفع بكين أيضا إلى إطلاق بورصة عالمية في شنغهاي لتداول عقود النفط بالعملة الصينية اليوان اعتبارا من أوائل عام 2019، وشكلت هذه الخطوة ضربة قوية لاحتكار نظام (البترودولار) لصالح نشوء نظام (البترويوان). ووقعت الصين أيضا على اتفاقيات مع روسيا وتركيا وإيران والهند ودول آخرى لتعزيز تبادلاتها التجارية بالعملات الوطنية بدلا من الدولار.
وأطلقت بكين مع دول البريكس الأخرى من شنغهاي (بنك التنمية الجديد) برأسمال يزيد على 100 مليار دولار لتعزيز استثمارتها المشتركة وتحقيق المزيد من التوازن في المعاملات الدولية.
كما أطلقت من بكين في عام 2014 (البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية) الذي تشارك برأسماله حاليا نحو 60 دولة بينها روسيا ومصر والسعودية وبريطانيا ودول أوروبية أخرى. ويزيد رأسمال البنك على 100 مليار دولار ويتوقع أن يكون خلال السنوات العشر القادمة منافساً قوياً لصندوق النقد الدولي الذي تتحكم الولايات المتحدة وحلفائها في قراراته بحكم ملكيتها لغالبية الحصص فيه.
ويعزز هذا التوجه المالي الصيني العالمي اقتصاد يصعد بسرعة ومشروع طريق الحرير الجديد (حزام واحد- طريق واحد) باستثمارات ضخمة تشمل ستين بلدا حتى الآن.من هنا جاء اهتمام الإعلام الأجنبي، بما أعلنه محمد معيط وزير المالية المصري، من أن القاهرة تعتزم إطلاق سندات باليوان الصيني تُعادل 500 مليون دولار.. ورغم أن التصريحات ليست جديدة في محتواها إلا أن الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية تناولت الخبر بالفحص والتحليل إذ قالت “رويترز” تحت عنوان “مصر تخطط لإصدار سندات باليوان بقيمة تزيد عن 500 مليون دولار” إن ذلك قد يكون مقدمة لأمور أخرى، أما “المونيتور” فقد كتبت عنوان جاء فيه “الدولار الأمريكي قد يفقد هيمنته في الشرق الأوسط مقابل اليوان”.
تقرير “المونيتور” قال إن مصر مصر إصدار سندات مقومة بعملة الصين اليوان، بإجمالي ما قيمته 1.5 إلى 2 مليار دولار، حسبما ذكرت عدة وسائل إعلام عربية.التقرير أشار إلى أن السندات هي ضمان مالي يمثل التزام الحكومة بسداد مشتري السندات، وعادة ما تستخدم الحكومة السندات للمساعدة في تمويل النفقات، وفي هذه الحالة، ستصدر مصر سندات بقيمة نقدية مقومة باليوان، مقابل الجنيه المصري أو الدولار الأمريكي.
وأرجع التقرير سبب أهمية ذلك إلى أن الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية في العالم، ويستخدم على نطاق واسع في الشرق الأوسط، بما في ذلك إصدارات السندات. ومع ذلك، مع صعود الصين كقوة اقتصادية، فإن اليوان يُقلّص هيمنة الدولار.
وأشار التقرير إلى أنه في أبريل الماضي، أضاف البنك المركزي الإسرائيلي اليوان إلى احتياطياته من العملات الأجنبية، كما تدرس المملكة العربية السعودية استخدام اليوان بدلاً من الدولار لمبيعات النفط إلى الصين، كما أعلنت إيران هذا الشهر أنها بدأت استخدام الريال والروبل الروسي في التجارة مع روسيا.في تحليل نشرته “إندبندنت عربية” في ديسمبر 2021، جاء فيه “إن هناك مقدار الحماس الدولي للسندات الصينية.
فقد ارتفعت قيمة السندات المقومة باليوان التي يحتفظ بها المستثمرون الدوليون للشهر الثامن على التوالي في نوفمبر لتصل إلى 3.9 تريليون يوان (620 مليار دولار)، وفقاً لبيانات بنك الشعب الصيني”.
وأشار التحليل إلى أن الاستثمارات العالمية المتدفقة على السندات الصينية، بعد أن أضافت “فوتسي راسل”، مزود المؤشر العالمي، في أكتوبر2021، سندات الحكومة الصينية إلى مؤشر السندات الحكومية العالمية الرائد. وهذا واحد من أكثر معايير السندات العالمية استخداماً.
غير أن الباحث الاقتصادي، إبراهيم محمد، يرى أن كسر احتكار الدولار للتعاملات التجارية يؤدي إلى انخفاض سعره وقيمته. ومما يعنيه ذلك أن خسائر ستلحق بالدول العربية التي تتعامل بالدولار، وأن أكبر الخسائر ستلحق بدول الخليج والعراق ومصر التي وضعت معظم احتياطاتها بالعملة الأمريكية وربطت عملاتها بها لأسباب جيوسياسية.