افتكروهم واكتبوا عنهم| تجديد حبس الصحفيين أحمد شاكر و خالد داوود وحسام وسولافة وإسراء 45 يوما أخرى.. نزيف الأعمار مستمر
كتب – أحمد سلامة
“اللهم فرجًا منك لضيقي.. أين أنتِ أيتها الحرية”، كلمات نطق بها محمد شاكر، والد الزميل الصحفي أحمد شاكر.. لكن تلك الكلمات لم ينطق بها لسانه فحسب، وإنما فاضت بها قلوب المعتقلين وذويهم؛ آباء وأمهات وأبناء، حُرِموا جميعهم من دفء الابن والبنت أو حنان الأم والأب الذين غيّبتهم السجون.. إلى حين.
تمر الأيام تلو الأيام، وتمر الشهور تجر في أذيالها الشهور، ومازال الزملاء رهن الحبس (الاحتياطي)، دون حُكم قضائي وربما دون اتهامات أيضًا.
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قالت إن محكمة جنايات القاهرة قررت أمس استمرار حبس الصحفيين أحمد شاكر، خالد داوود، حسام الصياد، سولافة مجدي، إسراء عبد الفتاح والمدونة رضوى محمد والمحاميين عمرو إمام وماهينور المصري لمدة 45 يوم في القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا المعروفة باسم “فخ اصطياد المعارضين”.
“فخ اصطياد المعارضين”، ذلك الفخ الذي حاول ابتلع أخلص أبناء الوطن، لكنه لن ينجح سوى بالصمت.. لذا فإن “درب” تجدد دعوتها لكل المهتمين بالمشاركة في التدوين عن كل المعتقلين والمحبوسين احتياطيا.. افتكروهم واكتبوا عنهم.
فجر الأربعاء 25 سبتمبر عام 2019، ألقي القبض على خالد داوود من منزله بالقاهرة أثناء توجهه لزيارة والده، بعدها تم اقتياده إلى وجهة غير معلومة، ليظهر بعد ساعات في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية، ثم صدر قرار بحبسه احتياطيا لمدة 15 يوما على ذمة التحقيق، ومنذ ذلك الحين يتجدد حبسه.
خالد داوود، الرجل الذي جمع بين النضال الصحفي والنضال السياسي، فكان السجن أولى -في نظر البعض- باحتواء هذا النضال الذي لا يلين.
قائمة الاتهامات الموجهة لداوود شملت مشاركة جماعة إرهابية تحقيق أغراضها، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة الهدف منها زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وضمت القضية إلى جانبه الدكتور حازم حسني، والمناضل العمالي كمال خليل، والمحاميين الحقوقيين عمرو إمام وماهينور المصري، والصحفيين إسراء عبدالفتاح وسولافة مجدي وزوجها حسام الصياد، والناشط محمد صلاح، والباحث إبراهيم عز الدين، وآخرين.
لم تراع الاتهامات أن خالد داوود كان أحد المناضلين ضد استمرار الإخوان في الحكم، ففي فترة حكم الإخوان وحتى ثورة 30 يونيو، كان داوود المتحدث الرسمي لجبهة الإنقاذ المعارضة، التي قادت الحراك ضد توجهات الجماعة والرئيس الأسبق المنتمي لها محمد مرسي، وتعرض في سبيل ذلك للاعتداء ومحاولة اغتيال من عدد من أنصار الجماعة، لكن موقفه من الجماعة لم يشفع له أمام النظام للقبض عليه بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية.
ومن خالد داوود، إلى خالد، نجل المصور الصحفي حسام الصياد والصحفية سولافة مجدي، الذي بعث برسالة إلى والدته عبر “درب”، ضمن حملة بعنوان “افتكروهم واكتبوا عنهم”، للتركيز على أوضاع الصحفيين المعتقلين بسبب ممارستهم مهام عملهم، ورسائل من أسرهم يشرحون فيها وحشة غيابهم وكيف تجاوزوا هذا الغياب.
وقال خالد في رسالة بخط يده لوالدته، عبر موقع “درب”: “إزيك يا ماما عاملة إيه، وحشتيني أوي أوي أوي، أخبارك إيه أنتي كويسة”، وأضاف: “كان نفسي تيجي من السفر علشان تشوفيني وأنا رايح سنة تانية، متتأخريش يلا تعالي بسرعة، أنا بحبد أوي أوي أوي”، مرفقا رسالته بصورة رسما لنفسه مع والديه.
وكان حسام الصياد قد تم القبض عليه برفقة زوجته الصحفية سولافة مجدي، وصديقهما المحاسب محمد صلاح مساء يوم 26 نوفمبر 2018 من أحد مقاهي الدقي، وفي اليوم التالي تم إحالتها للنيابة التي أصدرت قرارا بحبسها احتياطيا، على ذمة القضية 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، والتي تضم عددا من الصحفيين ونشطاء حقوق إنسان والسياسيين، ومنذ ذلك الحين يتم التجديد لها باستمرار.
ووجهت نيابة أمن الدولة العليا، للمتهمين في القضية المعروفة إعلاميا باسم «فخ اصطياد المعارضين»، اتهامات وفق قانون الإرهاب بنشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، مشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها، وأخيرا إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي 30 أغسطس الماضي، فوجئت سولافة بالتحقيق معها من قبل نيابة أمن الدولة العليا، على ذمة قضية جديدة تحمل أرقام 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.
ووجهت سولافة باتهامات مشابهة بالقضية القديمة وهي، مشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، نشر أخبار وبيانات كاذبة، ولكن مع إضافة تهمة جديدة في القضية وهي الاشتراك مع آخرين من داخل السجن لإجراء عمل جنائي.
ومن الابن الذي فقد حنان أبويه، إلى الأب الذي فقد سنده.. إلى محمد شاكر والد الزميل الصحفي أحمد شاكر، فبعد ما يقرب من سنة من الحبس الاحتياطي، طالب “شاكر الأب” بالإفراج عن نجله.
وفي رسالة مؤثرة، قال شاكر “نص رسالة محمد شاكر والد الصحفي أحمد شاكر: اللهم فرجاً منك لضيقى. يرد لى ولدى ويطفئ نار قلبى. اريد أن ارتاح. وأشعر ان الجبل الذى على اكتافى قد انزاح….. أين انتِ أيتها الحرية. ابحث عن ولدى بين دروبك فلم أجده. وأبى لسانى ان ينطق بكلمة.. اسعفينا ياحبيبة محمد وعلمينا ياعروس عيسى.. اه لغيابك تقطعت بى السبل. ربى إليك أشكو ضعفى وقلة حيلتى. وارفع إليك دعوتى. أريد الأطمئنان عليك ياقرة عينى. ضعفى وعجزى قد قتل كل جميل بداخلى. ولا أجد سوى دموعى تخنقنى. وعدت ادراجى انزوى فى ركنى.. سأظل اطرق بابك ياربى فأنت الملاذ وليس لى سواك ياالله ياالله ياالله.
ويواجه الصحفي أحمد شاكر اتهامات بنشر أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، مشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها.. وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض عليه من منزله بمدينة طوخ بالقليوبية، فجر الخميس 28 نوفمبر ٢٠١٩.
وإذا كان أحمد شاكر قد اقترب من إتمام عام كامل بالحبس الاحتياطي، فإن إسراء عبدالفتاح قد أكملته بالفعل بل وتجاوزته، منذ القبض عليها مساء 12 أكتوبر عام 2019، وإحالتها للتحقيق وحبسها باتهامات الإرهاب.
قصة إسراء مع الاعتقال بدأت مساء 12 أكتوبر 2019 عندما كانت تقل سيارتها بصحبة صديقها محمد صلاح، عندما استوقفتها سيارة تابعة للأمن وقامت بخطفها من منتصف الشارع واقتيادها لجهة غير معلومة.
ألقت قوات الأمن القبض في البداية على محمد صلاح أثناء وجوده معها، لكن أطلقت سراحه واحتفظوا بإسراء، قبل أن يتم القبض على صلاح والمصورة سولافة مجدي والمصور حسام الصياد أصدقاء إسراء لاحقا وحبسهم في 26 نوفمبر 2019.
ظهرت إسراء في اليوم التالي بمقر نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس، وعلى جسدها آثار ضرب وتعذيب، حتى اتهمت ضباط بالأمن الوطني في أقوالها بضربها وتعذيبها لسحب الاعترافات ومعرفة الرقم السري الخاص بهاتفها.
وتروي صفحة “الحرية لإسراء” تفاصيل تعذيبها، وتقول “تعرضت للضرب والخنق والتعليق لرفضها فتح هاتفها أثناء تواجدها بأحد مقرات الأمن الوطني، حيث طلب منها أحد الضباط إعلامه بكلمة سر هاتفها، وعندما رفضت بدأوا في تهديدها، وانتهى الأمر بضربها ضربا شديدا من خلال مخبرين مفتولي العضلات”.
وأضافت: “عاد الضابط إلى الغرفة، ورفضت إعلامه بكلمة السر، فأجبرها على خلع سترتها الرياضية وبدأ بخنقها لدرجة الموت، وأخبرها بأن حياتها مقابل كلمة السر، ما دفعها لإخباره بها”.
وأكملت الصفحة: “لم يتوقف التعذيب، بل ظلت معلقة لمدة 8 ساعات تقريبا، تم استجوابها فيها أثناء التفتيش في هاتفها وتطبيقات التواصل، وسؤالها عن علاقتها بأشخاص من الذين تتواصل معهم”.
وفي ذلك اليوم أمام النيابة أعلنت إسراء دخولها في إضراب عن الطعام لحين التحقيق مع الضابط المتهم بتعذيبها وسماع أقوالها كمجني عليها، ولكن تراجعت عن الإضراب بعد أسابيع بسبب سوء حالتها الصحية.
وأدرجت نيابة أمن الدولة إسراء متهمة على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، مع عدد كبير من الصحفيين والسياسيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وتواجه إسراء على هذه القضية، اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها.
ظلت إسراء رهن الحبس الاحتياطي على ذمة القضية المعروفة إعلاميا باسم “فخ اصطياد المعارضين”، حتى فوجئت ذات يوم بترحيلها من محبسها إلى نيابة أمن الدولة العليا، كانت على موعد مع التدوير في قضية جديدة.
وفي 31 أغسطس الماضي، قال المحامي الحقوقي نبيه الجنادي، إن إسراء عبد الفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر، وصلا إلى نيابة أمن الدولة العليا، اليوم الاثنين، للتحقيق معهما في قضية جديدة.
وخلال هذه المدة، نهاية شهر أغسطس وبداية شهر سبتمبر، جرى اتهام عدد من المعتقلين على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة. ومن بين الذين تم اتهامهم في القضية الجديدة، المحامية ماهينور المصري، الصحفية سولافة مجدي، المحامي عمرو إمام، والناشط السياسي محمد صلاح وأخيرا رضوى محمد.
وقال الجنادي “إسراء دافعت عن نفسها بشكل رائع وأثبتت أنها ليس لها علاقة بأي جماعة إرهابية أو إنها شاركت في أي اتفاق، وأنها محبوسة احتياطيًا وغير مسموح لها بالتريض مع أي شخص”.
وأضاف “إسراء كانت بتوصل رسالة لوالدتها وأهلها إنها مش مرعوبة وإنها ثابتة وقوية، وأنها مش علي راسها بطحة عشان تترعب”.
وكانت آخر رسائل إسراء من داخل محبسها والتي جاءت في فترة تعليق الزيارات بسبب إجراءات فيروس كورونا، وحملت جانبا كبيرا من الألم الذي تتعرض له إسراء.
وقالت: “أنا زهقت ويئست وفقدت الأمل في خروجي قريبا، مش عارفة أخرج امتى، وأقصى طموحاتي الجلسات ترجع عشان أقدر أشوف ناس تانية غير اللي بشوفها كل يوم”.