افتكروهم| الصحفي سيد عبد اللاه وعامين من الحبس والتدوير: غياب اضطراري يعمق جراح 3 أطفال وأمهم (مستنينك تخرج يا سيد)
كتب- درب
“مش سهل عليا تاني عيد ميلاد ليك وأنت مقيد الحرية، متأكدة أنه هييجي يوم نحتفل بكل المناسبات اللي فاتتنا، ده إحنا فاتنا كتير قوي، قد إيه وحشاني القعدة معاك”، كلمات بسيطة لكنها موجعة، ومعبرة عن حال أسرة ما تزال معاناتها مستمرة لما يقارب عامين حتى الآن، بعد حبس عائلها الوحيد بسبب ممارسته مهنته.
جاءت هذه الكلمات في آخر رسالة وجهتها الزميلة أمنية فوزي، زوجة الصحفي سيد عبد اللاه، المدرج على القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، وظل رهن الحبس الاحتياطي على ذمتها، حتى قرار المحكمة بإخلاء سبيله دون تنفيذ، قبل أن يتم إعادة حبسه في قضية جديدة تحمل رقم 1106 لسنة 2020 حصر أمن دولة، باتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية.
آمال مستمرة بإخلاء سبيل سيد عبد اللاه، عززها أطلقت قوات الأمن سراح 4 صحفيين من المحبوسين في قضايا سياسية خلال الفترة السابقة، وهم الصحفية إسراء عبد الفتاح، الكاتب الصحفي جمال الجمل، والصحفيين معتز ودنان ومصطفى الأعصر، وهو الأمر الذي رآه كثيرون بادرة إيجابية، بينما ما يزال أهالي سجناء الرأي يمنون أنفسهم بأن تشمل هذه الخطوة ذويهم في أقرب وقت.
طفلان بعمر الـ”100 عام”.. نسينا شكل بابا
يمر العيد تلو الآخر، والمناسبة تلو الأخرى، ويستمر غياب عبد اللاه عن أسرته، بسبب ظروف حبسه، إلا أن زوجته لا تكف عن المطالبة بالإفراج عنه، تستغل كل مناسبة للحديث عنه ولمواساته في محنته، وللتخفيف على طفليهما اللذين ما يزالان لم يستوعبا غياب والدهما طوال هذه الفترة، ويواصلان السؤال عن موعد عودته، حتى تعود الابتسامة إلى وجهيهما الصغيرين، ويفرحان بوجود والدهما في حضنهما، مثل باقي الأطفال في عمريهما.
في مارس الماضي، كانت الزيارة الأولى التي تواجد فيها الطفلان لرؤية والدهما في محبسه، تحكي أمنية تفاصيلها قائلة: “الأولاد كانوا في حالة بكاء شديد، وسيد بطبعه يحاول يحتوينا مهما كانت معاناته، قواهم بكلامه، ووعدهم أنه راجع قريب، لكن مفيش أي فائدة، والأولاد مصرين أنه يروح معهم”.
وأوضح: “سيد شعر بالوجع لما شاف الأولاد، وخصوصا إياد لأنه مشافهوش من سنة و3 شهور، وقال لي: الولاد كبروا، وكانت في عيونه نظرة ألم وحسرة”.
وعبرت الزوجة عن معاناة طفليها، قائلة “خرجوا من الزيارة أكبر من عمرهما الحقيقي بـ100 سنة، وطول الطريق بكاء وحزن، وسؤال لا ينقطع هنروح لبابا أمتى؟”، ونقلت عن ابنها إياد قوله: “أنا كنت نسيت وش بابا، شكرا أنك وديتيني أشوفه”.
قضية وتدوير وأزمة صحية
وكان الزميل عبد اللاه تم القبض عليه في سبتمبر 2019 من محافظة السويس، أثناء قيامه بمهام عمله ونقل أخبار وتفاصيل أحداث 20 سبتمبر. وجرى التحقيق مع عبد اللاه وإدراجه على القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، وظل رهن الحبس الاحتياطي على ذمتها حتى قرار المحكمة بإخلاء سبيله دون تنفيذ.
كما واجه عبد اللاه، في ثاني قضاياه، والتي تحمل رقم 1106 لسنة 2020 حصر أمن دولة، اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية.
تعرض عبد اللاه لحالة إعياء شديدة في محبسه، دخل معها في موجة اكتئاب، فكتب رسالة إلى زوجته قائلا: “أنا مش محتاج غير إني أخرج أخدكم في حضني، وأنا في المستشفى ماكنتش بفكر غير فيكي وفي الأولاد وأنا محتاج لكم”.
تقول أمنية عن خطاب زوجها: “كلمات جوابه عصرت قلبي عليه، والله ما قادرة أروح أشوفه كده، لأني وصلت لمرحلة الانهيار، وأولادي بيصلوا ويدعوا أنه يخرج يقضي معاهم العيد، وبيقولوا لي عايزين يكون عندنا أب زي أصحابنا، لدرجة لو شافوا طفل مع أبوه بيبكوا”.
زيارة العيد.. احتفال وراء أسوار الزنزانة
زيارات السجون هي أكثر ما يهون على المحبوسين معاناتهم، لكنها في الوقت ذاته قد تكون أكثر إيلاما لبعضهم، وهو ينظرون إلى زوجاتهم وأبنائهم، بينما تمنعهم أسوار الزنازين من قضاء سوى بضع دقائق معهم، تعود الأسرة بعدها من دونهم، ويعودون هم إلى زنازينهم، يقتلون الوقت بالتفكير في لحظة الخروج.
وفي 21 يوليو الماضي، روت أمنية تفاصيل الزيارة الأخيرة لزوجها في محبسه، قائلة: “كنت في زيارة زوجي وحبيبي الصحفي سيد عبد اللاه، وأخدت الولاد يعيدوا على باباهم، وطبعا مشهد مبكي للقلوب قبل العيون”.
وأضافت: “أول مرة أشوف سيد بالحالة دي، مش لاقية كلام معبر عن الحالة اللي شوفته فيها لدرجة بيحاول يهرب بيعينه مني علشان عارف أني هفهمه من نظرة عينه بيردد كلمتين للولاد يسكتهم من إلحاحهم عليه بالدموع أنه يخرج يقضي العيد معاهم، وهو حاضر هاجي وهنعيد وهاخدكم في حضني، بابتسامة حزينة أو بمعنى أصح تمثيل ابتسامة”.
وتابعت “طلبت منه الاهتمام بنفسه والأكل قالي أكل إيه، أنا مباكلش أنا برجع دم، وكانت الصدمة اللي نزلت عليا، ليه مالك برده ما أخدتش إجابة منه غير أنا تعبان، كلمته لسه بترن في ودني (أمنية أنا تعبان) قلت له الناس بتخرج والله، هز راسه بلا مبالاة”.
واستكملت “الولاد أصروا يسلموا عليه وطبعا بعد إلحاح مننا وافقوا يسلم على الولاد، أول مرة سيد مايشلهمش المرة دي قعد على ركبته، وأخد الولاد في حضنه وهو مغمض عينه، والولاد جوه حضنه بيستنشقوا ريحته، وأنا على بُعد خطوة لكن مقدرش أقرب لكن ترجيتهم أبوس أيده بس، وفعلا مديت أيدي يا دوب أطراف أصابعه وبوست أيده أخيرا، وهو باس راسي، كل ده في ثواني معدودة، وخرج الولاد واتقفل عليه الباب تاني، وكملنا كلامنا من ورا السلك تاني”.
وتمني أسرة عبد اللاه نفسها بخروجه في وقت قريب، ضمن موجة إخلاءات سبيل عدد من سجناء الرأي في الفترة الأخيرة، لإعادة لم شمله وزوجته وصغيريه، بعد أشهر من الغياب “الاضطراري”، تقول أمنية: “إحنا محتاجين له جدا خلاص بيت من غير أب وزوج يعني جسد بلا روح، يعني جحيم يعني حياة ملهاش أي معنى، يعني نفس زوجة وأولاد مكسورة، كفاية ٣ أطفال من غير أب سند ما يقرب من لسنتين”.