إلهامي الميرغني يكتب: ملاحظات حول زيادة الأجور في القطاع الخاص خلل علاقات العمل وانفلات الأسواق ( 1 )
هلل البعض بصدور قرار المجلس القومي للأجور برفع الحد الأدني للأجور من 2,700 جنيه شهرياً إلي 3,000 جنيه شهرياً وبزيادة 300 جنيه (9.7 دولار) وفي ظل غلاء اسعار وصل إلي 34% في شهر مايو وكان قد بلغ 40% في فبراير الماضي.
تقرير دار الخدمات النقابية والعمالية بعنوان ” العمال الصوت الغائب – تقرير حول انتهاكات الحريات النقابية لعام 2022″ رصد حوالي 10,634 انتهاك من بينها 9,200 بسبب مشاكل الأجور وهي تمثل 85.5% من المشاكل العمالية في عام 2022 وكلها تخص العمال في القطاع الخاص، منهم 6,762 بسبب تأخر صرف الأجور، 2,438 بسبب خصم المرتب وتخفيض منحة العيد وإلغاء منحة الغلاء.
وتستمر الأجور كسبب رئيسي للإحتجاجات العمالية وأخرها إضراب العاملين في مكتب هيئة الإذاعة البريطانية بالقاهرة، لمدة يوم واحد، اعتراضاً منهم على معاملة الإدارة التمييزية تجاه المصريين، الذين تقل رواتبهم بحوالي ستة أضعاف عن متوسط رواتب نظرائهم في مكاتب الهيئة في الدول الأخرى. ورغم زيادة أجورهم 27% إلا أنهم اعتبرو ان 10% منها هي علاوة شملت كل العاملين باجر وان الزيادة 17% لا تغطي الزيادة في الأسعار إضافة الي المعاملة التمييزية ضد المصريين ومنح أجور أعلي للموظفين الأجانب والموظفين في المكاتب الخارجية. لذلك تشكل مشاكل الأجور محور الصراع الرئيسي بين العمال وأصحاب العمل في مصر والعالم. وأحاول خلال هذا المقال التعرف علي بعض الجوانب المرتبطة بقضية الأجور في القطاع الخاص.
نظرة إلي سوق العمل في مصر عام 2020 نجد أن العمال في الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام يبلغ عددهم 5.5 مليون يشكلون 29% من المشتغلين بأجر في مصر بينما يعمل 13.3 مليون عامل في القطاع الخاص يشكلون 70% من المشتغلين بأجر ونجد 37% من المشتغلين بأجر يعملون في القطاع الخاص المنظم بينما 34% يعملون في القطاع الخاص غير المنظم وأجورهم بعيدة تماماً عن كل ما نتحدث فيه ومحرومين من كل أشكال الحماية الاجتماعية.
1- المجلس القومي للأجور
لكي تستقيم الأمور يجب ان يتغير أسم المجلس ليكون المجلس القومي للأجور والأسعار وليس للأجور فقط لأننا إذا لم نربط بين الأجور والأسعار نصمت علي تآكل القدرة الشرائية للأجور في ظل معدلات الغلاء المرتفع والأسواق المنفلته. إضافة الي أن قرارات المجلس غير ملزمة وحتي الآن لم يلتزم أصحاب العمل في مئات المشروعات بتطبيق الحد الأدني السابق 2,700 جنيه، إضافة إلي عدم صرف العلاوة الدورية التي أقرها القانون وأي علاوات لمواجهة غلاء المعيشة. لذلك نحتاج الي اعطاء قوة للمجلس وإلزام بتنفيذ قرارته لكي لا تصبح مجرد حبر علي ورق مع وضع عقوبات رادعة لأصحاب العمال الممتنعين عن تطبيق الحد الأدني وصرف العلاوة الدورية في موعدها.
وإذا كانت الدولة قد رفعت اجور موظفي وعمال الحكومة الي 3,500 جنيه في مارس الماضي واستمرت أجور عمال القطاع الخاص ثابته عند 2,700 جنيه ولم تتغير حتي تم رفعها 300 جنيه. وهنا أتوقف لنسأل هل ارتفع سعر زجاجة الزيت أو كيلو الأرز أو اللحوم المجمدة أو الأدوية أو أجرة النقل العام والخاص او أسعار الأدوية والكهرباء والغاز علي عمال الحكومة فقط بينما يحصل عليها عمال القطاع الخاص وأصحاب المعاشات بسعر مختلف ؟!
2- أصحاب العمل وتكلفة الأجور
يقبل أصحاب العمل اي زيادات في كل عناصر تكاليف الإنتاج الثابتة والمتغيرة عدا الأجور. وعندما يصل الحديث عن الأجور يرفع أصحاب العمل سيوف التوقف والإغلاق ويستخدمون التهديد والوعيد وكأن الأجور هي سبب كل المشاكل وزيادتها تسبب التعثر. أصحاب العمل يقبلون صامتين زيادات سعر الدولار والسولار والكهرباء والغاز الطبيعي وزيادة الضريبة الجمركية ولا نسمع لهم صوت غير المطالبات بالمزيد من الإعفاءات والدعم. وعندما يصل الحديث عن الأجور وهي أحد عناصر التكلفة في اي مشروع نجدهم يرفضون الزيادة ويرفضون منح العلاوات بينما يرفعون أسعار منتجاتهم بشكل مبالغ فيه وفي ظل غياب أي ضوابط لتحديد هوامش الربح في سوق منفلت و يعاني منه العمال ايضاً كمستهلكين بينما يضخمون من الحديث عن الأجور وان اي تحريك لها يقود للتعثر والتوقف والإفلاس.
لذلك نسالهم كم تبلغ نسبة الأجور من تكاليف الانتاج وكم تبلغ نسبة الخامات أو الطاقة أو تكلفة النقل ؟! إن اصحاب العمل يعتبرون أن الأجور هي بند التكلفة الوحيد الذي يتحكمون فيه في ظل غياب التنظيمات النقابية العمالية المدافعة عن حقوق العمال والقادرة علي التفاوض.
3- هامش الربح
يرفض أصحاب العمل أي تحديد قانوني لهامش الربح سواء في الانتاج السلعي للمنتجات الزراعية والصناعية او في القطاع التجاري او في السلع المستوردة ويحققون مليارات في ظل غياب أي رقابة علي الأسواق وأي تحديد لهامش الربح.
– عام 2017 طرح النائب ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة، مشروع قانون “تحديد نسب الربح” مما أثار جدلا واسعا بين الغرف التجارية بعد ما اعتبرته بمثابة عودة لـ”التسعيرة الجبرية”، متحججة فى ذلك بأنه لا يمكن تنفيذه بأوضاع السوق الحالية ومتغيرات سعر الدولار.
– عام 2020 أقام عبدالله ربيع المحام دعوى قضائية أمام مجلس الدولة تطالب بإلزام الدولة بتحديد أسعار السلع والمنتجات والخدمات الاستراتيجية، وتحديد هامش ربح من إجمالى تكلفتها الحقيقية. وذكرت الدعوى، رقم 30779 لسنة 67 قضائية، أن تحديد أسعار السلع والمنتجات والخدمات الاستراتيجية يقضى على الاحتكار والزيادات المفاجئة للأسعار يوميا. وأضافت الدعوى أن جميع الدول الأوروبية تعمل بتحديد هامش ربح لتلك الأسعار، ومحدد من قيمة السلعة الأساسية، وتطبيقه بمصر أصبح ضروريا للقضاء على جشع التجار وزيادة الأسعار. ورغم ذلك رفضت الدعوي ليستمر اصحاب العمل في رفع الأسعار دون ضوابط.
– الجزائر علي سبيل المثال بها قانون يحدد السعر الأقـصى عند الاسـتهلاك وكذا هوامش الربح القـصوى عــند الإنــتــاج والاستــيــراد وعنـد التوزيـع بالجملة والتجزئة لمادتي الزيت الغـذائي المكـرر العادي والسكر الأبيض.(المرسوم التنفيذي رقم 21-283 المؤرخ في 5 أكتوبر 2021)
– تقرير المجلس الأعلى للحسابات بالمغرب في مارس عام 2023 ، أوضح إن هامش ربح الصيادلة في المغرب على الأدوية التي يساوي ثمنها أو يقل عن 166 درهما في المصنع دون احتساب الرسوم يصل إلى 57 %؛ في حين أن هامش ربح الصيادلة في دول متقدمة ذات قدرة شرائية أعلى لا يتعدى 6.42 %، كما هو الحال في بلجيكا، و21.4 % في فرنسا، بينما لا تتجاوز النسبة في البرتغال 5.58 %. إذن دول العالم الرأسمالي تضع هوامش للربح لا يمكن تجاوزها ولا يعد ذلك تدخل في حرية السوق.
لذلك فإن صدور قوانين تحدد هامش الربح المناسب والذي يحقق تغطية التكاليف الحقيقية دون مبالغة وتحقيق عائد مناسب يحقق الاستمرار وضمان تحقيق الاستدامة بشكل يحفظ حقوق المستهلك وحقوق اصحاب العمل ويضبط أداء السوق ويضع عقوبات صارمة للخارجين علي القانون لجني أرباح إحتكارية مبالغ فيها.
4- تنظيماتنا وتنظيماتهم
يملك أصحاب العمل العديد من التنظيمات القوية مثل الغرف التجارية واتحاد الصناعات ذات الصوت المسموع والقادرة علي توجيه التشريعات والسياسات بما يخدم مصالحهم، ولديهم جماعات ضغط قادرة علي التأثير علي صنع القرار، ولهم ممثلين في المجالس التشريعية يضعون ويدعمون التشريعات التي تحافظ علي مصالحهم وتعظم أرباحهم مع توفير الدعم اللازم لهم والإعفاءات والاستثناءات بدعوي الحفاظ علي الانتاج.
علي الجانب الآخر تفتقد مصر للتنظيمات النقابية العمالية المعبرة عن حقوق ومصالح العمال، ويوجد في مصر اتحاد عمال حكومي لا يعبر عن العمال ولم يدافع عن حقوق العمال علي مدي تاريخه وهو جزء من السلطة التنفيذية ويتم اختياره بشكل أقرب للتعيين منه الي الانتخاب وفي ظل حرمان الآلاف من النقابيين من الترشح بداية للانتخابات العمالية. واتحاد العمال الحالي لا يمثل أكثر من 20% من المشتغلين بأجر في مصر بينما يوجد 80% من العمال بلا نقابات وبلا حقوق وبلا مفاوضة مع أصحاب العمل. لذلك نحتاج الي رفع القيود والتدخلات علي تشكيل النقابات العمالية ودعمها كمفاوض بأسم العمال دون تدخل من جهات الإدارة وجماعات الضغط. لن تستقيم علاقات عمل لائقة وأجور عادلة الا بتوافر نقابات مستقلة يشكلها العمال بإرادتهم الحرة ودون تدخلات من أصحاب العمل أو جهات الإدارة او الأجهزة الأمنية.
لذلك تظل أزمة اجور العمال في القطاع الخاص مشكلة في ظل غياب التنظيمات العمالية الحقيقية القادرة علي الدفاع عن شروط عمل لائق وأجور مناسبة والقادرة علي دعم استمرار الانتاج. العامل هو أساس ثروة أصحاب العمل، الخامات وحدها لا تصنع القيمة والالات والمعدات لا تصنع القيمة ولكن قوة العمل هي التي تحقق القيمة المضافة التي يرغب اصحاب الاعمال في الحفاظ علي الجزء الأكبر منها دون اهتمام بتحسين الأجور ليستمر العمال قادرين علي الانتاج وحريصين عليه. بدون ذلك تصبح كل الإجراءات شكلية بعيداً عن أرض الواقع.
أما الحديث عن الجوانب الاقتصادية لرفع الأجور في القطاع الخاص فيحتاج لمقال آخر.