إلهامي الميرغني يكتب: صفحات من تاريخ مصر
تاريخ مصر سلسلة متضفرة بدقة شديدة، كنت استغرب عبقرية الشاعر جمال بخيت لما قال على عم بطاطا المصري: “وبيصبر ع الجار السو، خمسين سنة ويقول دول فكة”.
قوة تحمل غير عادية، تخيل أن عصابات المماليك المرتزقة اللي كانوا في خدمة الملك الصالح أيوب واتقلبوا عليه حكموا مصر 267 سنة.
تخيل العصابات دي حكمت ما يقرب من 3 قرون في دولة المماليك البحرية ثم دولة المماليك الجراكسة، إلى أن جاء الحكم العثماني، ولكن ظل نفوذ المماليك قائم وموجود بعد قتل السلطان الغوري وأعدام طومان باي.
مصر كان ممكن تختار مصري يحكمها قائد وزعيم، وللأسف عمر مكرم قائد ثورة القاهرة ضد الفرنسيين، ونقيب الأشراف لم يطرح نفسه وهو القائد ولكنه ذهب إلى محمد علي باشا تاجر الدخان الألباني، وطلب منه حكم مصر.
وزي ما علمونا في كتب التاريخ والبسه العمامة والكرك (عباية) وولاه حكم مصر بقوة الشعب المصري، وإرادته اللي عبر عنها عمر مكرم، إيه الزهد في السلطة ده يا عم عمر وديتنا في داهية.
كمان محمد علي أول حاجة عملها لما تولي حكم مصر هو نفي السيد عمر مكرم من القاهرة إلى دمياط ثم إلى طنطا، خوفا من نفوذه أو لو فكر في حكم مصر باعتباره الأحق.
محمد علي عزم أمراء المماليك بمناسبة تعيين ابنه طوسون قائد الحملة إلى الحجاز للقضاء على الوهابيين، وعمل مذبحة عرفها التاريخ بمذبحة القلعة وقتل فيها أكثر من 480 من أمراء المماليك.
والتاريخ بيقول: “واستتب حكم مصر لأسرة محمد علي”.
تخيلوا محمد علي حكم مصر كام سنة؟
محمد علي حكم مصر من 1805 إلى 1845، يعني ركب علي عرش مصر لمدة أربعين سنة، والشعب هو اللي عمل ثورة ليتخلص به من حكم المماليك وطغيانهم واستبدادهم.
لكن طلع محمد علي أكثر طغيانا واستبداداً وطموحه في بناء دولة كبرى علشانها مص دم الشعب المصري بضرائب فوق طاقتهم لتمويل أحلامه الفاشلة، 40 سنة راقد أو راكب على نفس مصر.
وزي جمال بخيت ما قال: “وبيصبر ع الجار السو، خمسين سنة ويقول دول فكة”.
وياما شافت مصر إغريق ورومان وبيزنطيين ومحمد علي وعياله وأحفاده، ولكن كل ده خلص وبقيت مصر وشعبها الصامد الصابر.
وفي موضع آخر يقول العبقري جمال بخيت:
عم بطاطا لذيذ، ومعسل، عمره ما طاطا لغير الله
عمره ما طاطا لغير الله
لما الدنيا بتقسى يمثل إنه خلاص سلّم لقضاه
قال إيه خلاص سلّم لقضاه
وفي موضع آخر:
عم بطاطا بيمشي في حاله، علشان رزقه ورزق عياله
غصبٍ عنه يقف يتكتّف، بس بيكيفه يفك حباله
آه، يفك حباله
ولابد من يوم معلوم يفك حباله زي ما بشرنا عمنا جمال بخيت.