إلهامي الميرغني يكتب: تأملات في مشروع الموازنة الجديدة.. 2- التعليم
توجد التزامات بنسب محددة في دستور 2014 للإنفاق علي التعليم هي 4% للتعليم قبل الجامعي و 2% للتعليم الجامعي و 1% للبحث العلمي من الناتج القومي.أي 7% ولكن الحكومة في البيان المالي التحليلي اللي قدمته لمجلس النواب موجود فيه تصنيف الموازنة بالتصنيف الوظيفي، وفيه المخصص للتعليم 172.6 مليار جنيه (صفحة 103 من البيان التحليلي لموزنة 2021/2022 جدول رقم ( 2 -أ ) تطور المصروفات مقارنة بالسنوات السابقة ).
لكن البيان المالي في صفحة 57-58 ذكر وزير المالية أرقام مختلفة حيث يذكر أن مخصصات التعليم قبل الجامعي 256 مليار جنيه ، والتعليم الجامعي 132 مليار جنيه والبحث العلمي 64 مليار جنيه. وهذه الأرقام تزيد بقيمة 279.4 مليار جنيه عن الوارد في مشروع الموازنة بالتقسيم الوظيفي.
إن الفرق بين الرقمين ليس مليون أو مليار جنيه بل 279.4 مليار، ولم يذكر في البيان المالي أو في البيان التحليلي أية تفاصيل عن مكونات هذه الأرقام ليطلع الرأي العام – وهذا حقه – علي القيمة الفعلية للإنفاق علي التعليم، لذلك نحاول متابعة تطور قيمة الانفاق علي التعليم وتوزيعه علي مختلف بنود المصروفات خلال فترة زمنية تمتد من 2007/2008 إلي مشروع موازنة 2021/2022 .ونجد الآتي :
– بمقارنة الإنفاق علي التعليم بالتقسيم الوظيفي إلى إجمالي المصروفات وإلى الناتج المحلي الإجمالي المذكور في مشروع الموازنة وهو أقل من الناتج القومي الإجمالي المحدد في دستور 2014.
– ارتفع الانفاق علي التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي والبحث العلمي من 30.7 مليار جنيه في 2007/2008 إلي 99.3 مليار جنيه في موازنة 2015/2016 ورغم توقيع اتفاق صندوق النقد الدولي وتعويم سعر صرف الجنيه ارتفع الانفاق علي التعليم في موازنة 2017/2018 إلي 106.6 مليار جنيه فقط ووصل في مشروع موازنة 2021/2022 إلي 172.6 مليار جنيه.
– ولكن لنعيد تقييم هذه القيمة التي ارتفعت من 31 مليار الي 173 مليار بين 2007/2008 و 2021/2022 علينا أن نقيس هذه الزيادة النقدية منسوبة إلى متغيرين هما إجمالي مصروفات الموازنة والناتج المحلي الإجمالي.
– انخفضت أهمية الانفاق علي التعليم إلى إجمالي مصروفات الموازنة العامة للدولة من 12.7% من المصروفات في 2007/2008 إلي 9.4% في مشروع موازنة 2021/2022. مما يعني أن رقم الزيادة النقدية في المخصص للإنفاق علي التعليم تتناقص أهميته لإجمالي مصروفات الموازنة رغم معدلات التضخم وسعر الصرف وزيادة عدد التلاميذ.
– كما انخفضت أهمية الانفاق علي التعليم والبحث العلمي إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال نفس الفترة من 3.6% إلي 2.4% هذه هي الحقيقة بدون الاضافات والتحابيش التي يضيفها وزير المالية لاستكمال النسب.
هيكل الانفاق علي التعليم
يتوزع الانفاق علي التعليم في الموازنة وفقاً للتقسيم الاقتصادي إلى ستة أبواب هي الأجور وشراء السلع والخدمات وفوائد القروض والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية والمصروفات الأخري والاستثمارات . وبمتابعة أهمية كل بند إلى إجمالي المخصص للإنفاق علي التعليم نجد الآتي :
– رغم زيادة قيمة بند الأجور من 23.5 مليار جنيه في 2007/2008 إلي 115.4 مليار جنيه في مشروع موازنة 2021/2022 ، إلا أن الأهمية النسبية للأجور لإجمالي الانفاق علي التعليم تراجعت من 77% إلي 67% .
– الانفاق علي شراء السلع والخدمات انخفض من 11% من الانفاق علي التعليم الي 8%.
– لكن ارتفعت أهمية الاستثمارات والتي تشمل المباني المدرسية والجامعية من 3.4 مليار جنيه إلي 23 مليار جنيه. وارتفعت اهمية الاستثمارات من 11% إلي 23%. ورغم ذلك يوجد ارتفاع في كثافة الفصول بما ينعكس علي كفاءة العملية التعليمية إضافة إلى عمل بعض المدارس لفترتين دراسيتين وثلاث فترات ووجود قري محرومة من أي نوع من التعليم.
– تطورت الكثافات في الفصول بشكل مقلق ففي العام الدراسي 2011/2010 كانت كثافة الفصول في الابتدائي الحكومي 43.8 تلميذ /فصل وفي الابتدائي الخاص 32.9 تلميذ /فصل، ارتفعت في العام الدراسي 2021/2020 إلي 55 تلميذ /فصل في الحكومي و 33.4 تلميذ /فصل في التعليم الخاص.
– كما تطورت الكثافات في الفصول بالمرحلة الاعدادية ففي العام الدراسي 2011/2010 كانت كثافة الفصول في الاعدادي الحكومي 41.2 تلميذ /فصل وفي الإعدادي الخاص 30.3 تلميذ /فصل ، ارتفعت في العام الدراسي 2021/2020 إلي 50.3 تلميذ /فصل في الحكومي و 30.7 تلميذ /فصل في التعليم الخاص وبما يعكس الفرق الواضح بين التعليم الحكومي والخاص.
– كذلك تطورت الكثافات في الفصول بالمرحلة الثانوية العامة ففي العام الدراسي 2011/2010 كانت كثافة الفصول في الثانوي العام الحكومي 37.9 تلميذ /فصل وفي الثانوي الخاص 27.6 تلميذ /فصل ، ارتفعت في العام الدراسي 2021/2020 إلى 43.7 تلميذ /فصل في الحكومي و 33.3 تلميذ /فصل في التعليم الخاص وبما يعكس الفرق الواضح بين التعليم الحكومي والخاص.
– تطورت الكثافات في الفصول بالمرحلة الثانوية الصناعية ففي العام الدراسي 2011/2010 كانت كثافة الفصول في الثانوي الصناعي الحكومي 34.2 تلميذ /فصل وفي الثانوي الخاص 29.5 تلميذ /فصل ، ارتفعت في العام الدراسي 2021/2020 إلى 38.4 تلميذ /فصل في الحكومي و 28.9 تلميذ /فصل في التعليم الخاص وبما يؤكد التوجه للقطاع الخاص.
– كذلك يمكننا ان نلاحظ ان عدد المدارس الحكومية انخفض من 88.1% إلى اجمالي المدارس عام 2006/2005 إلي 84.1% في عام 2021/2020 وبما يعكس تراجع عدد مدارس الحكومة لصالح القطاع الخاص . صاحب ذلك انخفاض أعداد التلاميذ والمعلمين في المدارس الحكومية لصالح القطاع الخاص.
تكلفة علاج كثافة الفصول
كما أوضحنا يعاني التعليم الحكومي من ارتفاع كثافة الفصول بما ينعكس علي جودة ومخرجات التعليم الحكومي مقابل التعليم الخاص. وقد جاءت تصريحات وزير التعليم اننا بحاجة إلى 100 ألف فصل لتخفيض كثافة الفصول وهو ما يحتاج إلي 130 مليار جنيه استثمارات اضافية غير متوفرة إضافة لمشكلة توافر أراضي البناء .( جريدة المال – أحمد عاشور – التخطيط” توضح كيف يتم خفض كثافة المدارس من 47 طالبًا لكل فصل إلى 46″ – 18 إبريل 2020) وبذلك أعلنت الوزارة عجزها عن توفير الاعتمادات اللازمة لبناء الفصول التي تقلل الكثافات رغم ارتفاع مخصصات الاستثمار في موازنة التعليم خلال السنوات الأخيرة ولكن ليس بهدف تغطية مشاكل العجز وتخفيض الكثافات.
باتت الوزارة في حاجة ملحة لإنشاء ٦٠ ألفا و٨٤٠ فصلا لمواجهة ارتفاع الكثافات داخل الفصول وإنشاء ٥١ ألفا و٦٥٤ فصلا للقضاء على أزمة الفترات الممتدة (الصباحي والمسائي)، وكذلك إنشاء ٣٥ ألفا و٦٨٠ فصلا في القرى والمناطق المحرومة من المدارس، وإنشاء ٣١ ألفا و٧١٢ فصلا لاستيعاب الأطفال البالغين ٤ سنوات في رياض الأطفال، وإنشاء ١٩ ألفا و٤٦ فصلا للقضاء على أزمة المدارس المؤجرة والمدارس المغلقة، وكذلك تحتاج الوزارة إلى إنشاء ١٢ ألفا و٣٤٠ فصلا مدرسيا لحل أزمة الفصول المتهالكة التي تحتاج إلى هدم وإعادة إنشاء (إحلال وتجديد) وتحتاج أيضا إلى إنشاء ١٠ آلاف و٨١٥ فصلا لطلاب التربية الخاصة (الطلاب ذوي الإعاقة)، كما تحتاج الوزارة إلى ١٧ ألف فصل سنويا بسبب أزمات زيادة أعداد الطلاب المتقدمين للدراسة وهي زيادة سنوية متكررة. أي اننا بحاجة إلى 239 ألف فصل لمواجهة مشكلة الكثافات إضافة إلى 17 ألف فصل سنوياً لمواجهة زيادة أعداد التلاميذ.
وقدرت هيئة الأبنية التعليمية تكلفة الفصل بنصف مليون جنيه أي اننا بحاجة الي 120 مليار جنيه لحل مشكلة الكثافات .
لكن بدلاً من توفير مبلغ ال 120 أو 130 مليار جنيه لحل مشكلة كثافة الفصول في المدارس الحكومية نذهب لاستثمار 360 مليار جنيه في القطار المعلق الذي يخدم شريحة صغيرة من السكان ونحجب التمويل عن التعليم والاستثمار فيه لصالح القطاع الخاص.
وما يؤكد مخاوفنا خطوة جديدة اتخذتها وزارة التربية والتعليم، تجاه أزمة الكثافات الطلابية في بعض المناطق بالقاهرة ومحافظات الدلتا والوجه البحري وصعيد مصر، ولتغطية مناطق بالمجتمعات العمرانية الجديدة بطرح المرحلة الثانية من المشروع القومي لبناء وتشغيل 1000 مدرسة متميزة جديدة، بنظام الشراكة مع القطاع الخاص
.وتشاركت كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة المالية في إنهاء كل إجراءات طرح المرحلة الثانية من المشروع القومي يوم 18 أكتوبر 2020، على أن يتم البدء في بناء المدرس عقب تقديم الدعوة للشركات والتحالفات الراغبة في المشاركة في هذا المشروع، من أجل الحصول على طلبات التأهيل المسبق.
انعكس ذلك أيضا بدخول الوزارة كطرف في تجارة التعليم من خلال نظام التجريبي المطور ومدارس النيل الدولية والمدارس اليابانية .
كما نشر موقع مصر 360 أنه ” أعلنت وزارة التربية والتعليم، عن مصروفات الـ ٩٨ مدرسة المتميزة للغات التي تم طرحها في المرحلة الأولى للمشروع القومي لإنشاء 1000 مدرسة في بيان حصلت مصر 360 على نسخة منه وكانت كالتالي:
– مصروفات رياض الأطفال المستوى الأول 2498 جنيها.
– مصروفات رياض الأطفال المستوى الثاني 2498 جنيها.
– مصروفات الصف الأول الابتدائي 3015 جنيها.
– مصروفات الصف الثاني الابتدائي 3130 جنيها.
– مصروفات الصف الثالث الابتدائي 3245 جنيها.
( مصر 360 – فاطمة عاهد – المشروع القومي لبناء وتشغيل ١٠٠٠ مدرسة.. هل تتجه الحكومة لخصخصة قطاع التعليم؟ – 5 نوفمبر 2020 ).
إن الانفاق الحكومي علي التعليم ليس مكرمة ملكية ولا منحة من الرئيس أو من الدولة بل هو واجب بمقتضي الدستور والقانون، وبدلاً من تبديد الموارد المحدودة في مشروعات غير ضرورية ينبغي توجيه اهتمام أكبر لتطوير التعليم تتولي خلاله الدولة توفير التمويل اللازم من أجل المستقبل، وتقدم كليات التربية والمركز القومي للبحوث التربوية ونقابات التعليم والمعلمين والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وأولياء الأمور والتلاميذ أنفسهم حلول لكل مشاكل التعليم والمباني المدرسية والمناهج وطرق التدريس وأجور المعلمين .
إن المشاركة في رسم استراتيجية التعليم مهمة قومية يجب أن تخضع لنقاش مجتمعي تشارك فيه كل القوي صاحبة المصلحة في مستقبل مصر. والمسئولية تبدأ بأن تعيد الدولة تخطيط الأولويات وتوجيه التمويل اللازم للنهوض بالتعليم وتوفيره كالماء والهواء ورحم الله الدكتور طه حسين الذي دعم مجانية التعليم الابتدائي ثم الثانوي ايام الملكية.وحفظ الله مستقبل الاجيال القادمة.