إلهامي الميرغني يكتب : الفرق بين العلاوة الدورية وعلاوة غلاء المعيشة
بعد تفجر كل موجة غلاء يثور الجدل حول العلاوة الدورية وعلاوة غلاء المعيشة ويحدث خلط في المفاهيم ينعكس علي مدي وعي الحركة العمالية بحقوقها في الأجر العادل الكافِ لتغطية نفقات المعيشة. لذلك رأيت أهمية توضيح الفرق بين المفهومين: العلاوة الدورية وإعانة غلاء المعيشة أو علاوة غلاء المعيشة أو العلاوة الاجتماعية وفقاً لتسمياتها المختلفة علي إمتداد تاريخ مصر.
مهم جدا لكل العمال والموظفين واصحاب المعاشات فهم موضوع العلاوة الدورية والغلاء لأنه يوجد خلط كبير بين العلاوة الدورية وإعانة غلاء المعيشة.
العلاوة الدورية
هي نسبة من الأجر تضاف سنوياً إلي أجر العامل في الخدمة مقابل خبرته وزيادة خبرته عام إضافي وهذا العام له تكلفة هي التي تحسب كنسبة في العلاوة الدورية. لذلك هي مقابل الخبرة والكفاءة والانضباط في العمل وليست لها أي علاقة بالأسعار والغلاء. وهي تمنح للعامل سواء حدث غلاء او لم يحدث وهي محددة بنسبة في قانون الخدمة المدنية لموظفي الحكومة وفي قانون العمل لعمال القطاعين العام والخاص.
إعانة غلاء المعيشة أو علاوة غلاء المعيشة أو العلاوة الاجتماعية
هي نسبة متغيرة تضاف لأجور العمال والموظفين في حالة موجات الغلاء وهي تعادل نسبة التضخم لأن القيمة الحقيقية للأجور تتآكل بفعل الغلاء ولذلك تصرف هذه العلاوة لحماية أجور العمال والموظفين من فقدان قيمتها بفعل الغلاء الراجع للسياسات الاقتصادية وليس للعامل شأن به.
مثال للتوضيح
الحد الأدني للأجور في الحكومة 2400 جنيه في الشهر وسعر زجاجة زيت التموين 17 جنيه
معادل القيمة الحقيقية للأجور = 2400 ÷ 17 = 141.2 زجاجة زيت شهرياً
إذا حصل العامل علي علاوة دورية 7% تساوي 168 جنيه وبذلك أصبح أجره النقدي 2568 جنيه ولكن تم رفع سعر زجاجة زيت الطعام إلي 25 جنيه فهل تتغير القيمة الحقيقية للأجر؟!
معادل القيمة الحقيقية للأجور بعد العلاوة = 2568 ÷ 25 = 102.7 زجاجة زيت شهرياً
إذن رغم زيادة الأجر بالعلاوة الدورية ولكن الغلاء ورفع الاسعار جعل الأجر الحقيقي ( القدرة علي شراء نفس الكميات من السلع والخدمات ينخفض من 141 زجاجة إلي 102 زجاجة وذلك مقوماً بسعر سلعة واحدة ويمكن القياس علي أي سلعة من السلع الأساسية)
هل إعانة غلاء المعيشة بدعة؟!!
لقد خاضت الطبقة العاملة المصرية نضالات كبيرة وإضرابات كثيرة من اجل تحسين الأجور ومواجهة الغلاء خلال الحرب العالمية حتى صدر الأمر العسكري رقم 358 لسنة 1942 بصرف إعانة غلاء المعيشة لعمال المحال الصناعية والتجارية وإقرار حد ادني للأجور لم يكن موجوداً حتى ذلك التاريخ. ثم تبع ذلك صدور الأمر العسكري رقم 99 لسنة 1950 بزيادة إعانة غلاء المعيشة. كل ذلك قبل ثورة 23 يوليه 1952.
عندما بدأ السادات طريق الانفتاح الاقتصادي وتفجرت موجة من الغلاء صدر القانون رقم 40 لسنة 1975 بشأن تقرير إعانة غلاء معيشة للعاملين بالقطاع الخاص وتصرف من أول مايو 1975 على النحو التالي 10% من الأجر للعامل الأعزاب و15% من الأجر للعامل المتزوج و17.5% من الأجر للعامل الذي يعول ولدا أو أكثر.
منذ عام 1987 بدأ الرئيس مبارك منح العمال والموظفين إعانة غلاء معيشة سميت علاوة اجتماعية وكانت تصرف للحكومة والقطاعين العام والخاص وأصحاب المعاشات وتضم للأجر الأساسي للعمال كل خمس سنوات، وتتراوح قيمة العلاوة سنوياً بين 10% و20% وفي عام 2008 ومع تفجر موجة الكساد العالمي قرر نظام مبارك أن تكون العلاوة الاجتماعية بنسبة 30% من الأجور. وفي كلمته بمناسبة عيد العمال تحدث مبارك عن ضرورة الحفاظ على توسيع قاعدة العدالة الاجتماعية، وأوضح أن الاقتصاد العالمي يمر بأزمات جديدة “فالعالم تعرض ولا يزال لموجات تضخمية عاتية نتيجة الارتفاع المستمر في أسعار البترول والسلع” وأضاف ” لا مفر أمامنا من مواجهة هذا التحدي الجديد الوافد إلينا من الخارج فنحن لا نعيش بمعزل عن العالم ونستورد نصف احتياجاتنا من القمح والذرة و 90 في المائة من احتياجاتنا من زيت الطعام وتزداد وارداتنا من الخارج من السلع الغذائية لتلاحق متطلبات الزيادة السكانية والارتفاع في مستويات المعيشة”. ولذلك قرر رفع نسبة العلاوة الاجتماعية إلى 30% من الأجور والمعاشات نتيجة ارتفاع الأسعار العالمي ونتيجة اعتمادنا على الواردات من الخارج.
الآن وبعد مرور 16 سنة علي خطاب مبارك الا تزال لدينا فجوة في الميزان التجاري وميزان المدفوعات بل كان مبارك يتحدث عن استيراد نصف احتياجاتنا من القمح والذرة فقط فإلي أين وصلنا الآن؟
الآن وفي ظل الجمهورية الجديدة والعاصمة الجديدة وأكبر نجفة في العالم ، أصبحنا نستورد 65% من احتياجاتنا من القمح لنكون أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم و50% من احتياجاتنا من الذرة فنصبح خامس دولة مستوردة للذرة في العالم، وبعد ان كان انتاجنا من الأرز يغطي 102.6% في عام 2015 انخفض الي 90.7% فقط بل ووصلت واردتنا من الفول الي 87.6% ومن العدس إلى 98.9% واحتياجاتنا ومن اللحوم الحمراء إلى 53.3% ومن الأسماك 20.5%. أما زيوت الطعام فنستورد أكثر من 90% كل ذلك يرجع إلى إهمال الزراعة والصناعة والاعتماد على الاستيراد من الخارج وبالقروض التي تقيد إرادة المصريين لسنوات طويلة قادمة.
وأصبح الوكلاء التجاريين والمستوردين والمحتكرين هم المتحكمين بأسعار السلع المستوردة. (البيانات عن الفجوة الغذائية من الكتاب الاحصائي “مصر في أرقام 2020 صفحة 67” الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء).
لماذا الخلط بين العلاوات؟!
يتم منذ سنوات وبعد إيقاف علاوات غلاء المعيشة الخلط بين مفهوم العلاوة الدورية والعلاوة الاجتماعية. فالعلاوة الدورية كما أوضحنا هي مقابل زيادة السن والخبرة للعاملين في الخدمة سواء حكومة أو قطاع عام أو قطاع خاص.
وإذا كان قانون العمل الحالي رقم 12 لسنة 2003 الذي يطبق علي عمال القطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص داخل وخارج المنشأت قد نص علي منح علاوة دورية سنوية بنسبة 7% من الأجر فإن مشروع قانون العمل الحالي والذي ناقشه مجلس الشيوخ ومعروض علي مجلس النواب يقلص نسبة العلاوة الدورية للقطاع العام والخاص الي 3% فقط من الأجر.
أما أصحاب المعاشات مظاليم العصر الحالي والعصور السابقة فهم يحصلون علي معاشات هزيلة ولا يزالوا ، ولذلك كانت تصرف لهم علاوة اجتماعية سنوية او علاوة غلاء معيشة وفقاً لنسب التضخم ووصلت إلي 30% عام 2008. لكن قانون التأمينات الحالي 148 لسنة 2019 وضع حد أعلي للعلاوة وهو 15% وكأن زيادة نسبة التضخم عن 15% يجب ان يتحملها صاحب المعاش.
وقلت مرارا وكتبت تكراراً، إن الغلاء يشمل الجميع ولا يوجد سعر كيلو لحمة للعمال والموظفين وسعر آخر لأصحاب المعاشات أو ان سعر علبة الدواء للمسنين واصحاب المعاشات أقل من سعر علبة الدواء للعمال. واذا كان صاحب المعاش تحمل رفع اسعار السلع التموينية والأدوية وانبوبة البوتاجاز والمواصلات والتعليم والصحة، فإن أي زيادات أخري في أسعار الطعام والشراب ستؤدي حتما لعجز أصحاب المعاشات عن تدبير احتياجاتهم الأساسية من الطعام والشراب.
لذلك يصبح من الضروري عدم الخلط في المفاهيم بين العلاوة الدورة وإعانة غلاء المعيشة ولكن ما يتم الان هو محاولة للتحايل وجعل العلاواتين واحد. بدليل زيادة نسبة علاوة موظفي الحكومة الي 8% وهي في القانون 7% ليكون ال 1% هو تعويض عن غلاء المعيشة .
توجد أهمية للحوار بين العمال وأصحاب العمل حول كيفية مواجهة موجة الغلاء ويتطلب ذلك رفع القيود علي تأسيس النقابات العمالية وتمثيلها في الحوار وعدم الاكتفاء بالحوار مع اتحاد العمال الحكومي فقط ومهم ايضا مشاركة النقابات المهنية ونقابات أصحاب المعاشات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الحوار.
ويمكن أن يتم ذلك من خلال المجلس القومي للأجور والأسعار الذي نحتاج لإعادة تشكيله ليضم كل أطراف علاقات العمل وهي العمال والحكومة واصحاب العمل طبقاً لقواعد منظمة العمل الدولية. وليقدم ممثلي العمال مقترحات بنسبة العلاوة وعلاقتها بالغلاء ومعدلات التضخم ونسب الفقر ويتم التفاوض حولها.
الطبقة العاملة حريصة علي استمرار الانتاج في المصانع والشركات ولكن لا يجب ان تتحمل وحدها نتائج موجة الغلاء ، فزيادة اسعار الكهرباء والمياه ليست مسئولية العمال، وزيادة أسعار الخامات ومستلزمات الانتاج المستوردة ليست مسئولية العمال. وإذا كانت الدولة حرصة علي تخفيف الضغوط الاجتماعية ودعم العمال ومحدودي الدخل فإن ذلك يحتاج إلي إدارة حوار وتفاوض علي مستوي الدولة بين أطراف علاقات العمل.
العمال والموظفين يسددون 93.1 مليار جنيه ضرائب مباشرة علي أجورهم بخلاف ضرائب القيمة المضافة التي يتحملونها ولا تفرق بين مستويات الدخول. بينما باقي الضرائب علي دخول الأفراد والتي تشمل الضرائب علي المهن غير التجارية للمحاميين والمهندسين والأطباء والفنانين ولاعبي كرة القدم ، وضريبة الأرباح التجارية والصناعية علي أصحاب الورش والمحلات.كل هذه الفئات تسدد 54.7 مليار جنيه ضرائب دخل فقط. فهل يتحمل العمال والموظفين فقط أعباء الأزمة أم نحتاج الي توزيع عادل للأعباء وحوار من أجل استمرار الانتاج دون الحاق الضرر بالأجور والمعاشات.
التفرقة في المفاهيم ضروية لنصل معاً لطرق علاج تحقق مصالح الجميع وتوزع الأعباء بالتساوي.
إلهامي الميرغني