إلهامي الميرغني يكتب : إزي الصحة ؟!

مؤكد أن انتشار فيروس كورونا قد أدي لإنكشاف الأنظمة الصحية في كل بلدان العالم منها من صمد وتجاوز الأزمة ومنها من يعيش المأساة وتداعيتها.لذلك فإن تتبع الوضع الصحي في مصر قد يوضح مدي كفاءة النظام الصحي والسياسات الصحية الحالية في الحفاظ علي صحة المصريين.

ينقسم النظام الصحي بشكل عام إلي طب وقائي ويشمل الصحة العامة والتطعيمات وهي مسئولية الدولة في كل العالم الرأسمالي والنوع الثاني هو الطب العلاجي والذي يقدم داخل المؤسسات الصحية المختلفة .في مصر يتكون القطاع العلاجي من وزارة الصحة والجامعات وجهات حكومية والقطاع الخاص والقطاع الخيري. ولكل منهم رؤية وتصور وتختلف أساليب وبرتوكولات العلاج بين جهة وأخري وكذلك أسعار تقديم الخدمة ولا توجد هيئة عليا مسئولة عن السياسيات الصحية في مصر وإن كنت سأعود لهذه النقطة في موضع تالي لأهميتها.

هيكل القطاع الصحي

  • أخذت مصر بسياسات الخصخصة منذ منتصف السبعينيات، وعكست السياسات الصحية التي فرضتها المعونة الأمريكية وقروض البنك الدولي والمؤسسات الدولية أن تتخلي الدولة عن تقديم الرعاية الصحية العلاجية وتقلص الموجود منها لصالح القطاع الخاص بحجة أنه أكثر كفاءة. وتكتفي الحكومة بوضع المعايير العامة ومنح التراخيص ومراقبة الأداء بالقطاع الصحي الذي وصل لحالة من الفوضي والعشوائية.ونتيجة ذلك تغيرت خريطة المنشآت الصحية والأسرة علي مدي العقود الأربعة الأخيرة.
  • سنة 2006 كان عدد سكان مصر 71.3 مليون نسمة ولدينا  2,685 منشأة صحية ذات أسرة تضم 152.3 ألف سرير. مفترض زيادة عدد المستشفيات وعدد الأسرة ليواكب زيادة السكان. لكن السياسة الصحية لمصر عملت العكس عام 2016 أصبح عدد سكان مصر 90 مليون نسمة وانخفض عدد المستشفيات إلي 2,159 منشأة تضم 129.2 ألف سرير. فالسياسات الصحية خفضت عدد المستشفيات وخفضت عدد الأسرة بما يؤدي لتدهور مستوي الخدمات الصحية وقدرتها علي مواجهة الأمراض والأوبئة .
  • القطاع الحكومي فقد عشرات المستشفيات والأسرة انخفض عدد مستشفيات وزارة الصحة من 1,183 مستشفي تضم 79.4 ألف سرير عام 2006 إلي 390 مستشفي تضم 38.1 ألف سرير  وبذلك فقد الشعب المصري ملكية 793 مستشفي و 41.3 ألف سرير حكومي. وهو ما نتج عنه قوائم الانتظار في العمليات الجراحية ومعاناة البحث عن غرف الرعاية المركزة للحالات الحرجة.
  • تغير هيكل ملكية المستشفيات حيث أصبح القطاع الخاص يملك 60.6% من المستشفيات عام  2016  بينما القطاع الحكومي يملك 39.4% فقط . وبذلك اصبح القطاع الخاص الطبي يسيطر علي ما يقرب من ثلثي المستشفيات في مصر.

– تمت تصفية مستشفيات الأمراض المتوطنة التي كانت 9 تضم 72 سرير بالكامل .

– مسشفيات الحميات كان عددها 97 مستشفي تضم 8,805 سرير وارتفعت الي 106 مستشفي تضم 10,348 سرير عام 2007 ثم انخفضت الي 46 مستشفي تضم 4,526 سرير فقط.وبذلك فقد الشعب المصري 60 مستشفي حميات و 5,822 سرير. ولذلك عندما انتشرت أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير ثم كورونا لم توجد أماكن للعزل لأن هذه الأماكن وخبرة التعامل مع مختلف أنواع الحميات قد تم إهدارها وتحويل المرضي للمستشفيات العامة.

  • خلال السنوات الأخيرة 2014-2016 انخفض عدد أسرة وزارة الصحة 2,947 سرير وأسرة الجهات الحكومية التابعة لوزارة الصحة انخفضت 1,265 سرير، كما انخفضت إجمالي الاسرة الحكومية 3,933 سرير رغم زيادة عدد السكان.
  • ارتفعت أسرة مستشفيات القطاع الخاص بحوالي 8,051 سرير خلال الفترة ويصبح القطاع الخاص مسيطر علي 25.8% من أسرة المستشفيات في مصر بعد ان كان لا يسيطر الا علي 20.1% عام 2014.
  • بنهاية 2016 أصبح القطاع الخاص يسيطر علي 69.3 % من المنشآت الطبية ذات الأسرة ووزارة الصحة لها 18.1% والجهات التابعة لوزارة الصحة 6.1% والجهات الحكومية الأخري 6.5% وبذلك تكون جملة القطاع الحكومي 30.7%.رغم ذلك لازالت وزارة الصحة والجهات التابعة لها والجهات الحكومية الأخري تمتلك 72.7 % من الأسرة بينما يملك القطاع الخاص 27.3% من أسرة المستشفيات فقط وهو ما يزيد من فرص مواجهة الأمراض والأوبئة.
  • نفس الوضع ينطبق علي الفريق الطبي حيث يوجد حوالي 30% من الأطباء والتمريض في الحكومة في اجازات دراسية واجازات عمل نتيجة تدني الأجور في القطاع الحكومي. وفي ظل هجمات الأوبئة المتتالية لا يزال الطبيب يحصل علي 19 جنيه بدل عدوي والتمريض علي 15 جنيه شهرياً.

كيف تدير الدول الأخري الأزمة

بدأت اسبانيا بعد تفشي فيروس كورونا في إخضاع كل مستشفيات القطاع الخاص لخطة المواجهة الوطنية بجانب المستشفيات الحكومية وكذلك بدأت الولايات المتحدة في إجراءات مشابهة حيث أثبتت كارثة كورونا أن الحل يقتضي خطة موحدة تشمل كل المرافق الصحية التي يجب تسخيرها ضمن خطة المواجهة والعزل حكومي وخاص.

لذلك فإن خضوع كل المستشفيات الحكومية والخاصة لخطة المواجهة ضرورة لأن الوباء والمرض لا يعرف حكومي وخاص والمواجهة تحتاج لإدارة مركزية صارمة. لذلك نجحت الصين باستبدادها السياسي في حصار الفيروس وتقليل انتشاره بخطة مركزية صارمة.

ولعل انتشار الوباء في الولايات المتحدة وايطاليا واسبانيا والمانيا وبريطانيا وفرنسا بمعدلات مرتفعة، وارتفاع حالات الوفاة يعكس كيف ان سياسات الخصخصة وزيادة حصة القطاع الخاص في الصحة أفقدت الدول قدرتها علي التصدي والمواجهة، وأن خفض الانفاق الصحي اتضحت مخاطره في ظل وباء كورونا الذي أدي لتعرية سياسات الخصخصة وتقليص الانفاق الصحي في أوروبا.

ادارة الصحة المصرية بين المركزية والعشوائية والفوضي

يتميز النظام الصحي المصري بتعدد مقدمي الخدمة الصحية وغياب وجود جهة مركزية مسئولة عن إدارة القطاع الصحي المصري في ظل الأزمات. لدينا مجلس أعلي للصحة اجتمع في مطلع 2019 بعد ان استمر لأكثر من ثلاث سنوات قبلها لم يجتمع بما يعمق العشوائية والفوضي.

كما أن قانون التأمين الصحي الجديد استحدث إنشاء ” هيئة عامة للرعاية الصحية ” لاتزال في مراحل التأسيس ولم تستقر كهيكل متبلور قادر علي قيادة وإدارة القطاع الصحي خاصة في ظل وباء حقيقي مثل كورونا.

عرت الأزمة الوضع الصحي وكشفت عوراته المستترة من تقليص الانفاق الصحي الي زيادة حصة القطاع الخاص إلي تقليص المستشفيات والأسرة الحكومية. وكذلك فإن استراتيجية التنمية التي تعتمد علي أعلي برج سكني وأكبر مسجد وأكبر كنيسة هو تبديد للموارد المحدودة التي يجب توجيهها للتعليم والصحة أولاً.

هل يمكن أن يسمع المسئولون عن السياسات الصحية صرخات كورونا وتأثيراته ويعيدو حساباتهم وترتيب أولويات الانفاق علي مستوي الدولة المصرية وعلي مستوي الصحة المصرية.

هل يعي المسئولون عن الصحة درس كورونا ويعرفون أن التمريض والأطباء هم خط الدفاع الأول في مواجهة الأوبئة وان الأجور العادلة وبدل العدوي والتعليم المستمر ضرورة حتمية لاستمرار النظام الصحي ورفع كفاءة أدائه.

إن توفير المستلزمات اللازمة لمواجهة الوباء تستدعي توفير أدوات الحماية والوقاية والتعقيم والمنظفات والأدوية وأسرة العزل، ويحتاج توفير غرف الرعاية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي،ويحتاج لتوافر الكواشف والمواد اللازمة لتوسيع عدد المسحات والعينات التي يمكن الحصول عليها لتقليل انتشار الوباء ومحاصرته.

هل يعي المسئولون دروس كورونا ، أم يبقي الحال علي ما هو عليه وعلي المتضرر أن يلجأ إلي الله لينقذنا.

إلهامي الميرغني

23/3/2020

One thought on “إلهامي الميرغني يكتب : إزي الصحة ؟!

  • 26 مارس، 2020 at 2:42 ص
    Permalink

    أشكرك على إثارة موضوع الصحة في هذا الوقت بالذات. كما أحييك على هذه الإحاطة الإحصائية بتدهور الخدمات الصحية الحكومية، (ولكن):
    كل ما اشرت إليه يقع تحت عنوان الصحة العلاجية وهو المستوى الثاني من الرعاية الصحية، وما به من تراجع خطير من دون شك. لكن ما الرأي في الغياب التام للمستوى الأول من الرعاية الصحية وهي مراكز الرعاية الصحية الأولية (يستعاض عنها في مصر بغرف استقبال الحوادث في المستشفيات وهذا غير ذي أهمية ولا تأثير على الإطلاق).
    مراكز الرعاية الصحية الأولية هي عماد والأساس الذي يقوم عليه أي نظام صحي في العالم (أقصد الدولة التي تعرف منظومات صحية متكاملة وفاعلة). مراكز الرعاية الصحية تتكون في حدودها الدنيا من غرفة طبيب وغرفة تمريض (للحقن والغيار والإسعافات الأولية) ومعمل تحاليل للتحاليل الروتينية. أما القسم الأهم فهو أرشيف المركز الذي يحتوي على السجلات الطبية لجميع المقيمين في منطقة الحي السكني الذي يقع به مركز الرعاية الصحية الأولية. أي أن كل شخص مقيم له ملف صحي وهذا الملف متاح على الشبكة الألكترونية للرعاية الصحية يسجل فيه كل التطورات المرضية والعلاجات التي تجرى للشخص صاحب الملف. هذا أساس نظام الرعاية الصحية لذلك تستطيع البلدان المتقدمة التي تمتلك مثل هذه النظم أن تتبع إصابات الكورونا مثلا وأن تصدر إحصاءات ذات مصداقية وتستطيع التعرف على الحالة المرضية لسكانها، وهذا ما يفسر غياب أي تقديرات متقاربة لتقديرات البلدان المتقدمة في مجموعة البلدان النامية التي لا تملك هذه النظم، فهم ببساطة لا يعرفون ما يحدث لديهم. ما الذي يدفع الهند مثلا للإغلاق التام ثلاثة أسابيع والرقم المعلن للإصابة لديها لم يصل 600 مصاب في مجتمع عدد سكانه 1450 مليون نسمة؟! إلا أنهم شاهدوا الكارثة قادمة وليس لديهم أي بيانات واقعية عنها. قس على ذلك ما يحدث في مصر وباكستان والسودان وغيرها من البلدان التي يغيب فيها تماما مستوى الرعاية الصحية الأولية.
    في غياب مراكز الرعاية الصحية الأولية يصبح النظام الصحي بلا عينين ويفقد أي مقدرة على تتبع الإصابات المرضية ولا يستطيع وضع خطط طوارئ صحية. كل ما يحدث أن تنقل الحالات المكتشفه (عندما يتم التعرف عليها) إلى المستشفيات أي مستوى الرعاية العلاجية. بهذا المعني يصبح مستوى الرعاية العلاجية قاصر وعاجز عن علاج من يستحقون العلاج بل وقد ينشغل بحالات كان من الممكن علاجها لدى مستوى الرعاية الأولية.
    تحياتي.

    Reply

اترك رداً على د. محمد نعمان نوفل إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *