إلهامي الميرغني يكتب: أين الأحزاب المصرية من القضايا الملحة؟!
سؤال يتردد مرات عديدة من بعض المصريين وأيضا من بعض المهمومين بالشأن العام، وغير الراضين عن أداء الأحزاب المصرية، وهذا مشروع ومهم، والأهم الحوار حوله.
عرفت مصر قبل ثورة 25 يناير نظام التعددية السياسية المقيدة، مع توافر حرية الاجتماع والتظاهر والإضراب وتشكيل عشرات من اللجان الشعبية، لمواجهة مختلف قضايا الوطن. وظل الحزب الوطني الحكومي يسيطر على المشهد السياسي والمجالس التشريعية والمحليات، وبعد صعود دور لجنة السياسات، وتجهيز جمال مبارك لخلافة أبيه، زاد انفراد الوطني بالسلطة، مع السماح بشراكة مع جماعة الأخوان المسلمين، وبعض الأحزاب الأخرى. ثم جاءت ثورة يناير التي أطاحت بالحزب الوطني، واسرة مبارك، وبنظام التعددية المقيدة.
كانت جماعة الأخوان المسلمين هي أكبر الأحزاب التي سمح لها نظام مبارك بالتواجد رغم أنها ليست حزبا سياسيًا ومثلت في البرلمان منذ عام 1984، وكان لها أكثر من ثمانين عضوا في برلمان 2005، وهو ما هيأ لها المناخ للتوسع والانتشار في جميع المحافظات، وهو ما تم استثماره بعد ثورة يناير.
وكان المجلس العسكري مضطراً لإشاعة جو ديمقراطي لكي يستطيع استعادة السلطة وإعادة الهيمنة، فصدر تعديل قانون الأحزاب السياسية، وتم الإبقاء على الأحزاب المرخصة قبل الثورة، مثل حزب التجمع الوطني، وحزب الوفد، وحزب الغد، مع تأسيس عدد من الأحزاب الجديدة، وتم الترخيص لأكثر من 103 أحزاب سياسية بينهم سبع أحزاب إسلامية هي الحرية والعدالة وحزب الوسط الجديد، حزب النور السلفي، حزب الفضيلة، حزب الاصالة، حزب الإصلاح والتنمية، حزب البناء والتنمية المنبثق عن الجماعة الإسلامية.
كانت بعض الأحزاب تستند في مشروعيتها لقوة مؤسسيها مثل حزب المصريين الأحرار، الذي كان يدعمه الملياردير نجيب ساويرس، وحزب الدستور الذي كان مؤسسه ورئيسه الأول الدكتور محمد البرادعي. وكان هناك حزب الجبهة الوطنية الذي اسسه الدكتور أسامة الغزالي حرب ثم اندمج مع حزب المصريين الأحرار.
وبعد وصول الأخوان للسلطة وتنفيذ خطة التمكين بدأت الأحزاب والقوي السياسية تبحث عن طريق للمواجهة والخروج من الأزمة. ثم جاءت 30 يونية لتحسم الصراع وتطيح بحزب الحرية والعدالة وبرئيس الجمهورية ومواجهة ووأد مشروع التمكين الإخواني. لكن سلطة 30 يونية في خضم مواجهتها مع الأخوان وفلولهم وضعت مصر في حالة الطوارئ دائمة وعدلت قوانين الإجراءات الجنائية والعقوبات وعطلت الكثير من الحريات العامة بقوانين مثل قانون التظاهر الذي أصدره الرئيس عدلي منصور، إضافة الي حملة على الجمعيات الأهلية والنقابات المستقلة.
ومنذ 30 يونية لم تظهر على الساحة أحزاب جديدة.
وإذا كانت الفترة الانتقالية والفترة الأولي من حكم الرئيس السيسي تبشر بعدم العودة لنظام الحزب الأوحد في أيام مبارك. إلا أن الوقائع السياسية على الأرض دفعت الرئيس للبحث عن حزب سياسي يمكن ان يمثل توجهات ورؤية النظام بدون عضوية الرئيس فوقع الاختيار على حزب مستقبل وطن الذي تم تقييفه وإعادة تشكيله ليناسب المرحلة الجديدة وليكون الحزب الرئيسي القائد للمرحلة (الحزب الوطني الجديد).
وإذا نظرنا الي خريطة الأحزاب السياسية الآن نجد أننا أمام أربع نوعيات حزبية:
الأول – أحزاب ما قبل ثورة يناير مثل الوفد والتجمع والمصريين الأحرار والعربي الناصري وهي أحزاب أقرب إلى الموالاة بل وبعضها يعتبر نفسه جزء من السلطة، وهي تعاني مشاكل داخلية وتآكل في العضوية.
ثانياً – أحزاب تتبني كل توجهات السلطة الجديدة مثل مستقبل وطن وحماة الوطن والمؤتمر والكتلة المصرية والمصريين الأحرار وهي ما تسمي أحزاب الموالاة وهي تتبني وتنفذ كل توجهات الدولة من ديون وخصخصة وتبعية وتقليل دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والعداء للحريات بكافة اشكالها. وترسانة القوانين الصادرة عن البرلمان السابق والبرلمان الحالي خير دليل.
ثالثاً – أحزب مستقلة انتزعت الترخيص وتتبني الديمقراطية والعدالة الاجتماعية مثل حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وحزب الكرامة وحزب الدستور وهي أحزاب ترفض الكثير من توجهات السلطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ودخلت في مواجهات عديدة مع السياسات والتوجهات الحالية. وأحزاب مثل المصري الديمقراطي والاجتماعي والإصلاح والتنمية التي تملك رؤية مختلفة في قضايا الديمقراطية ولكنها رأت انها لن تستطيع الاستمرار الا بانضمام لتحالف الموالاة وان ظلت تتبني بعض المواقف المعارضة في مجلسي الشيوخ والنواب.
رابعاً – أحزاب قائمة ولكنها لم تحصل على الترخيص الرسمي وتعمل كأحزاب تحت التأسيس مثل حزب العيش والحرية والحزب الاشتراكي المصري والحزب الشيوعي المصري وكلها أحزاب يسارية ترفض كل السياسات الحالية.
خامساً – أحزاب حصلت على الترخيص في 2011 و2012 ولكن لا وجود لها ولا نشاط وتعد شبه مجمدة وهي لا تشكل خطر وان كان بعض ممثلي أحزاب الدولة يطالب بحل كل الأحزاب غير الممثلة في البرلمان.
عندما أطلقت الحريات العامة بعد الثورة تشكلت المئات من اللجان الشعبية والنقابات المستقلة واستطاعت الأحزاب الجديدة ومنها التحالف الشعبي خوض انتخابات البرلمان بتحالف انتخابي “الثورة مستمرة” وفي ظل عدم التزوير وحرية الدعاية حصل تحالف الثورة مستمرة علي ست مقاعد في البرلمان وحصل نائب الشعب أبو العز الحريري علي 176 ألف صوت. واستطاعت الأحزاب ضم المئات من العضويات الشبابية والجديدة وتأسيس مقرات في العديد من المدن المصرية الكبرى من الإسكندرية إلى أسوان.
عندما كانت أحزاب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية تدعي للحوارات الرئاسية كانت تعبر عن توجهات الناس وهموم المواطن وكانت دائما صاحبة توجهات وانحيازات اقتصادية واجتماعية واضحة ولكن الحوارات مع الأحزاب توقف منذ 2015 وحتى الآن. هذه الأحزاب هي التي رفضت قرض صندوق النقد الدولي ورفضت بيع تيران وصنافير ورفضت القوائم المطلقة والقيود على الحريات العامة بكل أشكالها، ثم كان موقفها الرافض من تعديلات الدستور ورفض المشاركة في انتخابات الرئاسة الشكلية والتي وصفتها بيانات الأحزاب بأنها استفتاء أكثر منها انتخابات لأنه لاتوجد تنافسية لكن تمثيلية ديمقراطية بل ان موسي مصطفي موسي أعلن ان صوته للرئيس السيسي.
منذ 30 يونية والتي شاركت فيها كل الأحزاب التي سعت للتخلص من حكم الإخوان واستكمال مهام الثورة المصرية تم إعادة النظر في حجم حرية الحركة للأحزاب الديمقراطية وتكبيلها بالقيود. لكن التجربة اثبتت أن 30 يونية لم تستبعد الإخوان فقط ولكنها صادرت الحياة السياسية برمتها وجمدت التحول الديمقراطية وأطلقت ترسانة من التشريعات المكبلة للعمل السياسي والمشاركة في الحياة العامة. ويكفي ان مصر منذ 2011 تعمل بدون مجالس شعبية محلية.
تم التضييق على الحريات العامة ورفض مشاريع الانتخاب بالقائمة النسبية والإصرار على نظام القوائم المطلقة المعادي للديمقراطية وبدأ تدعيم الاستبداد السياسي بترسانة تشريعية إضافة الي التوسع غير المبرر للقبض على مئات من شباب ثورة يناير وقيادات وأعضاء الأحزاب السياسية الشرعية. إضافة إلى خنق المجال السياسي بالقوانين التي منعت النقابات المستقلة واعادت السيطرة على النقابات المهنية وعاد اتحاد العمال الحكومي يسيطر على الحركة العمالية.
وانتشرت حمالات الترويع والترهيب لكل أعضاء الأحزاب الوطنية الديمقراطية والتي تصل لقطع الأرزاق ووقف الترقيات والحرمان من المزايا، بل والتهديد بالاعتقال والاضرار بالعائلات.
في ظل هذا المناخ الملبد بالاستبداد تقلصت عضوية الأحزاب وأغلقت العديد من المقرات لأن الأحزاب الجديدة لا تعتمد على تمويل من الدولة بل كل مصادر دخولها اشتراكات وتبرعات أعضائها وكل حساباتها خاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
لقد أصبح العمل العام في مصر يعني الطريق الي السجن وتشريد الأسر ولا تزال السجون تعج بالمئات من أعضاء الأحزاب الشرعية المحبوسين احتياطياً لفترات تتجاوز حدود القانون. إضافة الي حصار الأحزاب ومحاربة أعضائها في أرزاقهم. رغم ذلك ظلت هذه الأحزاب متمسكة بالخيار الديمقراطي مدافعة عن توجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأصبحت محاصرة داخل مقراتها محرومة من أدوات نشاطها كانشاء النقابات والجمعيات الأهلية ومحرومة من حق التظاهر السلمي او حتى الوقفات الاحتجاجية.
رغم ذلك خاضت الأحزاب معارك الانتخابات البرلمانية رغم معارضة البعض بأن ذلك تجميل للسلطة ولكن المواقف السياسية والإنحيازات الواضحة ظلت من ثوابت هذه الأحزاب التي تعمل في ظل مناخ معادي للديمقراطية والحريات ومعادي للأحزاب ولكافة أشكال التنظيم.
لذلك عندما يسأل البعض أين هي الأحزاب؟!
أقول الأحزاب موجودة في بياناتها السياسية وفي أعضائها المحبوسين والمحاصرين. ولكن القبضة الأمنية وترسانة التشريعات تصادر الحياة السياسية. ويقترح البعض ان تجمد الأحزاب نفسها لتعرية النظام ولكن الحقيقة ان ذلك هو مني عين الدولة الاستبدادية. أن ترتاح وتنتهي من دوشة هذه الأحزاب ولكن البقاء والصمود والسباحة ضد التيار، هو قبض علي جمر الوطن واستمرار العمل في ظل ظروف غير مواتية.
الأحزاب موجودة لكنها محاصرة وممنوعة من العمل وسط الشارع وتوصيل برامجها ومواقفها للناس أصحاب المصلحة. ممنوع توزع بيان في الشارع وممنوع تتظاهر. وعندما تنظم لقاء في مقر مغلق لتشرح رأيك تجد عشرات من سيارات الشرطة تحاصر المكان وترهب البعض الذي يتجنب المرور بجوار هذه الجحافل الأمنية. كما أن الإصرار على الخلط بين الأحزاب الديمقراطية وجماعات الإرهاب هو خلط متعمد ليشيع جو من الخوف لا يفرق بين من يحمل وجهة نظر ورؤية سياسية ومن يحمل قنبلة وبندقية، بين من يريد هدم الدولة ومن يريد بناء الدولة.
إن استمرار العمل السياسي في مصر نهاية 2021 هو عمل بطولي حقيقي وهو سباحة ضد التيار. وبدلاً من قذف الأحزاب بالحجارة لنعمل معاً لتوفير الضمانات الديمقراطية للممارسة السياسية. وفي حوار مع بعض الأصدقاء الذين ينتقدون كل الأحزاب ويضعونها عمداً في سلة واحدة. أقول لهم إحنا وحشين ومش جذريين روح دور على ناس بتفكر زيك واعمل حزب وانزل الشارع وبرهن على رؤيتك وتوجهاتك فلا تغيير بدون أحزاب وبدون تنظيم للطبقات صاحبة المصلحة في التغيير.
ومن يكن منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر.