إلهامي الميرغني يكتب: ماذا يعني تخفيض تصنيف مصر الائتماني؟!
نقرأ ونسمع كثيراً عن مؤسسات دولية تضع تصنيف إئتماني لمصر، ولا نعرف ما هي أهمية هذا التصنيف. وكانت الحكومة ومنذ 2014 تفاخر بأن مؤسسات تصنيف الإئتمان الدولية تعطي مصر تصنيف مرتفع. وذلك بدعوى أن هذا التصنيف هو الذي تعتمد عليه مؤسسات التمويل الدولية في إقراض مصر وكذلك فإن هذا التصنيف يعد مؤشر لتوجيه الاستثمارات في العالم فرؤوس الأموال الدولية تتحرك بناء على هذا التصنيف.
ظلت الحكومة تفاخر لسنوات بالتصنيف المرتفع وكنا نحذر أن هذه التصنيفات تورط مصر في المزيد من الديون المنفلته والتي توسعت فيها مصر خارجياً وداخلياً، وبعد أن احتدت الأزمة الاقتصادية، و بدء موسم حصاد نتائج السياسات الاقتصادية التي تطبقها مصر منذ 2014، كشفت هذه المنظمات عن وجهها الحقيقي وخفضت تصنيف مصر الإئتماني لمراحل متدنية خلال الشهور الأخيرة بما يحول دون حصول مصر على قروض جديدة إضافة إلى إحجام المستثمرين عن ضخ استثمارات جديدة في مصر وهروب الاستثمارات القائمة حتى من المصريين كما جاء في تصريحات الملياردير المصري سميح ساويرس.
يوجد ثلاث مؤسسات دولية كبرى لتقييم الائتمان الدولي هي مؤسسة موديز، ووكالة فيتش، وستاندر أند بور ولذلك سأعرض في عجالة للتعريف بهذه المؤسسات:
1- مؤسسة موديز
هي شركة قابضة أمريكية أسسها جون مودي عام 1909 وهي تملك خدمة مودي للمستثمرين والتي تقوم بالأبحاث الاقتصادية والتحليلات المالية وتقيم المؤسسات الحكومية والخاصة من حيث قدرتها وقوتها المالية والإئتمانية . تسيطر مودز علي 40% من سوق تقييم الإئتمان العالمي.
تستخدم موديز نوعين من المقاييس الأول طويل الأجل ويبدأ بالتصنيف Aaa والالتزامات ذات التصنيف Aaa تعتبر ذات نوعية ممتازة وتحمل أقل درجة مخاطر. أما التصنيف الأدني وهو C وفيه عادة ما تكون قيمة استرداد الالتزامات قليلة. أما التصنيف قصير الأجل فيبدأ ب Prime-1 وهو يعني أن المصدر أو المؤسسة المساندة لها قدرة عالية لسداد قروض قصيرة المدى، أما التصنيف Not Prime فيعني أن قدرة المصدر أو المؤسسة المساندة على السداد لا تقع ضمن التقسيمات السابقة.
وكانت موديز قد أعلنت خفض تصنيفات الحكومة المصرية طويلة الأجل للعملات الأجنبية والمحلية من(B2) إلى(B3) ، وغيرت النظرة المستقبلية من “مستقرة” إلى “سلبية”، في وقت تحدث فيه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشكل إيجابي عن الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة!!!
واعتبر البعض ان هذا التصنيف هو تصنيف سياسي وأن مصر مستمرة في جذب الاستثمارات وقادرة علي سداد التزاماتها المالية.!!!
2- وكالة فيتش للتصنيف الإئتماني
هي شركة أمريكية تأسست عام 1914 وتم الاستحواذ عليها عام 1989 وهي منذ عام 1975 معتمدة من قبل مفوضية الأوراق المالية والبورصات. ولدي الوكالة مقياسين الأول للاستثمار والثاني التصنيف الإئتماني .
قامت فيتش في الفترة الأخيرة بتغيير تصنيف مصر الإئتماني من +B إليB إي وضع مالي متقلب وغيرت النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري من مستقرة إلي سلبية.
3- مؤسسة ستاندر أند بورز
وهي من أقدم مؤسسات التقييم الإئتماني الدولية فقد تأسست عام 1860 ووصلت لشكلها الحالي عام 1941 ، وهي وكالة متخصصة في الشأن المالي للدول وقدرة الدول علي الوفاء بالتزاماتها المالية. تضع المؤسسة تصنيفات ائتمانية طويلة الأجل للدول والشركات حيث يتم تقيّم الشركة المقترضين بمقياس يبدأ من AAA إلى D وتقدم الشركة عن بعض المقترضين (مايسمى توجيه «مراقبة الائتمان»).
خفضت وكالة (ستاندرد آند بورز) للتصنيف الائتماني النظرة المستقبلية لآفاق الدين المصري من “مستقرة” إلى “سلبية”، في حين أبقت على تصنيف الدين المصري الطويل الأجل عند (B/B). وأعلنت الوكالة، أنها أعادت النظر في تقديراتها لدرجة آفاق الدين المصري بسبب الحاجة الكبيرة إلى تمويلات خارجية تتوقعها بشأن المالية العامة. وبررت الوكالة توقعاتها بحاجة الحكومة المصرية إلى تمويل كبير في 2023 وكذلك 2024، يُقدَّر بـ17 مليار دولار و20 ملياراً على التوالي.
يؤثر خفض التصنيف الائتماني لأي دولة بشكل مباشر وسلبي على صورتها وسمعتها، ويقلل كثيراً من قدرتها على جذب رؤوس الأموال والاستثمارات.كما يزيد هذا الإجراء من تكلفة التأمين على ديونها، ويجعل السندات السيادية غير جذابة للأسواق نظراً لارتفاع المخاطر. ويدفع خفض التصنيف وعدم القدرة على إصدار السندات إلى لجوء الدولة لاحتياطاتها النقدية، أو توجهها إلى الاستدانة بصورة مباشرة بما يفاقم الأزمة.
ورغم كل التغيرات في تصنيف مؤسسات الإئتمان الدولية لوضع الاقتصاد المصري تصر الحكومة من خلال تصريحات رئيس الوزراء ووزير المالية ان الاقتصاد المصري بحالة جيدة ولكنه يواجه مجرد تأثير الأزمات الدولية مثل تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا ولا يوجد أي ذكر للأسباب الداخلية للأزمة وأهدار عشرات المليارات علي مشروعات غير ملحة وغير ايرادية وعندما حل موعد السداد ظهرت الأزمة.
العام الماضي عندما طلبت مصر مساعدة عاجلة من دول الخليج أودعت السعودية وقطر والإمارات 13 مليار دولار لدى البنك المركزي المصري.ولكن بعد تفاقم الأزمة وتعثر صفقة بيع البنك المتحد للسعودية وصفقة بيع فودافون لقطر صرحت دول الخليج إنها لن تضح أي أموال أو استثمارات جديدة إلي أن يتم الالتزام باستكمال الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد وعلي رأسها تعويم سعر صرف الجنيه المصري، إضافة إلي تحقيق تنافسية القطاع الخاص وانسحاب القوات المسلحة من الاقتصاد. هكذا تحولت ضغوط الصندوق والبنك الي ضغوط دول مجلس التعاون الخليجي التي اعتمد عليها النظام من 2014 وحتي 2022.
كما قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن بلاده غيّرت طريقتها في تقديم المنح والمساعدات إلى الدول المجاورة، موضحاً أنها ستكون مشروطة بحدوث “إصلاحات. وقال الجدعان، على هامش منتدى دافوس : “نحن أيضًا نقوم بالتركيز على إقليمنا ونريد أن نكون مثالا للمنطقة، ونشجع كذلك كثير من الدول حولنا أن تقوم بأعمال إصلاحية”. وأضاف: “نحن نغير طريقة تقديمنا للمساعدات وتطويرها… اعتدنا أن نعطي منحاً وودائع دون شروط، ونحن نغير ذلك، ونقوم بالعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف… لنقول نحن نريد أن نرى إصلاحات”. وتابع: “نحن نفرض ضرائب على شعبنا، ونتوقع من الدول أن تقوم بفعل نفس الشىء، وأن يقوموا بدورهم، نريد أن نساعد ولكن نريد من الجميع أن يقوموا بدورهم”.
هكذا احتدمت الأزمة الاقتصادية وحدث توقف لضخ الاستثمارات والمنح اضافة الي قلة فرص القروض إلي أن تحدث استجابة أكبر من الحكومة في تنفيذ الاصلاحات التي اتفقت عليها مع صندوق النقد وبوتيرة أسرع رغم اثارها السيئة بل والمدمرة علي الشعب المصري واصول وموارد الدولة المصرية.
بعد أن اتفق الجميع علي مصر. أما حان الوقت لنعيد التفكير في السياسيات التي قادت للأزمة، أم نستمر في المزيد من التنفيذ لسياسات الصندوق لنفقد ما تبقي من الأصول وليسقط ما تبقي من المصريين تحت خط الفقر. هناك بدائل للخروج من الأزمة ولكن الحكومة مستمرة بنفس السياسات التي ثبت فشلها.