أمير متى يكتب: الملفات الحساسة في الإدارة الجديدة

تولي بايدن رئاسة الادارة الأمريكية بعد انتخابات شديدة الحساسية، انتهت بمشهد مأساوي وهو اقتحام مقار الكونجرس الأمريكي. كان العالم كله يرى ما يحدث بقلعة الديمقراطية وهي بين براثن الصراع علي السلطة، يشمت فيها من يري في الديكتاتورية حلا، ويحزن من يرى أن من بـ قمة السلطة لا يرى أي مسؤولية فيما يحدث بل و يفرح في صراع داخل مبنى الكابيتول.

خارجيا رؤية بايدن تختلف جذريا عن ترامب، فالرجل يميل إلي دور عالمي للولايات المتحدة، و مسؤولية تجاه المجتمع الدولي، ولعل أبلغ دليل على ذلك هي القرارات في أول يوم رئاسة بالرجوع إلى منظمة اليونسكو، و اتفاقية المناخ بباريس. لكن تتعقد المسائل أكثر جدا في علاقة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وعلى عدة مستويات:

إيران

كان بايدن من المؤدين لاتفاق JCPOA بين إيران والغرب برعاية ألمانية، والذي وضع قيود صارمة على إيران في تخصيب اليورانيوم في مقابل تخفيف القيود الاقتصادية على إيران، بعد انتهاء فترة أوباما قام ترامب بالانسحاب من الاتفاق ووضع الكثير من القيود على إيران.

المشكلة التي تواجه بادين و تجعل العودة إلى اتفاق JCPOA شبه مستحيلة أن أغلب الخطوط الحمراء في الاتفاقية قد تجاوزتها كل من إيران و أمريكا. فـ الاتفاقية تحدد ٥% نسبة تخصيب بينما وصلت إيران حاليا إلي ٢٠%، كما أن كمية اليورانيوم نفسها زادت جدا عن الكمية المحددة في الاتفاقية ب٣٠٠ كجم. ومن الناحية الأخري رفع المنع الأمريكي على الشركات التي تعمل في إيران لن يدفع تلك الشركات للعودة مرة أخري إلي الاستثمار في إيران، والأهم هو فقدان الثقة في أية نتائج تسفر عنها مباحثات مستقبلية، قد ينسحب منها الرئيس الأمريكي القادم. كل تلك العقبات تجعل من العودة إلى JCPOA شبه مستحيلة.

القضية الفلسطينية

التغير الكبير في الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية يأتي في عدة نقاط

أولا ظهور مبدأ التنمية مقابل السلام في مبادرة كوشنير يفتح الباب أمام تغير مبادئ السلام الأساسية كـ الأرض مقابل السلام، وحدود ٦٧، واللاجئين. هذه التغيرات يصعب الرجوع عنها إلي ما قبل ترامب، ليس لأنها نجحت في إثبات وجودها، و لكن لأنه لم يقاوم أحد وجودها، ففي حكم ترامب أعترفت أمريكا بالقدس كعاصمة لاسرائيل، و الجولان كأراضي أسرائيل، و قبل رحيل ترامب كانت ٣ بلاد عربية وقعت اتفاقيات سلام. تلك التغيرات يستحيل الرجوع عنها، و ما بقي من علاقة امريكا بالقضية تتمثل في دعم مادي لمؤسسة غوث للاجئين و فتح مكتب منظمة التحرير في أمريكا دون قدرة حقيقية في العودة إلي الوراء. فبادين خبراته محدودة نسبيا وغير مؤثرة، وعهد الوساطة الأمريكية للسلام بين إسرائيل وفلسطين انتهى إلى غير رجعة لضعف العرب وعامل الزمن وتشتت الفلسطينيين.

إسرائيل

العلاقة بين أمريكا وإسرائيل لا تتوقف علي ساكن البيت الأبيض، بل تمتد إلى الكونجرس والمجتمع المدني، وهذا يعني أن علاقة إسرائيل المميزة أثناء حكم ترامب لم تنتهي ولكن سوف يتغير محتواها من سيل الاعترافات بالقدس موحدة كعاصمة أسرائيل، للاعتراف بالجولان أراضي إسرائيل، إلى دعم أمريكي لإسرائيل عن طريق دعم ودمج عسكري وأمني أكبر بين إسرائيل والدول العربية، فظهر بوادر ذلك حتى قبل رحيل ترامب عندما أنتقل الملف العسكري والأمني لاسرائيل من مركز القيادة الاوروبية للجيش الامريكي (المسؤول عن أوروبا) إلى مركز القيادة المركزي للجيش الأمريكي (المسؤول عن الشرق الأوسط) مما يعني أن الدول العربية عليها أن تتعامل بصفة مباشرة أمنيا وعسكريا مع إسرائيل تحت الغطاء الأمريكي. وأغلب الظن أن بايدن سوف يدعم هذا التوجه و سوف يرسل قوات أمريكية إلى المنطقة للمساعدة في زيادة النفوذ الأمريكي خاصة بعد زيادة النفوذ الصيني و الروسي و سحب ترامب القوات الامريكية من مناطق عدة.

مصر

بلا شك كانت هزيمة ترامب مقلقة للنظام المصري، حيث ضمن ترامب عدم مسائلة عن المسار الديمقراطي وحقوق الإنسان في سبيل ضمان استقرار الأمن الأمريكي. وظهر شعور مصر أن هناك ضغط متزايد عليها سواء في أوروبا أو الكونجرس ف الالتجاء إلي شركة لـ اللوبي الأمريكي بـ ٦٥ الف دولار شهريا للمساعدة في تحسين صورة مصر خارجيا.

في المقابل، تتوزع الملفات مع مصر إلي أبعد و أعمق من حقوق الانسان، فـ مسألة المعونة الامريكية دخلت حيز جديدا بعد قرار الكونجرس بوضع مبلغ ٦٥ مليون دولار مرهونة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر بدون أستثناء، و ٣٠٠ مليون أخرى مع وضع استثناء للخارجية الامريكية، بالاضافة إلي عاصفة مقبلة تتمثل في استلام مصر طائرات سوخوي ٣٥ مما يضعها تحت طائلة العقوبات، وهو ما حدث مع تركيا في استلامها منظومة دفاع جوي و وضعها تحت العقوبة و البحث عن سبل للتفاوض مع الإدارة الأمريكية والبنتاجون لرفعها، نفس المصير قد يواجه مصر إذا استمرت في عقدها مع روسيا. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *