أمير متى يكتب : الاتجار الدولي في البشر
عُرف الاتجار التقليدي بالبشر بأسم العبودية في التاريخ العالمي، حيث كان يتم ارسال العبيد من أفريقيا إلى أوروبا والولايات المتحدة حتي انتهت العبودية التقليدية من التاريخ الانسانى (علي الأقل بصفة رسمية) في منتصف القرن العشرين.
ولكن ظهر في الستينات نوع جديد من العبودية تمارسه الانظمة السياسة. ظهر في بداية الامر في كوبا مع أنشاء منظمة إرساليات هافانا للخدمة الطبية. حيث تقوم المنظمة بإرسال طلاب الطب والخرجيين لديها لدول امريكا الاتينية لاكتساب الخبرة، مع ارتفاع في الدخل.
في ٢٠١١ كُتب تقرير في BBC عن قصة طبيبة تحت التمرين بتخصص العناية المركزة من كوبا، كانت تتقاضي شهريا ١٥ دولار. تم إرسالها الي فنزويلا مع مرتب أعلي (١٢٥ دولار). و لكن ما تحصل عليه الطبيبة حقيقيا هو ١٥ دولار (نفس اجر في كوبا) و الباقي يتم ارساله الي الحكومة الكوبية.
طبقا لبيانات المنظمة، تحصل كوبا علي ما يقرب من ٦ مليارات دولار سنويا نظير خدمات طبية قام بها ٣٧ الف طبيب كوبي في ٦٧ دولة حول العالم. تصل بعض مرتباتهم الي ٣١٠٠ دولار يتم توريد ما يقرب من ٧٥% منها الحكومة الكوبية.
مع انتشار وباء كورونا حول العالم، قامت كوبا بزيادة الإرساليات الطبية إلى مختلف دول العالم لزيادة دخلها بالاساس الاول. كان من بين الدول إيطاليا لاول مرة. فقامت بإرسال ٥٢ طبيبا إلى إيطاليا للمساعدة في مواجه كورونا (من وجه النظر الرسمية) واستخدام الاطباء كرقيق تحت العبودية لجلب المال الي الحكومة الكوبية (واقعيا).
تتكرر القصة مرة أخري مع كوريا الشمالية. فكوريا الشمالية ترسل مواطنيها الي دول العالم للعمل في معسكرات، دون ان يتقاضوا مرتبات. ويتم تحويل مرتباتهم إلى النظام في كوريا الشمالية. العمالة هنا بأعداد كبيرة جدا عن كوبا، و تدور العبودية في مجال البناء والانشاءات.
فنجد ان الدول المحيطة بكوريا الشمالية لها النصيب الاكبر من الاتجار في البشر، ففي الصين بها ما يقرب من ٨٠ الف، روسيا بها اكثر من ٤٠ الف.
تتوسع الخريطة ويدخل من ضمنها دولا عربية بها معسكرات للكوريين الشماليين في الكويت (ألفان و خمسمائة)، قطر (ألفان)، الامارات (الف وخمسمائة)، عمان (ثلاثمائة). و يترواح مرتب الكوري بين ألف وألف وخمسمائة دولار شهريا يتم ارسالهم إلى حكومة كوريا الشمالية.
ما بين كوبا وكوريا الشمالية قصص بها الكثير من المآسي وآلام عن مواطنين حاولوا الهروب من معسكرات العمل، قصة نحن جميعا شركاء فيها باللامبالاة أحيانا و بالتبرير أحيان اخري. فالحاجة الي أبنية فخمة بعمالة رخيصة في الخليج، تعادل تغاضي إيطاليا عن إرسال اطباء كعبيد اليها وإرسال الثمن إلى كوبا مع الشكر.
حتي الولايات المتحدة ونظامها الحالي يتحمل جزء من المسؤولية حين علمت وقبلت ان التوسعات الانشائية في قواعدها العسكرية في الامارات قام بها كوريين شماليين.
في منطقتنا العربية هناك كثير من صور اقل مأساوية من كوبا و كوريا الشمالية، فنظام الكفيل هو الاسم الرسمي للعبودية، والعمل بالاجبار والعمل تحت التهديد صور من صور العبودية المقننه. فحرية العمل وتقاضي راتب علي العمل شئ انساني قبل ان يكون اقتصادي للانظمة.
نحن أمام أنظمة حكم لم تر في مواطنيها سوي أنهم عبيد لديها، يُرسلون الي دول العالم لجلب المال اللازم لهم و لحكمهم.