أسكتوا المدافع وأوقفوا نزيف الأزمات.. أحمد أبو الغيط: النزاعات العربية في ظل تهديد كورونا “عبث”
دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إلى وقف النزاعات التي يواجهها العالم العربي، والتكاتف لمواجهة تهديدات فيروس كورونا المستجد، الذي تسبب في آلاف الإصابات والوفيات على مستوى العالم.
وأضاف أبو الغيط، في مقاله بجريدة “الشرق الأوسط” السعودية، اليوم، في الذكرى ال75 لنشأة الجامعة العربية، إن العالم العربي أحوج ما يكون إلى قيمة العمل الجماعي المُشترك، حيث ما يزال الطموح سابقاً للواقع، والمأمول أكبر بكثير من المُتحقق، فمُشكلات العالم العربي لا تخفى على أحد، وجراحه النازفة تُدمي قلوبنا جميعاً. ومؤخراً صار على بلادنا التصدى كذلك لأخطر تحديات العصر، وهو جائحة «كورونا» التي ضربت أغلب الدول بدرجاتٍ متفاوتة من الحدة.
وأوضح أن أخطر أوجه هذه الجائحة يتمثل في تأثيرها على النسيج الاجتماعي، بصورة تجعل منها تهديداً ربما يفوق في خطورته الحروب والنزاعات، ذلك أنها تجعل من البشر أنفسهم «قنابل موقوتة» يمكن أن تنفجر في الجسد الاجتماعي في صورة متوالية هندسية تؤدي إلى تعطيل هذا الجسد، أو شل حركته كُلياً، كما نتابع في بعض البلدان، بكل ما يرتبه ذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية، وحتى أمنية وسياسية.
ولهذا السبب، تجد الحكومات كافة أنفسها أمام اختبارات صعبة في مواجهة هذا العدو الخفي. فالاستراتيجيات المطروحة للمواجهة تُرتب كلفة إنسانية واقتصادية عالية، والخيارات المتاحة أحلاها مُر.
ولفت إلى أنه رغم ما تقتضيه مواجهة تفشي الوباء من إجراءات «التباعد الاجتماعي» والحجر الصحي والعزل الذاتي، فإن السلاح الأقوى في مواجهته سيظل تضامن البشر وتعاضدهم وتراحمهم، وشعورهم بوحدة المصير الإنساني في مواجهة عدوٍ لا يمكن الانتصار عليه سوى بهزيمته في كل مكان. إن روح الانتماء للمجتمع والشعور بالمسؤولية إزاءه هي طوق النجاة للمجتمعات جميعاً، ومنها مجتمعاتنا العربية التي عُرف عنها التعاضد في الشدائد، والتآزر في الملمات.
وتابع: “ليس بخافٍ ما تُعانيه بعضُ الدول العربية من أزماتٍ مشتعلة. بعض هذه الأزمات، وبالذات في سوريا واليمن، كانت له كُلفته الإنسانية الهائلة. وفي سوريا على وجه الخصوص، أجمع الكثيرون على أن البلاد تواجه أخطر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية مع وجود نحو نصف السكان بين أماكن اللجوء والنزوح”.
ومنذ اشتعال المواجهات في شهر ديسمبر الفائت، شُرد نحو مليون سوري. ولا ينبغي أن يُنسينا الوباء الحالي أن أهلنا في اليمن يُعانون بالفعل، ومنذ ثلاثة أعوام، من تفشي وباء «الملاريا»، الذي تجاوز عدد المصابين به نحو 116 ألفاً حتى أكتوبر الماضي، فيما تقول منظمة الصحة العالمية إن 21 مليون يمني معرضون للإصابة به.
وشدد أبو الغيط على أن هذه الأوضاع الإنسانية الخطيرة هي عَرَضٌ للمرض الأصلي، وهو استمرار النزاعات. لقد آن للمدافع التي يقتل بها أبناء الوطن الواحد بعضهم البعض أن تسكت، خصوصاً أن الوضع العالمي في مواجهة جائحة «كورونا» يجعل من استمرار مثل هذه النزاعات نوعاً من العبث، داعيا كافة الأطراف إلى وقفة صادقة مع النفس، وأناشد مشاعر الرحمة والمسؤولية الإنسانية لدى الجميع مطالباً بإيقاف القتال على كافة الجبهات العربية المشتعلة.
واستطرد: “إن الأزمة التي تواجه العالم ستضغط على جميع الموارد المتاحة، وستحتل مواجهة الجائحة الأولوية المطلقة بين برامج المساعدات، بما يُرتب معاناة أكبر على الجماعات التي تُعاني بالفعل من أزماتٍ إنسانية، واللاجئين والنازحين والفئات الأضعف، وفي عبارة موجزة: إذا لم نُساعد أنفسنا في المقام الأول، فلا نلوم الآخرين إن هم قصروا في مد يد العون”.
ويرى الأمين العام للجامعة العربية أنه صار من الواضح اقتضاء مواجهة جائحة «كورونا» أكبر قدر من التضامن والثقة بين الحكومات والجمهور. وفي المنطقة العربية تُعاني بعض الدول من أزمات سياسية ممتدة، بخاصة في العراق ولبنان. ومرة ثانية، فإن اللحظة الحالية لا تتحمل الصراع السياسي، بل تقتضي أقصى درجات الاصطفاف الوطني. إن الشعوب العربية تنتظر من قادتها وسياسييها الارتفاع إلى مستوى التحدي، والتسامي فوق الخلاف السياسي، والالتقاء على كلمة سواء، ذلك أن مواجهة تحدٍ على هذا القدر من الجسامة كجائحة «كورونا» تستلزم في الأساس توفر قدر من الثقة بين الحكومات والشعوب. وبغير هذه الثقة تفتقد الإجراءات التي تتخذها السلطات للفاعلية المطلوبة في محاصرة الوباء.
وأكد أن كل شدة تنطوي في داخلها على فرصة، وهذه الجائحة التي تُلم بالجميع من دون تمييز، ربما تُمثل فرصة للدول التي تُعاني الصراع، وتلك التي تُعاني الاستقطاب السياسي الحاد لإعلان هدنة تسمح بمعالجة الموقف، وتوقف نزيف الأزمات الإنسانية والمعاناة الاقتصادية التي تُعانيها الشعوب.
وواصل: “لقد كنتُ أعتزم أن أوجه في هذا اليوم رسالة تُذكر العرب بقيمة التضامن، وهم يحيون الذكرى الخامسة والسبعين للمنظمة الجامعة لهم والحاضنة لآليات التعاون بينهم، وهي كثيرة ومتشعبة وتغطي كافة أوجه النشاط الإنساني تقريباً، على أن أزمة الوباء العالمي حملتني على توجيه النداء مُجدداً بالحاجة إلى وقف الصراعات المشتعلة في بلادنا، وتجسير هوة الاستقطاب والصراع السياسي، والاحتشاد من أجل مواجهة هذا الخطر الداهم”.
واستكمل: “ربما كانت هذه النازلة فرصة جديدة للدول العربية لتوثيق عُرى تعاونها، وتعميق أوجه التنسيق بينها في كافة المجالات، ذلك أن تداعيات الجائحة لن تقف عند المجال الصحي، وإنما سيُعاني الجميع آثارها الاقتصادية والاجتماعية لفترة ليست قصيرة، وهو ما يقتضي أُطراً عربية لتنسيق الجهود وتبادل الخبرات وتقاسم الأعباء”.