أحمد فوزي يكتب: في المسئولية الإجتماعية.. عن ساويرس وعرفة ومنظري الرأسمالية ودعاة الطائفية
(عودنا الدائم على بدئنا الأول)، أستعير بداية مقالى عن الكورونا وتداعياتها، من عنوان لمقال قديم لحازم صاغية أحد أبرز كتاب التيار الليبرالى فى منطقتنا العربية، أقدر وأحترم حازم جدآ وشجاعته فى إبداء رأيه، حتى لو اختلفت جذريآ معه، أنا ابن تيار يعي جيدآ، أهمية تعدد واختلاف المذاهب السياسية وحرية البشر فى تنظيم أنفسهم وإبداء آرائهم واحترامها وما لفت انتباهى وضيقى، أن منظريين معتبرين كحازم صاغية ورموز لتيار الليبرالى فى مصر والمنطقة، تعاملوا مع فشل الرأسمالية فى مواجهة هذا الوباء الجامح، و كأن شيئا لم يكن، وأن السياسيات المتوحشة التى انتهجتها منذ تسعينيات القرن الماضى فأنتجت أسوأ طبعاتها فى السنوات العشر الأخيرة، بوصول تيار يمينى شعبوى كترامب وماكرون وچونسون وبولسانرو، بتوجهات قحة، أدت إلى عدم قدرة النظم الصحية فى العالم ومراكز الأبحاث على مواجهة ڤيروس، حتى التعاطف الإنساني بين دول جوار في الإتحاد الأوروبي أصبح وهمآ.
وسط هذا نجد أن أصدقائنا هنا تجاهلوا كل المعطيات وهاجم بعضهم اقتراحات يسارية لحلول الأزمة، انتقدوا الحلول فقط، وتجاهلوا نهائيًا، أن بداية حلول الأزمة البشرية، بعد تجاوز الوباء الذي ستنتصر البشرية حتمآ عليه، هو التبشير بعالم مختلف تختلف سياساته وتوجهاته، نجد دفاعآ غير مبرر عن تصريحات وسياسيات منحطة ، تشبه مثلا تجاهل اليساريين لغياب الديمقراطية فى الاتحاد السوڤيتى وبلدان أوروبا الشرقية فى السابق، أو تجاهل الإسلاميين أنهم السبب الرئيسي فى فشل طبعة الربيع العربى فى منطقتنا.
عندما يخرج المهندس نجيب ساويرس، وهو من قدم نفسه واقعا باعتباره كريمة الطبقة والأكثر تحملا لمسئوليات اجتماعية، يرعى مناسبات ثقافية وفنية، ويقرر ممارسة السياسة نفسها، فيصرح مرة عند سؤاله عن كيفية مواجهة الأزمة بالصلاة والدعاء، و مرة أخرى بإقتراحات ترجع بنا لطريقة استغلال أصحاب رأس المال فى عشرينيات القرن الماضى للعمال، بوضع العمالة فى عنابر لا تخرج منها، مشيرا إلى أنه لا خطورة من المرض الخطورة من عدم استمرار التشغيل، طب وانت يا بشمهندس؟ لا انا قاعد فى وسط عيالى، أنا قد ألجأ إلى تحفيض العمالة ونفقاتها، ثم يخرج بعدها المهندس علاء عرفة بتصريحات أسوأ.
فالمدهش أن نجد من يبرر تلك التصريحات، ويتصور أنه لا بديل عنها أو أن من يطرح بدائله يعنى أنه يريد التأميم، وهو ما لم يطرح، وللعلم فهو حل لم تخترعه الاشتراكية، وللعلم ايضآ ان الصين ليست نموذج للاشتراكية، بل هى تجلي حاد لعيوب الرأسمالية وإن كانت تجربة الصين أصعب من الاستيعاب والدراسة، فانت تتحدث عن مليار ونصف المليار من البشر بما يعادل سدس تعداد البشرية، المهم أن ما طرحه اليساريون و الديمقراطيون الاجتماعيون من حلول لم يتعد ما طرحته أعتى الدول الرأسمالية فى العالم حتى الآن؟ السؤال ماذا نحن فاعلون لانقاذ أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة، وعمال اليومية والمهنيين المتأثرين بحالة الكساد القادمة لا محالة، ومن يتحمل مسئوليتها ومن يتحكم في توفير أماكن عزل طبى ومعدات طبية ورعاية وكفالة الأطقم الطبية، من يتحمل أن يستمر البشر في المنطق الاستهلاكي فقط الذي خلفته الرأسمالية بصورتها الأخيرة، بالطبع هي الطبقات الإجتماعية القادرة على ذلك، والتي اثرت كثيرآ باعفاءات ضريبة واستفادت فى مرحلة ما قبل يناير بفساد سبب الانتفاضة الشعبية.
ويبقى الموقف الأكثر إثارة للدهشة، من ردود منظري التيار الليبرالى، الذين يدافعون عن منطق البرجوازية فى مصر وينتقدون أي موقف يطالبهم بتحمل مسئوليتهم الإجتماعية، هو منطق قطاع من المتنورين المسيحيين الذين اعتبروا أي نقد لكلام ساويرس نقد طائفي، فهو موقف غريب خاصة وأن الأمر يتعلق بإراء له، طالما كان لكثيرين منهم مواقف واضحة منها، بخلاف أن من يوجهون هذا النقد، لساويرس وعرفة وقطاع من رجال الأعمال اختاروا الانتصار للبيزنس على حساب العمال، غير مسئولين تماما عن أي استغلال طائفي لذلك من قبل قنوات الاخوان أو استخدام ذلك في دعاية طائفية فهم طائفيون، وكلنا نهاجم طائفيتهم، لكن الدفاع عن موقف نجيب بهذه الطريقة هو تجسيد للمنطق الطائفي أيضا.
نحن أمام خلل عقلى وأخلاقى لطبقة لا تعي أنها أمام لحظة مختلفة، وأن ثرواتها لن تفيدها، وأن استمرار أسواقها مرتبط بأنقاذ مستهلكيها.
ولكن هل تستمر المناشدات بالقطع لا، فالدولة عليها دور واجب، الدولة المسئولة عن تلبية حاجة المواطنين والتي تحتكر أدوات القوة والعمل السياسي، يجب عليها أن تتخذ قرارات حاسمة تحمى حياة مواطنيها، منها إجبار طبقات على المساهمة، ووقف عبث بعض المؤسسات الرياضية مثلا، فلا يمكن ترك الإعلام الرياضى والنوادي التابعة للدولة تستمر فى هذا العبث، لا يمكن الاصرار على استمرار استكمال تصوير أعمال فنية، لا يمكن أن نطالب المواطن الغلبان (اللي مش لاقى ياكل) بالجلوس فى المنزل والمسلسلات يتم تصويرها ومن يقولون له “خليك في البيت” يواصلون أعمالهم بتصوير المسلسلات، لا يمكن أن يترك لاعبون ومؤسسات رياضية تتجاهل أزمة مجتمعها والاكتفاء بتصوير ڤيديوهات “المن” على الناس، من نوعية “أنا بطعم 50 اسرة”، وفي النهاية ورغم كل هذ “المن” تخرج الجهة الخيرية لتعلن إن إجمالي تبرعات هولاء النجوم لم تتجاوز ثلاثة ملايين، فى المقابل تتجاهل تلك المنابر الاعلامية معاناة البشر، وتستمر برامج يحصل مقدموها على مبالغ طائلة في تقديم حكاوى تافهة عن لاعبين جدد وعدم توقيع لاعب على عقد، لمدة خمس ساعات ، نسمع حوارات عن (حاخد 12 مليون لأ حاخد 15مليون)
يجب ان يكون هناك دور شعبى من خلال ضغط محبى تلك الاندية على ادارة النوادى والرياضيين، بتحمل مسئوليتهم الاجتماعية، وبتوجيه جزء من رواتبهم لمكافحة الوباء، وما يسرى على الرياضة يسرى على غيرها من الأنشطة الترفيهية، فتلك الانشطة ترتبط شعبيتها ونجاحها بجمهورها ومريديها الذين يتعرضون لنكبة فى غياب أي رشد عقلى واخلاقي.
فى رأيي أن الاداء الحكومي، حتى الآن أفضل مما تصورت بكثير، وفقإ لامكانيات وقدرات أراها محدودة، وبالتأكيد إن بعض صغار رجال الاعمال طرحوا مبادرات اجتماعية رائعة منها محاولات تصنيع أجهزة التنفس أو مبادارت لحل الأزمة الاقتصادية، بخلاف مبادرات أهلية لبعض الشباب ممتازة للوقوف مع أهاليهم وكذلك المبادرات الشبابية لمجموعات حزبية، لكن الأمر يحتاج لما هو أوسع ولإدارة أكثر قوة ورشادة ونظرة إلى بقية المطالب الإنسانية التي يتم تجاهلها حتى الآن كالإفراج عن السجناء وتخفيف التكدس في السجون.
اخيرآ نحن فى حاجة جادة لإجراء حوار عاقل عبر مواقع التواصل المتاحة بين المدارس السياسة المختلفة، بعيدا عن المكايدة السياسية واستغلال الأزمة، يطرح فيها الجميع تصوراتهم، فالمجال السياسى يعاني أزمة حقيقية، نعم غياب أحباب لنا فى السجون مفجع لكن علينا أن نتحاور حول الأزمة بتفاصيلها وطرح الحلول وطمأنة أهالينا، والاشادة بأى عمل ايجابى تقوم به مختلف الأطراف بما فيها السلطة، فى مواجهة الكوارث ونصحها وارشادها لتلافى السلبيات، وفي مقدمتها حالة احتكار السياسة والإدارة الأمنية لمقدرات الدولة، وكذلك الضغط بكل امكانيتنا على المؤسسات الرياضية والدينية والشخصيات العامة الفنية والثقافية والرياضية والإعلامية لتحمل مسئوليتها الاجتماعية، ليس على طريقة “أكفل فقير”، فالأمر ليس من ولا عطية و لا حسنة، بل واجب وحق .. واجب على من أثرى بلا سبب منطقي أو بسبب اختلالات اجتماعية وسياسية، وحق لمن أعطى كل هولاء ثرواتهم.