أحمد سعد يكتب: ما دُمتَ ستُحاجينا أمام الله.. فأجبني ليطمئن قلبي
كان نبيا في قومه، بُعث إليهم بالحق، تنزلت عليه كلمات الله، فسكنت قلبه وألهمته السكينة، رأى المُعجزات بعينيه وجربها بنفسه على نفسه، ورغم ذلك طلب البراهين.. ليطمئن قلبه.
إبراهيم الخليل، أبو الأنبياء، الذي اختار بملئ إرادته أن يترك طريق أسلافه، اختار البحث عن الحق، درب شاق غير أنه قرر أن يسير فيه؛ ولو بمفرده.. فلما اعتزلهم وما يعبدون، هبطت عليه رحمة الله، فأنجته من الآلام وجعلت من النار بردًا وسلاما.
غير أن إبراهيم (وقد أصبح نبيًا)، وقف بين يدي ربه يطلب البراهين، ليس عن ضعف إيمان، ولكن ليطمئن قلبه، شجاعةٌ منقطعة النظير دفعته أن يطلب (وهو النبي الموحى إليه) أن يريه الله كيف يحيى الموتى.
لكن، هل تعلم ما الذي يثير إعجابي أكثر من شجاعة إبراهيم؟!، إن مثار الإعجاب في تلك الرواية الدينية هو الرد الذي جاء إليه.
(خالق الكون) لم يستنكر السؤال، لم يُغضبه، لم يرفضه، لم يلفظه، لم يسحق إبراهيم لأنه سأل، لم يلق به خلف أسوار الجحيم.. استمع “الملك” إلى السؤال، وأعطى البرهان.
وسواءٌ أكنت مؤمنًا أم لا، فإن عليك أن تطرح الأسئلة حول تواتر هذه الرواية، عليك أن تضع الكثير من علامات الاستفهام على ورودها في ذكرٍ محفوظ.
(إنسان) يطلب (من الله) البرهان حتى (يطمئن قلبه)، إنه لأمر عجيب.. السؤال إذًا ليس جريمة والرد على السؤال ليس انتقاصًا، ذلك يناقض تمامًا ما يحاول البعض ترسيخه.
عبر قرون ممتدة من تاريخ البشرية، حاول جُل صاحب سلطة، أن يُرسخ لدى الناس أن (السؤال) هو (إهدار لكرامته)، وأن طلب البراهين على صدق ما يقول هو تعدٍ على كبريائه، وأن رده هو تنازل مملوك بيده قد يمنحه وقد يمنعه.
مازال بعض الحُكام يتعاملون مع “السؤال” باعتباره “جريمة”، ويتعاملون مع “إدارة الأمور” وكأنها شأنٌ عائليٌ لا يصح أن يُنشر على الملأ.. طريقة تخالف تمامًا ما ورد في “الرواية الدينية” لقصة إبراهيم الأشهر، ففي قصة الخليل كان السؤال ثم جاءت الإجابة ثم نُشر الأمر على الناس في كتاب يُقرأ منذ ألف عام وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لم يتعامل القرآن مع الرواية باعتبارها من جرائم النشر.
سنقف جميعًا يومًا لنتحاجج أمام الله، هذا صحيح بلا ريب، لكن إذا كنت سأحاججك وتُحاججني حينذاك، فإن علينا أولا أن نتحاجج هنا، أن أسألك وتسألني، أن أرد عليك وتجيبني.. أما أن تحرمني من حقي في ذلك فإن ذلك بداية خسران المحاججة أمام الله.
دعني أسأل وعليك أن تجيب، دعني أطلب البراهين على صدقك وأتلقى الرد.. وإن كان السائل ليس أعظم من إبراهيم فكذلك من سُئل ليس أكبر من “الملك”.