أحمد سعد يكتب: المتحرش مجرم وكفى.. ليس هناك لكن
“أنت مش شايف هي لابسة إيه؟!”.. “طبعا المتحرش مجرم لكن هي برضو غلطانة”.. “محدش قال إن التحرش مبرر، بس لبسها مستفز في الحقيقة”.. “طب هو مش الدين حرّم الزي دا أساسا؟!”.
في القانون هناك ما يعرف بـ”التعسف في استخدام الحق” وهو توسع صاحب الحق في استعمال حقه بقصد الإضرار بغيره، بالطبع يعاقب القانون على “التعسف” لكنه في معظم الحالات يكتفي بالغرامة المادية.. أي أن المخطئ يخضع (للتعويض) وليس (العقاب)، ذلك أنه يستخدم (حقه) في الأصل.
ليس لـ “التعسف في استخدام الحق” الوارد هنا علاقة بقضايا التحرش، لكن البعض يبدو وكأنهم يريدون استخدام ذات أبعاد النظرية معنويا.. ويعممونها مجتمعيا.
في طرفة عين، يتحول المجرم في مجتمعنا إلى مجني عليه، بين ليلة وضحاها تظهر مشاعر انحطاطية تجعل من المتحرش مجرد (رد فعل) على استفزازت (المتبرجات).
“المتحرش مجرم، ولكن…” ويا ويلنا من بعد (لكن)، ستُظهر لك العبارات التالية لهذه الحروف الثلاثة أن المجرم هو فقط شخص تغوّل في استخدام حقه وأفرط في إظهار انتقاداته واعتراضاته على ملابس من تحرش بها.. هو إذًا مجرد شخص أساء التعبير عن غضبه!.
هكذا، بهذه البساطة، نلقي بالتشوهات على الجاني والمجني عليه فنرتاح من الأعباء النفسية التي تلاحقنا، نُدين المتحرش لكننا -في الوقت ذاته- لن نتورع عن إدانة المتحرش بها.. وبهذا نكون قد أقمنا الوزن بالقسط ولم نخسر الميزان.
يا من تعترض باسم الدين على زيّ هذه وملابس تلك، ألا تعرف أن الدين سمح لك بالنصيحة لكنه لم يسمح لك بالاعتراض مادام الأمر يدخل في إطار الالتزام (الشخصي) بالأوامر والنواهي؟ وشتان الفارق بين (النصيحة) و(الاعتراض).
قل لي، إن أقررنا جدلا بحقك في النصح فأين هي النصيحة في انتقادك لزي فتاة لا تعرفها ولا تعرفك تم التحرش بها؟
قل لي، ما هو العدل في إدانة الظالم والمظلوم؟
قل لي، ما هو الإيمان في التماس العذر لمجرم ولو من طرف خفي؟
قل لي، ما هو الخير في التهديد دوما بانفجار رغباتك المكبوتة؟
يا سيدي، ليس لك سلطان على ما ترتديه هذه أو تلك، لا أنت تملك فرض زيّ عليها، ولا أنت بالطبع إله لتحاسبها.. وطالما ليس لك سلطان عليها ولا تملك لها حق النصيحة وليس من سلطتك العقاب فاحتفظ برأيك في ملابسها لنفسك ولا تشجع ظالما على فعله بانتقاد من ظلمه.. حين تضيف (لكن) في نهاية جُملة تدين بها المتحرش لتنتقل فجأة إلى الحديث عما ترتديه المتحرش بها فأنت بذلك تمنح المجرم -دون أن تدري- مشروعية لفعله المشين، تتخلى عن إنصافك وتلتمس له عُذرًا ليس في محله.. لا تقل (لكن) يا صديقي، فقط قل (المتحرش مجرم) وكفى.