أحمد سعد يكتب: استنزاف الروح.. لماذا حزنت على أبوالغيط؟!
لم ألتقيه مرة واحدة، لم أصاحبه في الدراسة ولم أزامله في العمل، لم أكن معه في مرضه الأخير، ولم أبداله الكُتب، بل وحتى لم أقرأ كتبه.. فلماذا كل هذا الحُزن؟!
مندهشٌ أنا من انقباضة قلبي، وغُصة حلقي، وألمي على محمد أبوالغيط الكاتب الشاب الذي قاوم المرض ببسالة حتى آخر لحظاته.
عودّت نفسي منذ سنوات على ترميم جدار عازل عن الأوجاع، أسارع إلى إعادة بناءه مع كل خبر مؤلم، لكنه انهار في ثوانٍ معدودة مع خبر الوفاة.. لم تنفع الجدران ولم تُجدِ.
حزنٌ ممزوجٌ بغضب يغالب نفسي، لماذا يرحل الأنقياء؟ لماذا لا يرحل سوى الأنقياء؟! ومن يبقى في دنيانا بعد رحيلهم؟
لا اعتراض على قدر الله ولكننا في صحبة الأنقياء نستأنس بالنور عساه يرشدنا، فمن يؤنسنا في الظلمات إن غابوا؟.
“أنا قادم أيها الضوء”، بذا عنون أبوالغيط كتابه الأخير، ربما هو عنوان كاتب أحسن اختيار كلماته، وربما هي نبوءته لنفسه، فعلى الجانب الآخر يسطع الضوء.. خرج الشاب -مُبكرًا- من نفق الدنيا المظلم إلى ضياء الحرية.
وإن كُنا مغلولةٌ أيادينا، مشلولةٌ مساعينا، فإنا نغبطه على “الضوء” ونرجو أن نلحق به إلى “البراح”.
ربما لذلك يعتصرني -كما الكثيرين- الحزن، ولا أدري أهو حزن الفراق أم هو حزن البقاء في الظلام، ولا أدري أَوَجعِي على آلام مرضه الأخير أم على إنعكاس مقاومته على الأنفس، أمرارة حلقي لصبري على الدنيا أم لنفاد صبره عليها؟!
ربما مرد حزني نجله الذي تركه في عمر الزهور، أو والد زوجته -المحبوس في قضية سياسية- والذي كانت أمنيته الأخيرة أن يراه حرًا كي لا تكون آلام الفقد مضاعفة عليها، وربما هو حزن على جيل كُتب عليه أن يحيا شبابه وحيدًا ويموت وحيدًا.
“حرب استنزاف أرواح” تلك التي نحياها، نتآكل داخليًا بأسئلة لا إجابات لها، تلتهمنا علامات استفهام، تقتلنا “لماذا”، وتعذبنا “لو”.
لبست ثوب العيش لم اُسْتَشَرْ
وحِرتُ فيه بين شتى الفِكر
وسوف أنضو الثوب عني
ولم أُدْرِكْ لماذا جِئْتُ أين المفر