أحمد النجار: الإنفاق على الصحة في مصر «الأدنى عالميا وإقليميا».. واستهداف الأطباء بالإدانة قد يزيد التنمر غير الإنساني ضدهم
كتبت- كريستين صفوان
أكد الكاتب الصحفي أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، أن هناك خطأ طويل الأجل في تقدير مكانة الإنفاق العام على الصحة في مصر، والتي أشار إلى أنها «الأدنى عالميا وإقليميا»، وطالب بتوفير الحماية للأجهزة الطبية والتمريضية والصيدلية والمحاسبة الإدارية للمقصرين منهم، بعيدا عن استهدافهم بالإدانة العامة التي يمكن أن تزيد التنمر الاجتماعي غير الإنساني في مواجهتهم في وقت تحتاج إليهم الأمة لحماية حياة أبنائها.
وقال النجار في منشور له عبر حسابه على موقع فيسبوك تحت عنوان «غياب الأطباء أم ضعف الإنفاق العام؟»، إن رئيس الوزراء حمل مسئولية زيادة الوفيات لغياب بعض الأطباء ووجه المحافظين لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة ذلك. وهذا الخطاب مغاير لخطاب الرئيس الذي وجه الشكر للأطقم الطبية وطلب إطلاق أسماء شهدائهم على الشوارع والمدارس والمشروعات»
وأضاف النجار: «فهل تقع المسئولية على الأطباء فعلا أم على ضعف الإنفاق الحكومي على الصحة الذي بلغت مخصصاته في موازنة عام 2020/2021 نحو 93,5 مليار جنيه أي ما يعادل 1,37% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر للعام المذكور، وهو أقل من ربع المعدل العالمي للإنفاق العام على الصحة، وأقل من نصف النسبة التي حددها دستور 2014 للإنفاق العام على الصحة (3% على الأقل)!».
واستطرد: «بالطبع يترتب على هذا المستوى من الإنفاق العام نقص في المستشفيات والتجهيزات والأدوية بما يجبر بعض المرضى للتوجه للقطاع الطبي الخاص بأسعاره التي لا توجد رقابة عليها ولا تتحملها غالبية الشعب. ويعاني العاملون في الجهاز الطبي والتمريضي والصيدلي لدى الدولة من ضعف الرواتب والبدلات مقارنة بفئات أقل تفوقا، ومقارنة باحتياجات الحياة الكريمة واللائقة».
وتابع رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق متسائلا: «هل تقع المسئولية على الأطباء أم على ازدواجية موقف المجتمع من الجهاز الطبي (طب وتمريض وصيدلة وعاملين بالقطاع) في زمن الوباء؟»، لافتا إلى أن المجتمع يحتاج إليهم كقوة لحماية حياة الأمة والدفاع عنها في مواجهة الوباء، وفي نفس الوقت يحملهم نتائج غياب التجهيزات بصورة تصل للاعتداء على البعض منهم أحيانا رغم أن ذلك مسئولية الدولة، وينفر من الاقتراب الاجتماعي منهم وكأنهم مصدر محتمل للوباء، مضيفا أن «بعض الأنطاع» يرفضون دفن شهداء الجهاز الطبي حتى بعد اتخاذ كل الاحتياطيات الوقائية.
وواصل النجار قائلا إن «هذه الظروف الملتبسة يمكن أن تدفع بعض الأطباء للابتعاد أو حتى الاستقالة أو التقصير الذي تجب محاسبتهم عليه، لكن الغالبية الساحقة صابرة وتؤدي واجبها الإنساني والوطني وتستحق الشكر العميق والتكريم بدلا من استنفار التنمر عليهم».
وبالعودة لمسئولية الحكومة، قال النجار إن الإنفاق العام على الصحة في مصر يبلغ نحو 5,5% من إجمالي الإنفاق العام في الموازنة العامة للدولة لعام 2020/2021 التي تم إعدادها في ظل انتشار وباء كوفيد 19 وهي نسبة تعتبر بين الأدنى عالميا وإقليميا. ووفقا لتقرير إحصاءات الصحة العالمية 2020 الصادر عن منظمة الصحة العالمية بلغت نسبة الإنفاق العام العالمي على الصحة عام 2017 نحو 10,2% من إجمالي الإنفاق العام العالمي، ونحو 7,2% في أفريقيا، ونحو 13,2% في الأمريكيتين، ونحو 8,1% في جنوب شرق آسيا، ونحو12,3% في أوروبا، ونحو 8,7% في شرق المتوسط، ونحو 9,6% في غرب المحيط الهادئ.
وبلغت تلك النسبة 13,6% في تونس، و 10,7% في الجزائر، و 12,4% في الأردن، و 7,5% في المغرب، و 23,6% في اليابان، و 13,4% في كوريا الجنوبية، و 22,5% في الولايات المتحدة.
وبحسب النجار، قد تزايدت تلك النسب بصورة قوية بعد انتشار وباء كوفيد 19، بينما استمر الإنفاق العام على الصحة في مصر كنسبة من الإنفاق العام ومن الناتج المحلي الإجمالي متدنيا كما هو واضح من البيانات الخاصة بالعام المالي 2020/2021 بصورة «تعكس إصرار المالية العامة على استمرار خطأ طويل الأجل في تقدير مكانة الإنفاق العام على الصحة في جدول الأولويات».
وشدد النجار أنه «بشكل واضح وكما كررنا عشرات المرات منذ سنوات طويلة» فإن مصر تحتاج لحل معضلات الرواتب والبدلات للجهاز الطبي (طب وتمريض وصيدلة وعاملين في القطاع الطبي عموما) ومعاملة شهداء الواجب منهم معنويا وماليا مثل شهداء الجيش والشرطة، وتطوير المستشفيات العامة وتوفير التجهيزات والأدوية، لافتا إل كل ذلك أمور تتعلق بالإنفاق العام على الصحة الذي لو تم الالتزام بما حدده دستور 2014 (3% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي) لما كانت هناك أية مشكلة في هذا الشأن.
كما شدد رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، في ختام منشوره على ضررورة توفير الحماية للأجهزة الطبية والتمريضية والصيدلية والمحاسبة الإدارية للمقصرين منهم، بعيدا عن استهدافهم بالإدانة العامة التي يمكن أن تزيد التنمر الاجتماعي الغير إنساني في مواجهتهم في وقت تحتاج إليهم الأمة لحماية حياة أبنائها.
يذكر أن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، قد قال يوم الثلاثاء الماضي، إن مصر لديها إرث ساهم في تدهور هذا القطاع الصحي بالمحافظات، ورغم ذلك أعتقد أننا نجحنا بنسبة معقولة أسوة بدول المنظومة الصحية بها أعلى كثير وذلك في مواجهة فيروس كورونا. وتابع خلال مؤتمر صحفي: «حدث تغيب عدد من الأطباء، وهو ما لاحظناه ورصدناه في بعض الأماكن وعدم انتظام الأطقم الطبية في أداء عملها، ووجهنا المحافظين باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك».
وأعلنت نقابة الأطباء – في وقت سابق – رفضها لتصريحات مدبولي عن «تقصير الأطباء» وطالبته بالاعتذار، وشددت على أن أطباء مصر منذ بداية الجائحة يقدمون أروع مثال للتضحية والعمل وسط ضغوط عظيمة في أماكن عملهم بدءاً من العمل في ظروف صعبة ونقص لمعدات الوقاية في بعض المستشفيات وفي ظل اعتداءات مستمرة على الأطقم الطبية على مسمع ومرئى من الجميع، ولم يصدر حتى قانون لتجريم الاعتداءات، وفي ظل تعسف إداري ومنع للإجازات الوجوبية، الأمر الذي طالما طالبت بتعديله نقابة الأطباء في مخاطبات ولقاءات متكررة معكم، وكل ذلك وأطباء مصر صامدون في المستشفيات لحماية الوطن” .
وتابعت النقابة أن من شأن هذه التصريحات تأجيج حالة الغضب ضد الأطباء وزيادة تعدي المرضي ومرافقيهم على الأطقم الطبية وتسلل الإحباط إلى جميع الأطباء، وتُعد تحريضًا إضافيًا للمواطنين ضد الأطباء بدلاً من إصدار قانون لتجريم التعدي على الأطباء، بحسب البيان. وطالبت النقابة رئيس الوزراء بالاعتذار والتراجع عن هذه التصريحات منعاً لحالة الفتنة .