أحمد السيد النجار يكتب: تقدير موقف بشأن مواجهة مصر التداعيات الاقتصادية لفيروس “كوفيد 19” والأزمة العالمية
النجار : على مصر ان تتعامل حكومة ومعارضة بدون مناكدات سياسية مع التراجع الذي سيحدث في معدل النمو
إعادة هيكلة الإنفاق العام لمواجهة الأزمة يتطلب تجميد الإنفاق على قطاع البناء والتشييد والبنية الأساسية
يجب أن تضع الدولة ضمن خياراتها إمكانية فرض سلطتها الكلية مؤقتا على القطاع الطبي لتوجيه وتحديد الأسعار دون تأميم أو تغيير للملكية
نشر الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق تقدير موقف حول التداعيات الاقتصادية لفيروس كوفيد محليا في ظل الأزمة العالمية التي سسخلفها..
وكتب النجار على حسابه على فيسبوك ” تعودت لما يزيد على 3 عقود على إعداد دراسة تقدير موقف تتضمن توصيات لصانع القرار لمواجهة أي أزمة اقتصادية. وكان ذلك يتم بطلب من إدارة مركز الدراسات الذي كنت أعمل به لرفعها لصانع القرار، أو بمبادرة شخصية أحيانا، أو بطلب من مراكز بحثية ومعلوماتية تابعة للدولة” .
متابعا “لوجه الوطن الذي أشرف بالانتماء إليه قمت بما تعودت على القيام به خاصة بعد طلب العديد من الأصدقاء.. مشيرا إلى أن الدراسة تعتبر طويلة بالنسبة للعالم الافتراضي، لذا سأنشرها كاملة الآن على أن أقوم باقتطاع أجزاء صغيرة في رسائل متتالية بعد ذلك.. آمل أن تكون الدراسة مفيدة لوطننا العظيم في معركته ضد فيروس كوفيد 19 وتداعياته الاقتصادية”..
وحذر النجار من استغلال الازمة التي يخلفها الفيروس في مناكدات سياسية قائلا ” وعلى مصر ان تتعامل حكومة ومعارضة بدون مناكدات سياسية مع التراجع الذي سيحدث في معدل النمو المتوقع للناتج المحلي الإجمالي لأنه ناتج عن أزمة عالمية كبرى”
واشار النجار إلى ضرورة إعادة هيكلة الإنفاق العام لمواجهة الأزمة وهو ما يتطلب تجميد الإنفاق على قطاع البناء والتشييد والبنية الأساسية، ولن تكون هناك أي مشكلة لأن مصر لديها مخزون عقاري هائل غير مستخدم”
وتابع النجار ” يجب أن تضع الدولة ضمن خياراتها إمكانية فرض سلطتها الكلية مؤقتا على القطاع الطبي وبخاصة المستشفيات وشركات الأدوية وتحديدا تلك التي تصنع الأجهزة الطبية والأقنعة الواقية والأدوية ذات العلاقة بمكافحة الفيروس، باستخدام ما يسمى “سلطة الأوامر” من خلال التوجيه وتحديد الأسعار دون تأميم أو تغيير لطبيعة الملكية.”
وإلى نص دراسة النجار”
تقدير موقف بشأن مواجهة مصر للتداعيات الاقتصادية لفيروس “كوفيد 19” وأزمة الاقتصاد العالمي
أحمد السيد النجار
بعد التقديرات الهزلية التي وضعها حول التأثيرات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) والتي ذهبت إلى أن النمو الاقتصادي العالمي سينخفض بمقدار 0,1% في العام الجاري، انصاع صندوق النقد الدولي لتقديرات الخبراء وأقر بأن النمو العالمي سيتراجع بمقدار 1% ليبلغ 2,4%. لكن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد بل إن تطورات الأزمة تشير إلى أن نمو الاقتصاد العالمي سوف ينخفض إلى أقل من 1% وربما يكون سالبا. وهناك اقتصادات كبرى ستدخل في ركود عميق مثل إيطاليا وألمانيا واليابان حيث كانت تراوح على حافة الركود أصلاً. وكانت معدلات النمو المتوقعة فيها بالترتيب في العام الحالي نحو 0,2%، 0,4%، 0,5% وذلك قبل انفجار أزمة الفيروس، كما ستدخل فرنسا وبريطانيا للركود على الأرجح حيث كان معدل النمو المتوقع في كل منهما قبل الأزمة نحو 1% فقط. ولو بقي أي نمو اقتصادي إيجابي في العالم فسوف يأتي من دول شرق وجنوب شرق وجنوب آسيا وعلى رأسها الهند والصين، إضافة للدول النامية عموما التي تستمر عجلة الإنتاج فيها في الدوران رغم انتشار وقسوة الوباء حتى الآن.
ويجب على مصر حكومة ومعارضة أن تتعامل بدون مناكدات سياسية مع التراجع الذي سيحدث في معدل النمو المتوقع للناتج المحلي الإجمالي لأنه ناتج عن أزمة عالمية كبرى. وتشير تقديرات وزارة التخطيط المصرية إلى أن النمو المتوقع في عام 2019/2020 سينخفض من 5,6% إلى 5,1%، وهو تقدير متفائل بعض الشئ لأن القطاعات التي تضررت بضراوة هي التي كانت مسئولة عن تحسن معدل النمو، وعلى رأسها قطاع السياحة.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة قد بلغ 5,1% عام 2018/2019. وبلغ المعدل نحو 3,3% في قطاع الزراعة والصيد والغابات، ونحو 2,8% فقط في قطاع الصناعة التحويلية، بينما بلغ المعدل 20,1%، و 17,9%، و 16,7%، و 8,8% في قطاعات السياحة، والغاز، والاتصالات، والتشييد والبناء بالترتيب. وسوف يتضرر قطاع السياحة بقسوة بسبب شلل النشاط في هذا القطاع. كما ستتعرض قيمة الناتج في قطاع الغاز للركود العميق بسبب تراجع الأسعار العالمية.
كذلك فإن إعادة هيكلة الإنفاق العام لمواجهة الأزمة تتطلب تجميد الإنفاق على قطاع البناء والتشييد والبنية الأساسية، ولن تكون هناك أي مشكلة لأن مصر لديها مخزون عقاري هائل غير مستخدم كما أوضح التعداد الأخير الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي أشار إلى أن هناك نحو 1,866 مليون مبنى مكتمل وخالي تمامًا، منها 1,364 مليون عمارة أو منزل، و 1770 برج سكني، و 78590 فيلا بها وحدة سكنية أو أكثر، و 32855 شاليه، و 347452 منزل ريفي به وحدة أو أكثر، ونحو 25629 مبنى للعمل، و 14973 كشك (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، نتائج تعداد عام 2017، صـ 220). كما قدرت وزارة التخطيط المصرية معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع في العام المالي 2020/2021 بنحو 4,5% مع وضع احتمال لانحفاضه إلى 3,5% في حالة استمرار أزمة “كورونا” حتى نهاية العام الجاري. وعلى الدولة أن تضع في حسبانها احتمالات تراجع النمو حتى عن هذا المستوى في ظل الضرر الجسيم للقطاعات التي رفعت معدل النمو في العامين الماليين الأخيرين.
وقد دعت مديرة صندوق النقد الدولي مؤخرا مختلف بلدان العالم إلى “الإنفاق بقوة”، وهي دعوة عشوائية ينطوي تنفيذها على المزيد من عجز الموازنات العامة للدولة، والمزيد من الإصدار النقدي غير المنضبط، وهي أمور يمررها “الصندوق” للدول الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، بينما يتشدد ولا يمررها للدول النامية المدينة عندما تلجأ إليه طلبا لإعادة جدولة ديونها أو للحصول على قروض جديدة.
وتلك الدعوة تكون منطقية عندما يتعثر أي اقتصاد بسبب نقص الطلب الفعال فتكون الحكومة مدعوة لتنشيط الطلب عبر التوسع في الإنفاق العام، أما هذه الأزمة فلم يخلقها نقص الطلب فقد كان موجودا بالفعل، بل خلقها شلل الاقتصاد أي نقص النشاط الاقتصادي بسبب فيروس شديد القسوة وسريع الانتشار ضرب العديد من القطاعات الخدمية والصناعية وأدى لتوقفها بشكل جزئي في بعض الحالات وشبه كامل في حالات أخرى مخلفا عشرات الملايين من الوظائف المفقودة (أكثر من 25 مليون وظيفة حسب منظمة العمل الدولية التي تستعد لزيادة الرقم. وأعتقد أن الرقم سوف يصل إلى أكثر من 50 مليون وظيفة على الأقل طوال فترة انتشار الفيروس بلا رادع طبي، أي خلال عام 2020 على الأقل وذلك بالاتساق مع شلل بعض القطاعات والتراجع المتوقع في معدل نمو الاقتصاد العالمي وربما دخوله إلى مرحلة الركود). وأيا كانت التقديرات فقد ترتب على ذلك نقص في الطلب نتيجة تراجع الدخول أو اختفائها بالنسبة للبعض، ونقص في العرض أيضا رغم وجود الجهاز الإنتاجي السلعي والخدمي والذي تعرض للتعطل الجزئي مما سينتج ظاهرة الركود التضخمي علىالرجحفي العيدي من البلدان. والأكثر دقة وواقعية هو أن كل دول العالم مدعوة لإعادة هيكلة إنفاقها للتركيز على البشر لحمايتهم طبيا ودعمهم لتعويض تعطلهم الكلي أو الجزئي أو لتعطل شركاتهم عن العمل، مع تجميد الإنفاق الأسمنتي على البنية الأساسية مؤقتا فلا حاجة لذلك الإنفاق في ظل التعطل الجزئي للنشاط الاقتصادي الخدمي والصناعي.
وقد أشارت مديرة “الصندوق” إلى أن الأسواق الناشئة بحاجة إلى 2,5 تريليون دولار لمواجهة الأزمة لكنها لم تقل شيئا عن كيفية توفير تلك الأموال ودور الصندوق في ذلك!
أما الولايات المتحدة فقد قلل رئيسها من خطورة المرض في البداية وعرَّض بلاده لصدمة كبيرة عندما انتقل المرض إليها دون أن تستعد له بصورة مناسبة، وتعرض العديد من القطاعات وبخاصة في مجال السياحة والفنادق والمطاعم والمقاهي والمراكز التجارية ودور الترفيه والسينما والنقل الجوي والبري والبحري للشلل الجزئي أو الكلي. وقد فقدت الولايات المتحدة حتى الآن 3,3 مليون وظيفة تحول شاغلوها إلى عاطلين يطلبون إعانات البطالة. وقد وقع الرئيس الأمريكي في 27 مارس 2020 على برنامج حكومي لإنفاق عام إضافي لتنشيط الاقتصاد بقيمة 2,2 تريليون دولار تعادل أكثر من 10% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. وهذا البرنامج يعني أن أكثر اقتصادات العالم تحررا لا تجد مفرا من تعزيز دور الدولة في دعم الاقتصاد، وهو أمر يتكرر في كل الأزمات الكبرى بغرض تعويم الرأسمالية ومواجهة الأزمة. ويتضمن البرنامج تقديم إعانات بطالة لمن يقل دخلهم السنوي عن 99 ألف دولار. وقيمة المعونة الفردية الشهرية 1200 دولار لكل أمريكي يحتاج للمساعدة، و 2400 دولار لكل زوجين و500 دولار عن كل طفل. كما ستقدم الحكومة قروض وضمانات بقيمة 500 مليار دولار منها 29 مليار دولار لشركات الطيران والشحن الجوي، و32 مليار دولار لأجور العاملين في مجال الطيران. ويتضمن البرنامج حماية المستأجرين في حالة تأخرهم عن سداد الإيجارات لمدة شهرين تجدد مرتين على ضوء تطورات الأزمة. كما يتضمن تقديم المساعدات للعمال المؤقتين والعاملين بدوام جزئي. وكما هو واضح فإن الجزء الأعظم من برنامج الإنقاذ الاقتصادي موجه للفقراء والشرائح الدنيا والوسطى من الطبقة الوسطى على اعتبار أن تحول تلك المساعدات إلى طلب فعال سوف يحفز النشاط الاقتصادي ويضمن تسويق إنتاج الشركات القائمة وحفز استثمارات جديدة تستنهض الاقتصاد. وهذا النموذج الكينزي لدور الدولة في الاقتصاد تلجأ إليه الرأسمالية في أزماتها لترتد عنه بمجرد انقشاع الأزمة.
وهذا البرنامج الأمريكي للإنقاذ سيتم تمويله بإحدى طريقتين: الأولى هي إصدار دولارات بلا غطاء ذهبي أو إنتاجي وهي طريقة لصوصية كليا ستعني أن تلك الدولة ستستغل وضعية عملتها كعملة احتياط دولية في نهب سلع وخدمات العالم مقابل مجرد أوراق كما تفعل منذ أربعة عقود. والحل الوحيد لمواجهة هذه اللصوصية هو تسوية التعاملات التجارية السلعية والخدمية الدولية من خلال سلة عملات أخرى أو عملات الدول التي يجري بينها التبادل بالرجوع إلى سعر صرفها مقابل وحدة حقوق السحب الخاصة. أما الطريقة الثانية فهي الاقتراض من خلال إصدار المزيد من سندات وأذون الخزانة لإضافة المزيد من الديون على الحكومة الأمريكية التي تعتبر أكبر دولة مدينة في العالم والتي تزيد قيمة مديونيتها على قيمة ناتجها المحلي الإجمالي من قبل إضافة الديون الجديدة التي ستنتج عن تطبيق البرنامج الجديد لتنشيط الاقتصاد بقيمة 2,2 تريليون دولار. والأفضل لكل دول العالم أن تمتنع عن شراء تلك السندات أو أذون الخزانة الأمريكية لتترك تلك المهمة للبنوك الأمريكية بصورة أساسية ولتكن مستويات المعيشة في تلك الدولة مرتبطة بما تنتجه وليس بما تنهبه من العالم من خلال وضعية عملتها كعملة احتياط دولية. إنه تمويل بالعجز واللصوصية لا ينبغي أن تشارك دول العالم في دعمه ضد مصالحها الاستراتيجية لأنها لو فعلت فسوف يكون غباء لا مبرر له!
لقد أحكمت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا كوفيد 19 حلقاتها حول الاقتصاد العالمي بانتشار الفيروس بكل تداعياته الاقتصادية في كل دول العالم تقريبا. وبات من المؤكد أن ينزلق الاقتصاد العالمي للركود وليس مجرد التباطؤ كما كان الاعتقاد في بداية الأزمة. وهذه الأزمة تختلف كليا عن الأزمات الاقتصادية التي عاصرها العالم عام 2008، أو عام 2001، أو عام 1997، أو عام 1992، أو عام 1981، أو عام 1974.. إلخ قائمة الأزمات الدورية للاقتصاد العالمي أو الأزمات الإقليمية في منطقة دون غيرها. فالأمر لا يتعلق بأزمات مالية أو عقارية أو سياحية أو تجارية أو صناعية أو زراعية، بل بحالة شلل تضرب كل القطاعات وبخاصة الخدمية والصناعية ولا تتيح بدائل جوهرية لتنشيطها بصورتها الراهنة بقدر ما تحصر صانع القرار في مجرد إعادة ترتيب الأولويات وتغيير صور وآليات العمل والإنتاج للحفاظ قدر الإمكان على النشاط الاقتصادي مع توفير ضمانات لمنع انتشار الفيروس.
ويبدو الفيروس وطرق انتشاره وقدرته على الوصول لكل البشر أيا كانت مواقعهم أو مراكزهم، من أكثر المسببات المرضية ديموقراطية في توزيع شروره! وقد قتل الفيروس نائب السفير البريطاني في المجر وأصاب رئيس الوزراء وولي العهد البريطانيين. كما قتل عدداً من المسئولين وأعضاء مجلس النواب ومجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران. كما أنه بدا كاشفاً لطبيعة العلاقات بين الدول والشعوب وفاضحا لأنانية دول الغرب ليس إزاء الدول الأخرى وفقط ولكن إزاء بعضها البعض أيضا. لقد تخلوا عن إيطاليا التي لم تجد من يمد لها يد المساعدة سوى روسيا والصين وكوبا ومصر، ويا له من اتحاد أوروبي!
كما أن آلية الضبط المالي في الاتحاد الأوروبي التي تفرض عدم تجاوز العجز في الموازنة العامة للدولة مستوى 3% من الناتج المحلي الإجمالي قد لا تتوافق مع متطلبات الإنفاق العام لمواجهة الفيروس وتنشيط الاقتصاد وبخاصة في دول المتوسط الأوروبية وعلى رأسها إيطاليا. ولو أصرت دول الشمال الأوروبي وألمانيا على تلك الآلية فربما يؤدي ذلك لانفجار الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن دول الجنوب وعلى رأسها إيطاليا لديها ما يكفي من الاحتقان إزاء الاتحاد الأوروبي الذي لم يمد لها يد المساعدة وهي في عين إعصار “كورونا”.
وعلى صعيد آخر أكدت الأزمة مجددا على إصرار الولايات المتحدة على القيام بدور إمبراطورية الشر فقد أوعزت لصندوق النقد الدولي الذي تهيمن هي وحلفائها على اتخاذ القرار فيه، لرفض تقديم قرض طلبته فنزويلا بقيمة 5 مليارات دولار لمساعدتها على مواجهة تداعيات أزمة فيروس كوفيد 19، رغم أن ذلك البلد لم يطلب أية قروض من الصندوق منذ 19 عاما. لقد غلَّبت الإدارة الأمريكية نزعة التنكيل والانتقام، على الحق والعدل والتضامن الإنساني، وزادت على ذلك بممارسة إرهاب الدولة برصدها 15 مليون دولار لمن يسلمها الرئيس الفنزويلي وهو سلوك يتماهى مع النمط السلوكي لعصابات المافيا. وفعلت الشئ نفسه مع إيران حيث وجهت الصندوق لرفض طلبها المشروع لقرض قيمته 5 مليارات دولار وهو أول طلب إيراني للاقتراض من الصندوق منذ عام 1962. كما أنها لم تقدم أي مساعدة أو إسهام لمساندة باقي دول العالم، بل حاولت الاستحواذ على حقوق إنتاج دواء ألماني في طور التحضير في سلوك استحواذي واحتكاري دنئ رفضته ألمانيا.
وسوف نتناول بشكل مركز ملامح الأزمة والمدى الزمني لها ونتائجها الآنية والمحتملة وكيفية مواجهة الاقتصاد المصري لآثارها المحلية والدولية…
1- الأزمة التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي بسبب فيروس كوفيد 19 تختلف كليا عن الأزمات السابقة التي مر بها، فالأمر لا يتعلق بأزمات مالية أو عقارية أو سياحية أو تجارية أو صناعية أو زراعية، بل بحالة شلل تضرب كل القطاعات وبخاصة الخدمية وبعض القطاعات الصناعية ولا تتيح بدائل جوهرية لتنشيطها بصورتها الراهنة بقدر ما تحصر صانع القرار في مجرد إعادة ترتيب الأولويات وتغيير صور وآليات العمل والإنتاج للحفاظ قدر الإمكان على النشاط الاقتصادي مع توفير ضمانات لمنع انتشار الفيروس. وتتمثل هذه الأزمة في حالة شلل جزئي للاقتصاد العالمي. فقد تم شل قطاعات السياحة الداخلية والدولية والنقل الجوي والبحري والبري بين الدول وتجمدت حركة الاستثمارات العالمية الجديدة. كما توقف العمل في بعض المنشآت الصناعية وبخاصة تلك الكثيفة العمالة والتي يصعب منع انتشار الفيروس فيها إلا بعد تعزيز إجراءات الوقاية والحماية الطبية. كما أن الخدمات المرتبطة بوجود تجمعات بشرية قد تضررت لدرجة الشلل أيضا مثل المراكز التجارية والأسواق الشعبية ودور السينما، وملاعب كرة القدم والرياضات المختلفة، وقطاع التعليم والنقل الجماعي الداخلي..إلخ. وعلى الأرجح سوف يرتفع معدل التضخم في ظل تراجع عرض بعض السلع والخدمات مما ينتج أسوأ حالة يمكن أن يواجهها أي اقتصاد وهي الركود التضخمي. وسوف تكون المعاناة من الأزمة مضاعفة في الاقتصادات التي يشكل قطاع الخدمات المحلية والتصديرية القطاع القائد فيها مثل الاقتصادات الرأسمالية الصناعية الغنية وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكي. وأي برنامج لمواجهة التداعيات الاقتصادية لأزمة كوفيد 19 لابد أن ينهض على إدراك طبيعة الأزمة ومعالجة الآثار التي يمكن التعامل معها، والحماية الاجتماعية لمن تعرضوا لأزمات حادة ومستمرة حتى انقشاع أزمة الفيروس باختراع علاج أو لقاح مضاد له.
2- الأزمة سوف تطول ولن تنتهي بانتهاء فترة الحجر الصحي لمدة أسبوعين أو شهر أو شهور، فطالما أن الفيروس موجود ومنتشر فسوف تتجدد موجات الإصابة به وستظل الأزمة قائمة إلى أن يتم اكتشاف لقاح للتحصين ضد المرض أو معالجته، وبالتالي فإن الأزمة ستستمر حتى بداية العام القادم في أفضل التقديرات وعلى كل الاقتصادات وضمنها الاقتصاد المصري أن تستعد لذلك. وعلى عكس التوقعات في بداية ظهور الوباء والمتعلقة بتضرر الاقتصاد الصيني وموقعه في قيادة الاقتصاد العالمي، فإن تطورات الأزمة واستيعابه للصدمة يعزز بقوة مكانته كقاطرة تجر الاقتصاد العالمي الحقيقي.
3- سوف تتعرض مصر لخسارة جسيمة في إيرادات السياحة الخارجية والداخلية في ظل إجراءات الحجر ومنع التجول والسفر لمكافحة الفيروس محليا ودوليا. وكانت إيرادات السياحة الأجنبية في مصر قد بلغت 12570,6 مليون دولار عام 2018/2019، وبلغت 4193,6 مليون دولار في الربع الأول من العام المالي 2019/2020. ومن ناحية أخرى سوف تتعرض إيرادات قناة السويس لتراجع مرجح على ضوء تراجع النمو الاقتصادي العالمي وما يتبعه من تراجع حركة التجارة العالمية عموما وضمنها التجارة المارة في قناة السويس. وكانت إيرادات قناة السويس قد بلغت 5730,7 مليون دولار عام 2018/2019، وبلغت نحو 1507,3 مليون دولار في الربع الأول من العام المالي 2019/2020. كما أن تحويلات العاملين في الخارج يمكن ان تتراجع في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها البلدان النفطية التي يعملون بها بعد انهيار أسعار النفط. وكانت قيمة تلك التحويلات قد بلغت نحو 25,2 مليار دولار عام 2018/2019، وبلغت نحو 6,7 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي 2019/2020. ولمواجهة النقص الفادح المتوقع في إيرادات النقد الأجنبي يجب ترشيد الواردات غير الضرورية إلى أقصى حد لتوفير النقد الأجنبي ولتفادي عودة الدولار للصعود أمام الجنيه المصري وعودة السوق السوداء في النقد لأجنبي، وأيضا لتفادي الاضطرار للاقتراض بأحجام كبيرة لتعويض ذلك النقص في إيرادات النقد الأجنبي. وفي إطار عضوية مصر في منظمة التجارة العالمية، وطبقا للمادة 18 من اتفاقية الجات تستطيع أي دولة عضو في المنظمة في حالة مرورها بأزمة اقتصادية شديدة اتخاذ ما يلزمها من تدابير لتقليل بعض الواردات بالاتفاق مع الشركاء التجاريين ولأجل محدد المدة. ولو تم تقليص الواردات السلعية التي بلغت 66,5 مليار دولار عام 2018/2019 بنسبة 10% فقط فإن ذلك سيعني توفير نحو 6,7 مليار دولار، على أن ينصرف هذا التقليص للواردات من السلع الترفية وغير الضرورية.
4- من الضروري أن يتم تجميد الإنفاق الأسمنتي على البنية الأساسية والمباني بصورة مؤقتة لتوفير الأموال لتمويل الإجراءات الصحية والرعاية الطبية ولتمويل النفقات الاجتماعية المشار إليها آنفا. وكانت الموازنة العامة للدولة المصرية للعام المالي 2019/2020 قد رصدت 135,9 مليار جنيه للمباني والإنشاءات، ورصدت 56,4 مليار جنيه للآلات ومعدات ووسائل النقل وقسم كبير منها مرتبط بخدمة تنفيذ المباني والإنشاءات. وهذا الإنفاق باستثناء ما يتعلق ببناء المستشفيات والمدارس، بحاجة للمراجعة والتجميد والتأجيل، والتقليص في الموازنة القادمة 2020/2021 والتي سيبدأ العمل بها بعد ثلاثة أشهر.
5- طبيعة الأزمة تجعل الإنفاق الرئيسي المطلوب لمعالجتها هو إنفاق اجتماعي يدخل تحت مسمى الدعم والتحويلات، وهو إنفاق للمساندة الاجتماعية للعاملين الذين تحولوا لعاطلين أو للذين تقلصت أو انهارت دخولهم وبخاصة عمال المياومة والعمالة المؤقتة والعاملين في الاقتصاد غير الرسمي الذي ينتج سلعا عادية ومشروعة قانونيا، وبخاصة في الوحدات الصغيرة من ذلك الاقتصاد، والدعم عبر السياسات المالية للشركات التي تراجعت أعمالها أو تعرضت للشلل والجمود لإبقائها حية ومستمرة إلى أن تنقشع الأزمة، وبخاصة الشركات الصغيرة والكثيفة الاستخدام للعمالة أيا كان حجمها. وهذا الأمر في غاية الأهمية لضمان السلم الاجتماعي القائم على التراضي والتضامن. وتشير البيانات الرسمية إلى أن عدد المشتغلين في مصر قد بلغ 26 مليون عام 2018، منهم 6,1 مليون لدى القطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام، ونحو 19,9 مليون لدى القطاع الخاص وغالبيتهم لدى القطاع الخاص غير المنظم.
6- أن الدول لن تستطيع وحدها مواجهة الأزمة بدون مشاركة مجتمعية تتحملها الطبقة العليا التي كونت ثروتها من المجتمع ومن تسهيلات الدولة وعليها أن ترد بعضاً من أفضالهما عليها ليس بصورة اختيارية ولكن من خلال آليات إلزامية تفرضها الدولة على الأثرياء في صورة رسوم مؤقتة أو ضريبة طارئة بمعدلات مرتفعة مناظرة للمعدلات المطبقة في الدول الرأسمالية المتقدمة على من يتجاوز دخلهم السنوي مليوني جنيه، وبخاصة على من حققوا ثروات طائلة من الحصول بأبخس الأثمان وبصورة غير نزيهة غالبا على أرض الدولة أو شركاتها العامة التي طرحت للخصخصة خلال الخمسة وعشرين عاما التي سبقت ثورة 25 يناير.
7- تتوجه مخصصات معالجة الأزمة التي رصدتها الدول العشرين لاقتصاداتها هي نفسها وليس لاقتصادات البلدان الأخرى، حيث تنظر تلك الدول إلى تنشيط الاقتصاد العالمي على أنه تنشيط اقتصاداتها القادرة في تصورهم على جر باقي اقتصادات العالم للنهوض. وهذا يعني عدم انتظار الكثير من كل دولة من تلك الدول إلا في حدود ما يؤدي لتنشيط العلاقة التجارية والاستثمارية بين مصر وتلك الدولة، وليس معالجة مشكلة الاقتصاد المصري في حد ذاتها. وعلى ضوء ذلك فإن مصر يمكنها أن تتفاوض مع الدول الموردة للسلع لمصر والتي تحقق فائضا تجاريا مع مصر لطلب منح وقروض ميسرة وطويلة الأجل في حدود ما يحتاجه الاقتصاد المصري، لضمان استمرار استيراد السلع منها ولضمان إبقاء العمالة المصرية في مصر بدلا من اندفاع من سيفقدون وظائفهم في موجات من الهجرة غير القانونية لأوروبا. وقد قدم الاتحاد الأوروبي مساعدات للعديد من دول جنوب المتوسط مثل المغرب (450 مليون يورو)، وتونس (250 مليون يورو)، دون أن يقدم مساعدات لمصر توازي حجمها وأعبائها الكبيرة!
8- أكدت التداعيات الاقتصادية لأزمة كوفيد 19 أن دور الدولة في الاقتصاد يشكل عنصرا حاسما في قدرتها على تحقيق النجاح في مواجهة أي أزمة كبرى أو وباء أو ظروف الحرب، بغض النظر عن الموقف من هذا الدور في الأوقات العادية. ولعل البرنامج الحكومي الأمريكي بإنفاق 2 تريليون دولار إضافية، ومقررات قمة العشرين المتعلقة بإنفاق حكومات تلك الدول لـ 5 تريليونات دولار إضافية لمواجهة الأزمة خير دليل على ذلك. وهذا الأمر يقوي موقف الدول التي تحتاج للقيام بدور مباشر في النشاط الاقتصادي لمواجهة الأزمات أو لاستنهاض النمو السريع لتحقيق التطور الاقتصادي وتجسير الفجوة مع الدول المتقدمة.
9- أكدت الأزمة على أهمية البحث والتطوير العلميين في مواجهة الأزمات الصحية، فضلا عن دوره في تطوير وتحديث الاقتصاد في الأوقات العادية. وبدت الدول التي لا يوجد لديها مؤسسات بحثية فعالة في حالة انتظارية لما سينتجه الآخرون من أدوية أو لقاحات. وهناك أمم لديها قدرات ابتكارية عالية مثل مصر التي ينقصها تطوير المؤسسات البحثية والبيئة المناصرة للعلم والجاذبة للعلماء والربط الحيوي بين مؤسسات البحث العلمي ومؤسسات الإنتاج لضمان التمويل لمؤسسات البحث من جهة، وإنجاز الاختراعات اللازمة لتحديث ورفع إنتاجية مؤسسات الإنتاج من جهة أخرى. ولابد للدولة من الالتزام بالنسبة التي قررها الدستور للبحث والتطوير العلميين وهي 1% من الناتج القومي على الأقل، على أن تخصص للإنفاق على البحوث والعلماء وليس على الجهاز الإداري المتضخم والبيروقراطي والمعيق عادة للبحث العلمي نفسه.
10- يجب أن تضع الدولة ضمن خياراتها إمكانية فرض سلطتها الكلية مؤقتا على القطاع الطبي وبخاصة المستشفيات وشركات الأدوية وتحديدا تلك التي تصنع الأجهزة الطبية والأقنعة الواقية والأدوية ذات العلاقة بمكافحة الفيروس، باستخدام ما يسمى “سلطة الأوامر” من خلال التوجيه وتحديد الأسعار دون تأميم أو تغيير لطبيعة الملكية.
11- يتعرض قطاع السياحة والفنادق والمطاعم والمراكز التجارية ودور الترفيه والسينما والمقاهي لأزمة طاحنة يمكن أن تطول حتى نهاية العام الحالي على الأقل. وهذا القطاع الخدمي كثيف الاستخدام لقوة العمل، وبالتالي ستتعرض أعداد كبيرة من العاملين فيه لفقدان الوظائف. ولتعويض هذا الفقدان للوظائف يمكن الشروع فورا في بناء استثمارات صناعية في مناطق جديدة توجد فيها خامات معدنية ومحجرية لتصنيعها، وكذلك تصنيع المنتجات الزراعية، وسوف يترتب على هذا التوجه بناء مستشفيات ومدارس ومراكز خدمية في كل المجالات في هذه المناطق الجديدة. وهذا الحل يخلق فورا حتى في مرحلة الإنشاء أعداد كبيرة من فرص العمل، كما يؤدي لنقل جزء من الكتلة السكانية من الوادي والدلتا المزدحمين إلى مناطق جديدة.
12- تتيح الأزمة لمصر إمكانية التفاوض مع الصندوق والدول المانحة للحصول على قروض ميسرة بفائدة تقترب من الصفر مع فترة سماح متوسطة على الأقل وآجال سداد طويلة وخفيفة العبء. ويمكن الاستفادة من هذه الفرصة في حدود احتياج مصر لتمويل بناء مشروعات إنتاجية قادرة على سداد تلك الديون من إنتاجها.
13- أضافت مصر لنفسها رصيدا حقيقيا كبيرا على الصعيد الدولي بصمودها في مواجهة الفيروس وتقديمها ليد العون لبلدان أخرى بصورة تعكس مستوى محترم من التضامن الإنساني. وبقدر نبل هذا النوع من التضامن فإن مصر بحاجة لتعميقه في الداخل من خلال الإفراج عن المعارضين السياسيين السلميين المعرضين لمخاطر الإصابة بالفيروس في تكدس السجون، وفي كل الأحوال فإن المعارضة السياسية السلمية حق أصيل للمواطنين وليست جريمة تقيد الحريات بسببها.
14- أدت الأزمة لتراجع النشاط الاقتصادي بسبب إجراءات الحجر والإغلاق لمدن ومناطق ودول بأكملها مما أدى إلى تراجع الطلب على النفط والغاز وتراجع أسعارهما التي انهارت لمستويات عام 2001 بعد التوتر النفطي بين السعودية وروسيا والذي نتج عنه اتباع السعودية لسياسة الإغراق التي هوت بأسعار النفط إلى 22 دولار للبرميل. وسوف تستمر أسعار النفط عند مستويات متدنية لسنوات طويلة حتى لو ارتفعت لتدور في الثلاثينيات دولار للبرميل إذا نسقت روسيا والسعودية جهودهما لتحقيق هذا الهدف. ولابد من وضع هذا التطور في الاعتبار لدى تخطيط السياسة الاقتصادية في قطاع الطاقة.
15- لابد من الاستعداد للتعامل مع احتمال مرجح لتوجه جزء من أموال القطاع العائلي لشراء الذهب والدولار والأرض والعقارات كملاذ آمن كما يعتقدون لاختزان القيمة في ظل الأزمة الراهنة، وهي كلها اتجاهات تجمد رأس المال وتفقده فعاليته في تمويل التنمية. وربما تكون المعالجة الأفضل لهذا التوجه المحتمل هي جذب تلك الأموال لشراء أراضي من الدولة تخصص للاستثمار الزراعي مع وضع شروط زمنية تضمن استغلالها بشكل سريع في هذا المجال. كما يمكن جذب تلك الأموال لشراء سندات مضمونة العائد في عمليات اكتتاب لبناء شركات جديدة تشارك فيها الدولة ولو بصورة رمزية لبث الثقة وذلك لاستثمار الثروات المعدنية والمحجرية في مناطق جديدة أو بناء صناعات زراعية وغذائية يحتاجها المجتمع. وسوف تساهم تلك المعالجة في دعم سوق المال وفي القلب منه البورصة المصرية التي تضررت بقسوة بسبب التأثيرات الاقتصادية لانتشار فيروس كوفيد 19، وبخاصة بسبب لجوء البعض لاستثمار أموالهم في الذهب والعملات الأجنبية والعقارات كما ورد آنفا، وأيضا بسبب التراجع المتوقع في الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في البورصة، حيث تشهد لحظات الأزمات الكبرى انسحاب هؤلاء المستثمرين جزئيا أو كليا لتسوية وتعديل مراكزهم في أسواق بلدانهم الأصلية.
16- سوف تحدث أزمات وجودية لعدد لا يستهان به من الشركات العاملة في القطاعات الأكثر تضررا من التداعيات الاقتصادية المحلية والعالمية لأزمة فيروس كوفيد 19. وسواء كانت تلك الشركات مدرجة في البورصة أو غير مدرجة فيها فإنه على الدولة أن تعد برنامجا فوريا من خلال شركة “صانعة للسوق” لحماية الشركات المهمة في النشاط الاقتصادي وفي خلق فرص العمل حتى ولو بالاستحواذ المؤقت على ما يتعرض للانهيار منها لمنعها من الإغلاق حتى يتم الحفاظ على فرص العمل فيها وإعادتها للحياة والربح مع انقشاع الأزمة. وبالمقابل فإن ازدهارا كبيرا يتحقق فعليا في شركات القطاع الطبي وبخاصة تلك العاملة في مجال صناعة الأقنعة الواقية والمطهرات والمضادات الحيوية والأدوية ذات العلاقة بمكافحة فيروس كوفيد 19. ويجب العمل على ضبط أسعار منتجاتها حتى لايستغل البعض فرصة الأزمة لاستغلال المستهلكين بصورة لا يوجد مبرر اقتصادي لها.
17- هناك انتعاش للطلب على السلع الزراعية والغذائية عموما بسبب هيستيريا تخزين تلك السلع في أوقات الإغلاق والحجر وحظر التجول مما يتطلب المزيد من ضبط الأسعار ومنع تخزين السلع واستخدام قوانين الطوارئ وأوقات الحروب في معاقبة من يقومون بأية مخالفات في الأسعار أو حجب السلع.
18- هناك ضرورة قصوى للحفاظ على التجارة الداخلية والخارجية مع اتخاذ كافة التدابير لضمان عدم انتقال الفيروس من خلالها، لأن أي تعطيل أو تجميد للتجارة الداخلية يمكن أن يؤثر سلبيا على حركة الإنتاج وهي روح الاقتصاد وحياة المجتمع. كما أن حركة الصادرات هي شريان حياة المشروعات والقطاعات المعتمدة على الطلب الخارجي والتصدير. أما الواردات الضرورية من المعدات والآلات والسلع الوسيطة والخامات ومستلزمات الإنتاج والسلع الأساسية فإنها ضرورية لسد حاجات المجتمع ولتشغيل مختلف قطاعات الاقتصاد المصري.
19- يظل قطاع الزراعة والصيد هو الأكثر منعة حيث يسهل استمرار النشاط فيه مع تفادي انتشار فيروس كوفيد 19 بين العاملين فيه في حالة الالتزام بالاحتياطيات الضرورية. لكن هذا القطاع العشوائي لا يمكن أن يلبي احتياجات الأمة في لحظة تحتاج فيها لتغيير التركيب المحصولي لزراعة المحاصيل الاستراتيجية وعلى رأسها الحبوب لرفع معدلات الاكتفاء الذاتي حتى لا نتعرض لصدمات من السواق الدولية للسلع الغذائية. وإذا كانت الدورة الزراعية مهمة في الأوقات العادية لتنظيم أي قطاع زراعي مع تعويض مزارعي المحاصيل الاستراتيجية حتى يحصلوا على عوائد موازية لعوائد المحاصيل البديلة، فإن لحظة الأزمة العالمية الراهنة تتطلب من الدولة العودة فورا للدورة الزراعية مع اعتماد سياسة فعالة للحوافز أو التعويضات لمنتجي المحاصيل الاستراتيجية الضرورية لحياة المجتمع وللصناعات المعتمدة على خامات زراعية. أما الصناعات الزراعية وهي كثيفة الاستخدام للعمالة بطبيعتها فمن الضروري أن تكون هناك إجراءات صارمة لمنع انتشار الفيروس بين العاملين فيها ولمنع نقله للمستهلكين للسلع التي تنتجها تلك الصناعات.
20- تشكل الأزمة دافعا قويا لإصلاح ضروري ومستحق للحقوق المالية وبدل العدوي للأطباء والجهاز التمريضي والصيدلي ولكل العاملين في القطاع الطبي، وهو إصلاح تأخر كثيرا وحان أوان اتخاذ خطوات حاسمة لإنجازه لدعم خط الدفاع الأول عن مصر في مواجهة الأمراض والفيروسات.
21- ينبغي الاستمرار في سياسة تخفيف أسعار الفائدة لتنشيط الاقتراض لتمويل النشاط الاقتصادي الجاري والاستثماري بشرط أن يتم ضبط الأسعار حتى يكون معدل التضخم أقل من سعر الفائدة كي تكون الفائدة الحقيقية إيجابية بأي نسبة احتراما لحقوق القطاع العائلي الذي تعود إليه الغالبية الساحقة من الودائع في الجهاز المصرفي في كل العالم. وتشير توقعات وزارة التخطيط إلى أن معدل التضخم سوف يرتفع إلى 9,8%، وهذا يستدعي العمل بصورة أكثر صرامة لضبط الأسعار وتخفيض المعدل إلى مستوى أقل يسمح بالمزيد من تخفيض سعر الفائدة لإنعاش الاقتصاد.